[ الشهيد بشير شحرة ]
شهدت مدينة إب، نهاية النصف الأول من شهر إبريل الجاري، جريمة بشعة، ارتكبتها مليشيا الحوثي عبر الأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها، وراح ضحيتها شاب من أبناء المحافظة، عرف بمناوئته الدائمة لكل ألوان الظلم والاستبداد، سواء أثناء حكم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، أو بعد سيطرة مليشيا الحوثي على المدينة منتصف أكتوبر من العام 2014.
"بشير شحرة"، من أبناء مدينة إب، الذين عجزت كل السلطات السابقة واللاحقة، في ترويضه واستقطابه إلى جانبها، حيث ظل منذ عام 2006، منحازا إلى أبناء مدينته، ورافضا لكل محاولات الاستقطاب والتدجين، سواء باستخدام الترغيب أو الترهيب.
تحول بشير كما تشير المعلومات التي حصلنا عليها، إلى مصدر إلهام لشريحة الشباب بمدينة إب، وهذا ما جعل منه موضع استهداف مباشر، وفعلا، كان يوم الخميس الموافق 14 إبريل الجاري، موعدا لتصفيته على يد عناصر من قوات الأمن التي وجهتها السلطة المحلية، بقيادة المحافظ المتحوث، عبد الواحد صلاح.
ونظرا للشهرة التي نالتها جريمة تصفية "بشير شحرة"، قام فريق من محرري (الموقع)، بإجراء تحقيق استقصائي للكشف عن ملابسات وتفاصيل جريمة الاغتيال هذه، وتتبع خيوطها، لتصبح الصورة كاملة بين يدي القارئ الكري.
ما قبل الحادثة
من خلال التواصل الحذر الذي قام به فريق التحقيق بـ(الموقع) بعدد من المصادر المقربة من الحوثيين، أو المصادر الأمنية بأجهزة الشرطة، ومع بعض من عملوا أو ما يزالون مع المخابرات، وغيرهم، والذين نحتفظ بأسمائهن نظرا لحساسية الموضوع، اتضح أن المجني عليه كان مطلوباً منذ فترات سابقة، وفي تهم وقضايا متفاوتة، بحسب الأحداث الجارية سياسياً واجتماعياً.
وقد تبين لنا، أنه تم وضع قائمة بالشخصيات المطلوب تصفيتها في محافظة إب، كغيرها من المحافظات، وهم المؤثرين في المجتمع، وتحديد الطريقة والإجراء المتخذ مع كل شخصية، حسب ما يناسبها، ما بين الاختطاف والتغييب والتصفية الجسدية، وكان من بين تلك الشخصيات "بشير شحرة"، بحسب تلك المصادر.
لماذا بشير؟
أكد أكثر من مصدر لفريق التحقيق بـ(الموقع) أن "بشير شحرة"، تم التركيز عليه من قبل قيادة السلطة المحلية، وقيادة حزب المؤتمر منذ الانتخابات الرئاسية عام 2006م، نظرا لنشاطه المعارض داخل المدينة، ورفضه الفطري للتسلط والاستبداد، وقد مارس المعارضة بصورة ذاتية دون أي توجيه من أي طرف، وهذا ما جعل مختلف الأطراف تتخلى عنه، فلم يصدر أي طرف سياسي حتى بيان إدانة للجريمة المشهودة.
المصادر ذهبت إلى ما أيده كثير من المراقبين في أن الخطر الكبير الذي مثله "بشير شحرة"، يتمثل في مواقفه الصلبة ضد كل ظلم، ووقوفه مع كل مظلوم، وتصديه لكل ظالم دون تردد، والأخطر من ذلك أنه استقطب الكثير من شباب المدينة القديمة ممن أحبوه ونصّبوه شيخا، بديلاً عن المشائخ المعروفين، والذين شعر الشباب أنهم سبب بلاء ونكبات المحافظة عموماً والمدينة على وجه الخصوص.
وتحول الشاب بشير، إلى مصدر إلهام للكثير من شباب المحافظة، ممن تملكتهم النقمة من فساد وسوء المشائخ والشخصيات النافذة في إب، الأمر الذي أثار قلق المشائخ والنافذين، وكذا السلطة المحلية، التي يقع على رأسها رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام، الشيخ عبد الواحد صلاح، المعين من قبل الحوثيين محافظا لمحافظة إب، والذي سبق أن طلب من بشير عدة مرات الانضمام لحزبه (المؤتمر)، ووعده بوظيفة ومنصب، وكان أخر العروض التي عرضها عليه، تعيينه مدير أمن لإحدى مديريات إب، لكن "بشير شحرة"، رفض كل تلك العروض، وآثر البقاء، مستقلا وحرا، حتى أنه رفض الانضمام إلى الأحزاب التي حاولت استقطابه، وفي مقدمتها حزب الإصلاح، وبعد سيطرة الحوثيين على المحافظة، حاولوا أيضا استقطابه، عبر قيادات ووجهاء مقربين منه، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل.
وبحسب مصادر مقربة من الحوثيين، تحدثت لـ(الموقع)، فإن الجماعة، لجأت إلى التقرب من الشهيد "بشير شحرة"، بعد أن استبعدت خيار الاختطاف والمواجهة، نظرا للشعبية التي يحظى بها في أوساط الشباب، إذ تخشى الجماعة من أن يؤدي ذلك، إلى حدوث صدام مع الشباب المتحمسين الذين يعتبرونه مصدر إلهام لهم، وبعد فشل استمالته، طلب قيادات جماعة الحوثي بمحافظة إب، من السلطة المحلية، ضرورة التعامل معه بالطريقة المناسبة.
بدورها أرسلت السلطة المحلية التي يمثلها شخص عبد الواحد صلاح وسطاء من المقربين من أسرة الفقيد شحرة، لإقناعه بالتعاون مع السلطة، وأن يكون أحد رجال المحافظ في المدينة، كغيره من الشخصيات خصوصاً الشابة، مع العلم أن الوسطاء حملوا أيضا في ثنايا عرضهم له، شيء من التهديد المبطن، ثم تحول إلى تهديد علني، في محاولة لإثنائه عن موقفه، إلا أن كل تلك المحاولات فشلت.
تحين الفرصة
كانت حادثة الجامع الكبير هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وهي العذر الذي استغلته عناصر الميليشيا، بجناحيها الحوثي والمؤتمري للتخلص من الإزعاج الذي يمثله شخص بشير شحرة، ورفعت تقارير متتالية عبر جهاز الأمن السياسي بالمحافظة، تؤكد على ضرورة التخلص من "بشير شحرة"، نظرا لكونه أصبح مصدر إزعاج وعرقلة لخطط التقدم والسيطرة الفكرية على مجتمع مدينة إب القديمة.
ففي ظهر يوم الجمعة الموافق 26 فبراير الماضي، قام "بشير شحرة"، ومعه مجموعة من الشباب بصورة تلقائية بالتصدي لمحاولة المليشيا، فرض خطيباً للجامع الكبير في المدينة القديمة، الذي يعتبر أقدم وأشهر مساجد اليمن، والمسمى بالجامع العمري، كونه بني في عهد الخليفة عمر إبن الخطاب، وهو ما أعطى له مكانة خاصة لدى اليمنيين وأهالي إب على وجه الخصوص.
وفي الجمعة التالية، أقدمت مليشيا الحوثي على نشر مسلحيها في مداخل الجامع، في محاولة لفرض خطيبها بالقوة، كما فعلت في الكثير من مساجد اليمن، إلا أن الأهالي وفي مقدمتهم الشباب، احتشدوا وعلى رأسهم الشاب شحرة، الذي كان يحمل سلاحه الشخصي، ووقفوا في مداخل الجامع رافضين أي خطيب غير خطيب الجامع الرسمي الشيخ عرفات شريف، الغير منتمي لأي طرف سياسي، والمعروف بعلاقته الجيدة مع الجميع، فسجلوا بذلك موقفاً بطولياً تناقلته وسائل الاعلام يومها.
وكان هذا الموقف، إضافة جديدة إلى سجل الشاب "بشير شحرة"، لدى أجهزة أمن المليشيا، ما دفعها إلى وضع خطة للتخلص منه، ليكون لغيره ممن تسول لهم أنفسهم الوقوف بوجه المليشيا، وفعلا تم إقرار الخطة.
الخطة
أفادت مصادر (الموقع)، أنه تم اعداد خطة للتعامل مع شحرة راعت جميع الجوانب، واحتوت مجموعة بدائل للتنفيذ، وتضمنت الخطة، بحسب المصادر، على أن يتم إخراجه من المحافظة إلى إحدى الجبهات خصوصا عندما اقتربت المقاومة من مدينة إب من جهة بعدان، ولكنه لم يستجب، ثم وضعت بدائل أخرى، منها استدعائه إلى صنعاء أو مارب أو حتى تعز ثم اغتياله، ولكنه لم يوافق أيضا، على كل الدعوات وآثر البقاء في مدينته وبين محبيه من الشباب الذين تأثروا به كثيراً.
وقبيل تنفيذ خطة التصفية، حرصت مليشيا الحوثي، على جميع التفاصيل الكاملة حول الضحية، وكذا حول طبيعة منزله، وغيرها من المعلومات الهامة لتنفيذ المهمة، وذلك بعد أن تم اتخاذ قرار تصفيته داخل منزله، الواقع في المدينة القديمة.
التنفيذ
بعد استكمال كافة الترتيبات للتنفيذ، وتم تحديد ساعة الصفر، بعد مراقبة دقيقة للضحية، لمعرفة أوقات خروجه وبقاءه في المنزل، وغيرها من التفاصيل، كما تم الاتفاق على نشر وحدات عسكرية وأمنية، ضمن طوق أمني على محيط المدينة القديمة بالكامل، بحسب ما أكدته المصادر لنا، وبما يضمن عدم حدوث أي اختراق أو فشل في الخطة.
وحرصت المليشيا، بحسب ما ذكرته المصادر لـ(الموقع) على أن تكون العملية ضخمة، من ناحية الكم الكبير للآليات والعناصر المشاركة فيها، بهدف إيصال رسالة إلى السكان، لتحذيرهم من أي محاولات للتمرد على إرادتها.
ونشرت المليشيا، عناصر لمراقبة الضحية "بشير شحرة"، أثناء تواجده في منزله، بهدف التأكد من وجوده هناك لحظة انطلاق العملية.
ساعة الصفر
تم تحديد موعد تنفيذ عملية تصفية "بشير شحرة"، بعد صلاة الفجر من صباح الخميس الموافق 14 ابريل 2016م، وبدأت بالفعل التحركات منذ قبيل الفجر، حيث بدأت المجاميع من عناصر المليشيا والأمن، بالانتشار في المحيط العام للمدينة القديمة من المعقبة والمشنة في الجنوب والجنوب الشرقي وصولاً إلى المركزي في المحيط الشمالي والشمالي الغربي.
وبدأت تلك الوحدات الأمنية بتطويق المنطقة، ( الطوق الأول جنود الأمن العام والطوق الثاني الداخلي من قوات الأمن المركزي ومن ثم الطوق الأضيق منه من قوات الشرطة العسكرية وبعدها وحدة من القوات الخاصة ثم فرقة المهام الخاصة والتي نفذت العملية مباشرة)، وكل طوق مكون من عدد من الأطقم العسكرية وكان الجميع يرتدون ملابسهم الرسمية خصوصاً مجموعة التنفيذ والذين كانوا مجهزين بكامل عتادهم وهيئتهم المرعبة خصوصا مع وضعهم الأقنعة على وجوههم بحسب شهود العيان، وكذا من خلال الصور التي استطاع البعض التقاطها لهم، ما عدا قائدهم فقد كان يلبس الزي الشعبي (ثوب)، إلى جانب قناع الوجه والدرع الواقي من الرصاص، وقد غطى الجميع وجوههم بالأقنعة بمن فيهم المرشدين لضمان عدم التعرف عليهم.
توجهت مجموعة الاغتيال مباشرة ترافقها كاميرا التصوير الخاصة بالتوثيق بيد أحد المقنعين، والتي كانت على ما يبدوا تتوقع مقاومة الهدف، ليتم اخراجها بأنه قتل أثناء اندلاع اشتباكات، حيث تقدم أحدهم بعد أخذ البقية مواقعهم موزعين في وضعيات استعداد قتالي احترافية، وقام بطرق باب منزل "بشير شحرة".
وبحسب الروايات المتطابقة، التي حصل عليها (الموقع)، فقد قام "بشير" بفتح الباب، ليقوم العنصر الذي تقدم إلى المنزل، بإطلاق رصاصتين عليه بشكل مباشر، من سلاحه الشخصي، اقتلعت إحداها الركن الأيسر من مؤخرة الجمجمة وسقط للتو على الأرض مضرجاً بدمائه.
ولأن الاستعدادات كانت لمواجهة أكبر مما حدث فقد واصل القتلة استعراضهم باقتحام البيت وفجروا قنابل صوتية لإخافة من بالداخل ولم يكن يتواجد غير زوجته وأولاده وأولاد أخته الذين يتولى رعايتهم، إضافة إلى فتىً آخر، يدعى محمد نجيب البرعي لا يتجاوز عمره 15 عام صادف وجوده في بيت الضحية بعد عودته معه من أداء صلاة الفجر في مسجد السني القريب من المنزل، حيث أفادت المصادر، أنه تعرض للاختطاف بعد ضربه من قبل المليشيا، بوحشية، حتى سمع صوته الجيران وهو يبكي ويتألم، علما بأنه لا يزال مخفياً حنى ساعة اعدادنا للتحقيق.
وخلال عملية الاقتحام، قامت المليشيا، بتفتيش المنزل، والعبث بمحتوياته ونهب ما خف حمله وغلا ثمنه، حيث أكدت المصادر، أنه تم نهب المسدس الشخصي لـ"بشير شحرة"، إلى جانب مبلغ 280000 ريال، كانت جمعية عنده يشترك بها مع بعض الجيران والمعاريف حسب تأكيد المصادر، إضافة إلى قيامهم بالعبث بكل محتويات المنزل، من مواد غذائية، كالطحين وغيرها، من المحتويات.
أما المشهد الخارجي فقد كان هو الأخر مفزعاً للغاية، ووفقاً للكثير ممن التقاهم فريق التحقيق الخاص بـ(الموقع)، مباشرة أو راسلناهم لتعذر الالتقاء بهم فقد عبروا عما عاشوه بأن المشهد كان أقوى مما تمارسه العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين.
فخلال تنفيذ العملية، فوجئ السكان، بقيام المليشيا، والعناصر الأمنية التي داهمت المنزل، بحظر التجوال، ومنع أي حركة في الحي، كما تم إطلاق النار على عدد من المنازل بشكل عنيف، واستهدفت كثير من النوافذ التي كانت مفتوحة.
ولم يسلم كل من خالف التهديدات سواء بقصد أو بدون قصد، حيث قامت تلك المليشيا، باختطاف عدد من الأهالي، نمتنع عن نشر أسمائهم بحسب طلب ذويهم، إلا أنها دونت لدى المنظمات المعنية بحقوق الانسان كجزء من الجريمة كلها، حيث تبين لنا أنهم تعرضوا للضرب بقسوة وسحب بعضهم إلى فوق السيارات، ولم تسلم حتى مقتنياتهم من النهب والعبث، كما أظهرت بعض اللقطات التي التقطتها كاميرات بعض الشهود.
وقد حرص المنفذون لعملية التصفية، على ترديد الصرخة، أثناء وبعد مداهمة منزل شحرة، وتصفيته، كنوع من الاستعراض والإمعان في إرهاب الناس، واستعدائهم أيضا.
من يكون؟
كل ما مضى جعلنا نواصل البحث عن حقيقة شخصية "بشير شحرة" للوقوف على بعض جوانب حياته، فما هي سيرته الذاتية ؟.
هو "بشير مشلي شحرة" من مواليد 1976م متزوج وله خمسة أولاد ثلاثة أولاد وبنتان أكبرهم أوس 12عام والذي سجل موقفاً أذهل الجميع عندما رفض البكاء نهائياً وقال إن هذه وصية والده ولن يفرط فيها فالرجال لا تبك كما أخبره والده مراراً.
يعود أصل بشير لآل شحرة القاطنين في مديرية بعدان شرق محافظة إب ويعود أصلهم إلى قبيلة حاشد في محافظة عمران.
انتقل والد بشير الذي كان جندياً للسكن بمدينة إب القديمة بعد ان تزوج من احدى اسرها وورثت زوجته منزلان بالإضافة إلى منزل الزوج واعتمدت الأسرة على ايجارات تلك المنازل للمعيشة المناسبة اضافة لراتب الأب المتوفي والذي لحقت به الأم مخلفان ولد وبنتان يقوم عليهم الولد الذي هو بشير.
وبالتالي فلم يبني بشير بيتاً مكونا من اربعة طوابق كما روج اعلام القتلة متسائلين من أين حصل على الفلوس بينما جميع من يعرفه يعرف أن جميع المنازل قديمة كغالبية منازل المدينة التاريخية.
قتل بشير على الملأ مخلفاً قصة بطولة وثبات ستتناقلها الأجيال لتروي كيف تم قتل الضحية ثم اتهامه في مخالفة لكل شرائع الدنيا ونواميس الكون، بينما الأولى كان الاتهام ثم القبض والمحاكمة ثم اصدار الحكم المناسب، أما تنفيذ الحكم اولاً ثم تلفيق التهم دون اصدار حكم، فهذا لا يحدث حتى في شريعة الغاب.