اليمنيون في الذكرى الـ59 لثورة سبتمبر.. اقتفاء أثر الحلم الضائع (استطلاع)
- أكرم ياسين الأحد, 26 سبتمبر, 2021 - 04:50 مساءً
اليمنيون في الذكرى الـ59 لثورة سبتمبر.. اقتفاء أثر الحلم الضائع (استطلاع)

[ ثورة 26 سبتمبر المجيدة ]

لأول مرة منذ قرابة 58 عاماً يأخذ احتفال اليمنيين بالذكرى السنوية التاسعة والخمسين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول 1962 هذا العام طابعاً مغايراً وأكثر عقلانية، غاب فيه بشكل ملحوظ الخطاب الاحتفائي الممجد للجمهورية ومنجزات الثورة السبتمبرية الذي تميزت به مظاهر وتعابير الفرح عند إحياء هذه المناسبة الخالدة منذ ما يزيد عن خمسة عقود.

 

عودة الإمامة البائدة بكل ويلاتها وخرافاتها وممارساتها الاستبدادية ومشاهد الفقر والجوع والبؤس التي كانت إلى ما قبل ست سنوات تاريخاً للاعتبار بالنسبة لجيل ما بعد ثورة 26 سبتمبر وتحولها إلى واقع يومي معاش، دفع باليمنيين لجعل ذكرى ثورة سبتمبر ما يشبه الاستجواب والمحاكمة للتاريخ والعوامل والأسباب التي أعادت اليمنيين عقوداً للوراء.

 

"الموقع بوست" يقدم في هذا الاستطلاع عينة من آراء اليمنيين وانطباعاتهم عن ثورة 26 سبتمبر في ذكراها التاسعة والخمسين.

 

نقطة تحول بين عهدين متناقضين

 

يقول الكاتب والناشط السياسي منصور الأصبحي "لا يزال الوجدان اليمني يجسد مشروع ثورة 26 سبتمبر 1962 كأعظم الثورات اليمنية كونها كسرت القوالب الجليديّة العازلة للمعرفة والمستقبل على حدّ سواء، فهي وإن ضربت في بعض جوانبها، إلا أنها بالنسبة لكل يمني هي الفارق بين العهد الجمهوري الثائر والعهد الإمامي الكهنوتي رغم كل تعقيدات الحال الحرب والظرف العام الذي تعيشه كل بلاد اليمن من الجوف إلى حوف".

 

واستطرد الأصبحي "تبقى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بكل أهدافها هي سقف انتصارات المجتمع اليمني مهما جار عليه وعليها الزمن، ستبقى الأهداف الثورية السبتمبرية كمسلّمات ضمنية اختزلت مشروعا تراكميا عمره بعمر الحضارة اليمنية الأزلية وتاريخا من المدنية والتحضر الذي شهدته اليمن منذ آلاف السنين، فهي إلى هذه الفاصلة المرحلية تحولت في وجدان كل يمني من ثورة شكلية إلى مشروع جمهوري استباقي يضع حداً فاصلاً بين خيارات اليمن بكل أبنائه الجمهوريين وبين مشروع السلالة الكهنوتية الظلامية حتى إشعال ثوري يجيء على مراحل نشهدها اليوم وسنشهدها حتى حين".

 

روح الثورة الممزق

 

من جهتها دعت إيناس عبدالله (موظفة حكومية) في حديثها لـ"الموقع بوست" اليمنيين بمختلف توجهاتهم ومشاربهم الفكرية والسياسية والمثقفين والكتاب وقادة الرأي إلى التوقف عن مواصلة السير خلف العواطف والقفز على حقائق التاريخ وتخدير الأجيال الحديثة بالمغالطات.

 

وأردفت إيناس "بأي صورة يمكن الاحتفال بثورة لم يتبق منها غير العلم وروح ممزقة، فالعهد الإمامي الذي زعمنا أن ثورة 26 سبتمبر قضت عليه، عاد بكل مساوئه وخرافاته، عاد العكفي يجبي الخمس حتى من قيمة الدجاجة، عاد الجوع والفقر والاستبداد لدرجة تساور المرء الشكوك عن أن ثمة ثورة حدثت فعلاً".

 

واختتمت إيناس حديثها بدعوة جميع اليمنيين لتوحيد صفوفهم وإعادة قراءة تاريخ اليمن الحديث من ثورة 1948 باعتبارها كانت أولى محاولات اليمنيين لنيل حريتهم وصنع مستقبلهم وما تلاها من محاولات والاستفادة من تجارب التاريخ وعبره وتصحيح الأخطاء.

 

الإمامة برداء جمهوري

 

الأكاديمي والباحث اليمني عادل محمد يرى أنه طوال أكثر من خمسة عقود واليمنيون يحتفلوا بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر الخالدة، مرددين في كل محفل المقولة التاريخية "إن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء"، لكنهم اليوم يعيشون صدمة وهم يشاهدون عجلة التاريخ تعود لما قبل 26 سبتمبر 1962 وهي معجزة تاريخية لم تحدث سوى في اليمن، فكل ثورات شعوب العالم التي قامت قبل ومع وبعد ثورة سبتمبر اليمنية حققت أهدافها ولم يعد بها الزمن لما قبل نقطة الصفر.

 

وفي حديثه لـ"الموقع بوست" يقول عادل "ما نشاهده اليوم من عودة للعهد الإمامي بكل ثقافته وخرافاته وتخلفه ليس فزورة ولا معجزة، فمن يقرأ تاريخ ثورة 26 سبتمبر 1962 منذ انطلاق شرارتها وصولاً لإطاحتها بعرش الإمامة والظروف الإقليمية والمحلية التي أعقبت إعلان الجمهورية، سيدرك الحقيقة المرة التي ظل اليمنيون يتجاهلونها طيلة خمسة عقود، والمتمثلة في أن الإمامة ومخلفاتها ظلت صاحبة التأثير والحضور القوي في حكم اليمن طيلة العقود الماضية ولكن برداء الجمهورية".

 

الاتفاقية التي ذبحت الثورة

 

وبحسب ما أكده الأكاديمي اليمني عادل محمد فإن السعودية ألقت بكل ثقلها السياسي والعسكري والمالي لدعم فلول الملكيين وقمع ثورة الجمهوريين بدافع عداء تاريخي لليمن أولاً، وبحجة أن قادة الثورة يتلقون دعماً من نظام جمال عبدالناصر القومي، وبالتالي فإن قيام نظام جمهوري في خاصرتها الجنوبية يعد تهديداً وجودياً لها، لذلك استماتت في دعم الملكيين بكل الوسائل وعلى الرغم من فشلها في إعادتهم للحكم بقوة السلاح إلا أنها نجحت في إعادتهم من خلال معركة السياسة، فكانت اتفاقية جدة في 23 أغسطس/آب 1965 الموقعة بين الملك فيصل والزعيم جمال عبدالناصر والتي نصت بنودها على عودة الملكيين للحكم مناصفة مع الجمهوريين.

 

وأشار عادل إلى أن تلك الاتفاقية مثلت ذبحاً لثورة 26 سبتمبر من الوريد إلى الوريد، وبحدوث نكسة 1967 وانسحاب الجيش المصري من اليمن خلا الملعب اليمني للسعودية التي اتبعت سياسة الموت البطيء للثورة وإعادة الملكيين لسدة الحكم منفردين ولكن برداء جمهوري.

 

استعادة الجمهورية

 

موسى محمد، أحد أفراد الجيش اليمني، عبر عن خيبة أمله من احتفال اليمنيين بذكرى ثورة 26 سبتمبر الخالدة في ظل حرب مدمرة وتدهور اقتصادي ومجاعة وغياب شبه تام للنظام الجمهوري ودولته، متسائلاً بمرارة: كيف سيكون الاحتفال بثورة لم يعد منها سوى علم فقد رمزيته؟

 

يقول محمد في حديث لـ"الموقع بوست": "لم يتبق من أرض الجمهورية اليمنية غير ثلاث محافظات هي مأرب وتعز وشبوة، ستحتفل بذكرى ثورة سبتمبر التي لم يتحقق من أهدافها الستة شيء، والأمَر من ذلك عودة العهد الامامي البائد لحكم اليمن والتسلط على اليمنيين".

 

وأكد موسى في ختام حديثه أن "ثورة 26 سبتمبر مثلت إرادة اليمنيين وخيارهم في الحرية والمساواة وستظل شعلتها متقدة في نفوس اليمنيين، وسيستمر نضالهم حتى تحقيق أهدافها مهما طال الزمن وعظمت التضحيات".

 

ويحتفل اليمنيون بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول 1962 بطريقة مغايرة عما ألفوه خلال أكثر من خمسة عقود عند إحياء هذه المناسبة الوطنية، فقد علا الصوت المطالب بالاستفادة من أخطاء الماضي وتصحيحها والكف عن الانقياد خلف عواطف يدحضها الواقع الحزين على الصوت التقليدي المتغني بمكاسب وإنجازات ثورة لا يعلم غالبية اليمنيين في أي منعطف تاريخي أضاعوها.


التعليقات