"الموقع بوست" يزور مدارس البدو الرحل في صحراء الرويك كأول وسيلة إعلامية..
مدارس "البدو الرُحّل بمأرب".. 300 طالب يفترشون الرمل بلا معلمين ولا مناهج ولا فصول (تقرير)
- مأرب - محمد حفيظ الثلاثاء, 28 سبتمبر, 2021 - 07:14 مساءً
مدارس

على ظهور الجمال أو على الأقدام حفاة، يسير 300 طالب وطالبة من البدو الرحل مع شروق الشمس الجميل على رمضاء باردة صباحا، حارة مساء بمسافات متباينة من خيامهم إلى خيام أكثر سوءا من منازلهم, وعلى مركبات حينما يتوفر البترول، لحضور صفوف التعليم المدرسي كل يوم.

 

يختلطون في خيمة أشد حرارة وأشد ازدحاما ليتلقوا تعليمهم من معلم واحد وحصة لكل الصفوف من الأول حتى التاسع، يفترشون رمل الصحراء دون كراسي ولا فراش يعزلهم عنها.

 

الفصول والكتب والكراسي والسبورات والمعلمون كلها أساسيات التعليم، وبدونها لا تعليم يقام إلا أنها كلها منعدمة في مدرسة البدو الرحل ذي العنوان اللامع والواقع المخزي رغم عراقة تأسيسها وأهمية أدائها في منطقة تعد فقاسة قطاع الطرق والمخربين في منطقة صحراء الرويك شرقي محافظة مأرب.

 

 

تعمل المدرسة حاليا بأربعة معلمين فقط وفصلين متنقلة وفصلين ثابتين، فيما خمسة فصول متوقفة لعدم توفر المعلمين وعدم توفر الخيام كفصول متنقلة، في حين يقبع أكثر من نصف طلاب المدرسة خارج فصول الدراسة منذ العام الفائت، رغم التحاقهم بكشوفات التعليم في المدرسة ينتظرون لفتة مسؤولة نحوهم لتوفير احتياجاتهم التعليمية الأساسية من معلمين وخيام وسبورات ومناهج من قبل مكتب التربية بالمديرية والمحافظة.

 

تصدر ذكر البدو الرحل -الذي أصبح عددهم حاليا 700 أسرة- في صحراء الربع الخالي ذاكرة المعمورة، حتى اليوم، إلا ذاكرة مكتب التربية بمأرب غيبوا تماما عن اهتماماتهم، حيث أوجدت السلطات السابقة مدرسة البدو الرحل لكنها مدرسة دون معلمين ولا مناهج مدرسية ولا فصول ولا خيام، إلا ما جاد به الأهالي من البدو الرحل أو ما يوفره فاعلو الخير لتعليم أهم شريحة تحرس الأرض وتحيي حضارة بلد توارثتها لآلاف السنين.

 

 

يقطن البدو الرحل منذ زمن بعيد الصحراء الواقعة شرق محافظة مأرب والتي تقع في حدود محافظات حضرموت وشبوة ومأرب والجوف وفي الحدود الجنوبية للسعودية، وتسمى المناطق التي يتمركز فيها البدو الرحل "ريدان العصيب وأبو جنب والسديهات والسلات والرويك والعلم الأسود وجبل الملح"، وكلها قرى بدوية صحراوية تتبع عزلة آل مشعل في مديرية الوادي بمأرب على بعد 210 كم شرق صنعاء.

 

 

واعتمدت مدرسة البدو الرحل في صحراء الرويك شرق مأرب عام 1993 من قبل مكتب التربية بمأرب بحسب المعلومات الرسمية، ومن حينها لم تبنِ السلطات الرسمية لهذه المدرسة فصلا واحدا ولم تعتمد لها خيمة واحدة كفصل متنقل لتعليم أبناء البدو الرحل ولم تعتمد لها سوى بعض الكتب المدرسية بشكل طفيف ومعلمين متعاقدين دون تحفيزهم على البقاء في صحراء قاحلة إنما براتب لا يكفي لشرب الماء.

 

تعاقب على إدارة مدرسة البدو الرحل ثلاثة مدراء آخرهم مدير متعاقد منذ 2014 تطوعا لإبقاء هذه المدرسة القائمة على مساعدة الآخرين وعلى ما يجود به الناس على هيئة تعليمية رسمية دون التفات الجهات المعنية إلى واقع البدو الرحل ونتائج ما خرج به أجيالهم الأولون الذين يعاني منهم اليمن حتى اليوم على طريق العبر من تقطع قبلي واحتراب وسرقات المسافرين وتخريب وتهريب وغيرها من المهن التي سببها ضعف أو انعدام تعليم هذه الشريحة التي تقطن منطقة صحراوية حدودية مع السعودية وتنفرد بها.

 

 

تختلف مدرسة البدو الرحل (المكونة من 9 فصول منها 2 ثابتين و7 متنقلة على شكل خيام) عن باقي مدارس البلاد فهي مدرسة مترامية الأطراف وبمساحة 100وكم، وفصولها متناثرة في بطن الصحراء وليست كالمعتاد إلى جوار بعضها، حيث يبعد الفصل عن الآخر من 50 كم و30 كم و20 كم توقع الفصول المدرسة في منطقة الرويك وأو جنب ومنطقة غويربان ومنطقة الخال ومنطقة الغر اليماني في حدود العبر ومنطقة الثنية ومنطقة الملح، وكلها قرى يسكنها البدو الرحل في الصحراء وتتبع عزلة آل مشعل مديرية الوادي شرق محافظة مأرب، بحسب عبد الفتاح الحميدي مدير مدرسة البدو الرحل حاليا.

 

وقال الحميدي لـ"الموقع بوست" -الذي زار مناطق البدو الرحل ومدرستهم كأول وسيلة إعلامية تدخل هذه المنطقة وتطرق أبواب مشاكل تعليم البدو الرحل- إن مدرسة البدو الرحل تغطي تعليم البدو الرحل، مشيرا إلى أنه رغم الصعوبات الكبيرة والمعاناة التي يتجرعونها يحاولون إيصال رسالة التعليم لهذه الفئات المهمشة من البدو الرحل والبدو النازحين من صحاري الجوف واللبنات وهذه المنطقة المحرومة من الكثير من الخدمات بما فيها قصور كبير في التعليم.

 

وأضاف الحميدي أن هذه الشريحة من طلاب البدو الرحل "إذا لم نهتم بتعليمهم فهم يعتبرون قنبلة موقوتة وقد يصبحون بعد عشر سنوات قطاع طرق ومهربين ومخربين ومجرمين، فعلينا أن نبادر إليهم بالتعليم قبل أن يلتحقوا بمن سبقوهم إلى تلك الأعمال غير السوية".

 

 

وطالب التربوي الحميدي الجهات المعنية بتوفير اليسير من احتياجات التعليم لهذه الفئات التي باتت على هامش الاهتمامات للجهات المختلفة، حيث إن في هذه المدرسة فصول تعمل بقدرات بسيطة وفصول مغلقة بسبب عدم توفر الخيام، وفصول مغلقة تماما بسبب عدم توفير المعلمين المتعاقدين، فيما الفصول الثابتة بنتها في العام 2009 شركة جوبا الألمانية التي زارت المنطقة وقدم الأهالي لها طلبا لبناء تلك الفصول التي تعمل حتى اليوم.

 

وتغير كثيرا اهتمام البدو الرحل بالتعليم، وبات الآباء والأسر من البدو الرحل مهتمين كثيرا بدفع أبنائهم إلى التعليم وأصبح الآباء يدفعون أبنائهم إلى المدرسة، ولكن بحسب الحميدي فإن البيئة تتغلب على الطفل وعلى الأب وينقطع عن تعليمه لأسباب مالية أو قبلية أو أمنية، وغيرها.

 

فصول متنقلة

 

تتنقل الفصول السبعة المتنقلة في مدرسة البدو الرحل وسط الصحراء مع انتقال البدو إلى حيث يحلون بحثا عن الماء والكلأ لمواشيهم من الأغنام والإبل ليتوسط الفصل منطقة قريبة من جميع البدو في مناطق متقاربة بحيث يبقى الفصل في منطقة واحدة من بداية العام الدراسي ولمدة ستة أشهر، ثم تأتي الإجازة الصيفية وبعدها ينتقل البدو ومعهم الفصل الدراسي إلى مكان آخر حيث قد يبتعدون عن المكان الأول حوالي 100 كم للبحث عن العشب والماء لرعي مواشيهم.

 

 

وبحسب المعلم في مدرسة البدو الرحل ياسر سعد مراد -معلم متعاقد مع مكتب التربية يحمل شهادة بكالوريوس- في حديثه لـ"الموقع بوست"، فإن الفصول المتنقلة تتطلب تغيير كل عام على الأقل، حيث قد تكون الفصول من خيام أو شبكات تؤثر عليها بشكل مباشر الطقوس الصحراوية شديدة الحرارة والرياح والرمال المتحركة، فيما تعتمد المدرسة على توفير تلك الفصول من فاعلي الخير أو أهالي الطلاب من البدو الرحل، بحيث تكلف تلك الخيام أو الشبكات مبالغ كبيرة يصعب عليهم تحمل تكاليفها كل عام، فيما لا يقدم مكتب التربية الدعم لشراء تلك الاحتياجات.

 

 

تغوص أجساد الطلاب وأقدامهم في رمال الصحراء وسط خيمة مهترئة تسمى فصلا دراسيا، وتقف قنينة ماء ملبسة بقطعة قماش ليرتوي منها المعلم والطالب وإلى جوارها سبورة منشطرة إلى نصفين جلبها معلم من إحدى المدارس الخاصة بالمدينة ليكتب عليها الحروف الهجائية للطلاب من الصف الأول إلى السادس، فيما لا دور يذكر للمنظمات أو الجهات الداعمة لمدارس البدو الرحل، وتبقى على حالها المأسوف عليه حتى تعمل السلطات الرسمية بما ألزمها به القانون اليمني في حق التعليم العادل والمتساوي لكل فئات الشعب.

 


التعليقات