[ ردود فعل اليمنيين بشأن اعادة أمريكا تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية ]
يسود جدل واسع في اليمن على إثر إعادة تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية، جماعة الحوثي "منظمة إرهابية"، كعقاب على تصعيد الجماعة في البحر الأحمر وتنفيذها هجمات على سفن الشحن التجارية.
وفي وقت سابق اليوم، أعادت الولايات المتحدة إدراج الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية عالمية، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ بعد 30 يوما، بحسب ما أعلن مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى على رأسهم وزير الخارجية، انتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جان سوليفان.
ومنتصف فبراير/ شباط 2021، كانت الولايات المتحدة أعلنت رسميا، رفع جماعة "الحوثي" في اليمن من قائمة الإرهاب، بعد نحو شهر من تصنيف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، الجماعة "منظمة إرهابية".
ويأتي إعادة التصنيف بعد أن دخلت التوترات في البحر الأحمر مرحلة تصعيد لافتة منذ استهداف الحوثيين، في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، سفينة أمريكية بشكل مباشر، بعد أن كانوا يستهدفون في إطار التضامن مع قطاع غزة سفن شحن تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل.
ترحيب حكومي
من جانبها رحبت الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليا) بالقرار الذي اتخذته واشنطن بتصنيف جماعة الحوثي "منظمة إرهابية عالمية". وقالت الحكومة في بيان لها، إن القرار ينسجم مع تصنيف الحكومة اليمنية لهذه الجماعة كـ "منظمة إرهابية" وفقاً للقوانين اليمنية، ويأتي استجابة لمطالبة الحكومة المستمرة للمجتمع الدولي بالتحرك الجاد لحماية الشعب اليمني من بطش وإرهاب هذه الجماعة، وفق وكالة سبأ الحكومية.
لن يكون له فاعلية على الأرض
بدورها قالت جماعة الحوثي إن قرار واشنطن تصنيفها "منظمة إرهابية" لن يثنيها عن دعم فلسطين، معتبرة أن القرار لن "يكون له فاعلية" على الأرض.
وقال المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام لقناة الجزيرة القطرية، وأعاد نشره على حسابه الرسمي عبر منصة "إكس": "لا فاعلية على الأرض لقرار واشنطن بشأن تصنيفنا (منظمة إرهابية عالمية)".
وفي السياق قال الكاتب الصحفي أحمد الشلفي "كان هذا متوقع بالتأكيد لأن إسرائيل خط أحمر عند أمريكا وليس لأي سبب آخر، فأمريكا نفسها هي التي رفعت هذا التصنيف عن الجماعة نفسها قبل سنوات".
أما الباحث والمفكر اليمني عصام القيسي فقال "لا يمكن لأمريكا أن تفرط في منظومة إيران، ولا يمكن إدراج الحوثي بشكل جاد في قائمة المنظمات الإرهابية". مضيفا "إيران هي صمام أمان المصالح الغربية في المنطقة".
وتساءل قائلا: من سيهدد تركيا وباكستان والأنظمة العربية، إذا ذهبت منظومة إيران؟!.
وأكد القيسي أن "ما يجري عبارة عن مصارعة حرة لن تصل إلى مستوى التهديد الجدي".
مساومة ونفاق سياسي
المحلل السياسي ياسين التميمي يرى أن تصنيف أمريكي مفعم بالخجل والأمل لجماعة الحوثي في قائمة الإرهاب، وقال طريقة إعلان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عن إعادة تصنيف جماعة الحوثي في قائمة الإرهاب الأمريكية تُشعر المتابع بان الهدف هو الضغط أو المساومة وليس التصرف بناء على مسؤولية واشنطن تجاه ما يفترض أنه سلوك إرهابي مفترض للجماعة المستهدفة".
وأضاف "ثمة رابطٌ قويٌ وتخادمٌ حصَّنَ جماعة الحوثي من الإجراءات العقابية الأمريكية وجعلها في أسوأ الأحوال لطيفة وغير مؤثرة، وإلا ما معنى أن تُمنح الجماعة هذه الفرصة لتجنب التصنيف، والتمتع بمكانة خمسة نجوم في سياق المواجهة شبه الحربية التي تجري في جنوب البحر الاحمر مع البحرية الأمريكية، وتُتاحُ للعالم الاطلاع على مجرياتها فقط عبر الأخبار المسموعة".
وأشار إلى أن هناك 30 يوماً تفصلنا عن سريان القرار ودخوله حيز التنفيذ وهناك استدراك مفاده انه إذا ما أو قف الحوثيون نشاطهم في البحر الأحمر فيمكن إعادة شطب جماعتهم من القائمة الأمريكية للإرهاب، وهو أمر قد يحدث إذا توقفت الحرب في غزة خلال هذه الفترة".
وتابع التميمي إن "إعادة شطب جماعة الحوثي من قائمة الارهاب اذا ما تمت فستتحول معها هذه القائمة إلى سجل للنفاق السياسي الذي تبرره حالة الشراكة الأمريكية مع ايران وجماعاتها في المنطقة، وأنتج هذا الكم الهائل من العنف والقتل والخراب والتهجير القسري في سوريا والعراق واليمن، وهي مشاهد تُجسد المعنى المطلق للإرهاب الذي منح واشنطن الفرصة لإعادة استباحة المنطقة واحتلال دولها ونهب نفطها وتعطيل القوة الجيوسياسية للأمة، حد قوله.
نقل الصراع في اليمن إلى مربع جديد
في حين قال المحلل السياسي، عبدالناصر المودع "من الصعب التنبؤ بنتائج قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية على الحوثيين وعلى اليمن بشكل عام، والمتوقع صدوره من الإدارة الأمريكية قريبا. ومع ذلك؛ يمكن القول بأن هذا القرار سيؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الحوثيين، وسينقل مشهد الصراع في اليمن إلى مربع جديد".
وسرد المودع العديد من النقاط بشأن التأثيرات المحتملة للقرار وقال "التأثيرات السلبية لن تقتصر على الحوثيين ولكنها ستطال كل اليمن، وكل اليمنيين بدرجات متفاوتة؛ فالحركة الحوثية ليست حركة معزولة في منطقة صغيرة من اليمن، أو تعمل في الخفاء كما هو حال تنظيم القاعدة، ولكنها حركة تسيطر على أكثر من ثلثي سكان اليمن، وعلى مناطق مهمة من اليمن بما فيها عاصمة الدولة. وهي بهذا الحجم والنفوذ تُـصعب من حصر العقوبات عليها فقط، ولهذا فإن العقوبات ستشمل جميع اليمنيين في داخل اليمن وخارجه".
وبحسب المودع فإن التصنيف سيؤدي إلى زيادة عزلة الحركة الحوثية سياسيا، وسيجعل من الصعب الاعتراف بها مستقبلا كطرف شرعي حاكم لجزء من اليمن، أو اليمن ككل كما تتمنى الحركة. كما أن هذا التصنيف سيكشف زيف الصورة التي روجها اللوبي الحوثي الناعم في الدول الغربية عن الحركة، ومن ذلك: أن الحوثية حركة تدافع عن حقوق الأقلية الزيدية وتمثلها، وأنها حركة يمنية خالصة وليست أداة من أدوات إيران، وأن الحركة هي قوة محلية محاربة لتنظيم القاعدة وداعش وبأنها بذلك قوة سلام في اليمن.
وتوقع ألا تخرج الحركة الحوثية من قائمة المنظمات المصنفة إرهابية في المستقبل؛ حيث أن إخراجها من هذه القائمة يتطلب اشتراطات يصعب على الحركة تنفيذها، لأنها تتناقض مع مقومات وأسس وجود الحركة، ومن ذلك شعار الحركة و ايديولوجيتها. وتخلي الحركة الحوثية عن ايديولوجيتها يعني انتفاء وجود الحركة فعليا.
وقال "من المحتمل أن تحذو دول أخرى حذو الولايات المتحدة وتصنف الحوثية منظمة إرهابية، وهذا سيزيد من عزلة الحركة - رغم أن التصنيف هو أمريكي إلا أن قوة أمريكا الاقتصادية والسياسية تجعل العقوبات مؤثرة وخاصة في الجانب الاقتصادي.
وطبقا للمحلل السياسي بما أن طبيعة العقوبات المرتبطة بتصنيف المنظمات الإرهابية هي اقتصادية ومالية؛ فإن الأثر المباشر على هذا التصنيف سينعكس على التجارة مع اليمن وحركة الأموال. وفي هذا الشأن من المتوقع أن تتوقف بعض الشركات، وتحديدا الشركات الغربية من التعامل التجاري مع اليمن خشية التعرض للعقوبات، أو أن يتم التعامل مع اليمن عبر دولة ثالثة. وفي كل الأحوال فإن بعض السلع قد تختفي من اليمن أو تصبح أسعارها أعلى مما هي عليه الآن.
وأردف "قد يؤدي هذا القرار إلى تخفيض الأموال السنوية التي يتم تخصيصها لبرامج الإغاثة في اليمن، وكما هو معلوم فإن أمريكا هي أكبر ممول لهذه البرامج حيث أنها ساهمت في عام 2022 بما يقارب المليار دولار، وبما يزيد عن نصف مليار دولار في 2023. وفي حال ألغت أو قلصت أمريكا من مساهمتها وتبعتها دول أخرى؛ فإن الكثير من البرامج ستتوقف وخاصة برامج الغذاء والصحة. وحدوث هذا الأمر سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن والتي تصنفها الأمم المتحدة بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم".
وأكد أن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية سيصعب عمل منظمات الإغاثة في مناطق الحوثيين، فهذه المنظمات قد تحتاج إلى استثناءات من الحكومة الأمريكية لتنفيذ برامجها في اليمن، وهذه الاستثناءات ستبطئ من عمل المنظمات، وهو ما سينعكس سلبا على أدائها.
وبشأن اللوبي الحوثي في أمريكا، قال المودع "هو لوبي نشط، سُيضعف نشاطه العلني في أمريكا، وهذا لا يعني بأنه سيتوقف عن النشاط بشكل كامل، إلا أن أفراد هذا اللوبي معرضين من الناحية النظرية للعقوبات بعد التصنيف". لافتا إلى أن كثيرا من شركات الملاحة الدولية قد توقف تعاملها مع اليمن وبالذات مع الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهو ما سيرفع من تكلفة أسعار السلع المستوردة لليمن.
فشل استراتيجي للإدارة الأمريكية
الباحث ماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات هو الآخر غرد قائلا: "يبدو مثيراً للانتباه كيف أن عهد بايدن ابتدأ يمنياً بقرار ازالة الحوثيين من قوائم الارهاب وها هو يدشن عامه الأخير باعادتهم لهذه القوائم".
وقال "بعيداً عن التداعيات السياسية لذلك، يفصح البعد الرمزي لهذا القرار عن فشل استراتيجي للإدارة الامريكية الديمقراطية، التي أدى تعاملها المرتبك مع الحوثيين إلى نموهم السياسي والعسكري بحيث أصبحوا خطراً استراتيجياً على الولايات المتحدة وعلى مصالح العالم الغربي في مكان مهم للغاية بالنسبة للجميع".
إفلاس
على الجانب الآخر يرى القيادي في جماعة الحوثي محمد البخيتي الذي عينته الجماعة محافظا لذمار "أن قرار امريكا تصنيف جماعته منظمة ارهابية دليل افلاس، لأن أمريكا وبريطانيا واقعا في حالة حرب معلنة مع اليمن، حد زعمه.
وقال البخيتي "بالتالي لن يضيف هذا القرار جديدا، هذا فضلا عن أن جماعته هذه الايام يحظون بتأييد شعبي كبير قل نظيره على المستوى المحلي والعربي والإسلامي والعالمي"، كما قال.
وتابع "اضف إلى ذلك أن هذا القرار سيهدر مصداقية الإدارة الامريكية امام شعوب العالم لان الارهابي هو من من يدعم مرتكبي جرائم الابادة الجماعية ويحميهم وليس من يناضل من اجل وقفها".
ابتزاز
كذلك القيادي الحوثي عبدالملك العجري عضو وفد الجماعة المفاوض زعم أن القرار الأمريكي بتصنيف الجماعة منظمة ارهابية ليس استهدافا لفئة بقدر ما هو محاولة لاستهداف الدور اليمني الفاعل في مساندة غزة، ومحاولة لإرهاب الشعب اليمني للتراجع عن موقفه المساند لفلسطين، وفي سبيل إسرائيل فقد تذهب لتخريب جهود السلام في اليمن".
وكتب "مثل هذه التصنيفات لا تستند لأي معايير موضوعية وأصحبت مجرد وسيلة لابتزاز الشعوب والحركات والدول التي لا تقبل الاذعان للإملاءات الأمريكية".
وقال "لقد حاولت إدارة ترامب ثم من بعدها إدارة بايدن ابتزازنا بهذه الورقة وإشهارها سيفا مصلتا يلوحون به في كل مناسبة ولأنه من الصعب علينا مطاوعة الرغبة الأمريكية فإن مثل هذه الخطوة الابتزازية آتية لا محالة وإذا كان ولا بد فإنه لشرف عظيم أن نصنف على خلفية موقفنا من القضية الفلسطينية"