كون عدن عاصمة مؤقتة، أو دائمة للدولة اليمنية الاتحادية سيجعلها أكبر بؤرة بناء في الجزيرة العربية. لو أنها فتحت الأبواب للرئاسة والدولة، للحكومة والأمن، للخليج والسفارات لو تحرك المطار والسوق والميناء لو سمحت عدن بنقل البنك والاستخبارات والوجهة إليها لصار المتر المربع في عدن بوزنه ذهباً.
عدن العبقرية تحولت إلى برميل للبارود. انظروا: يسير الحوثيون مدينة وصنعاء وشؤون الدولة وهم عصابة، تحت قصف الطيران المستمر، وفي حصار شامل وعجز الحوثيون وصالح عن تحقيق اختراق أمني واحد في الجوف أو مأرب..
أعلم جيداً أن عرب الخليج يشعرون بخيبة كبيرة، ويتحدثون عن المشهد في عدن كأزمة مستعصية. في الأيام الماضية حاصرت الميليشيا المسلحة الرئيس هادي بالطريقة نفسها التي حاصرته بها ميليشيا الحوثي. ثمة خطب كبير في عدن، القاعدة واحدة من فصول ذلك الخطب. في السابق قيل إن القاعدة في مأرب، وأن أيادي صالح في مأرب..
يحتاج صالح لأي ضربة في مأرب،ولو صغيرة. أكلت مأرب كرامته وخططه وعرباته ورجاله ذلك أن رجال مأرب أمسكوا باللحظة التاريخية و"كانوا قدها" ولم يسمحوا للحمق والأحقاد والخفة بأن تديرهم وتخضعهم. بمقدور عدن أن تعود واحدة من عواصم الشرق لو سمحت لنفسها بأن تكون مدينة كل الناس، واعترفت بمشكلتها الجوهرية وطلبت العون. ما معنى أن تصبح عدن عاصمة؟ يعني ذلك أن تطير إليها الأموال، ويصير المتر المربع بوزنه ذهباً، وتخلق الوظائف بسرعة الضوء، ويأتي إليها العالم. ابنها وسوف يأتون، هذا هو سر المدن.
أما مدن العصابات والهجانات والغانغس والعصبيات وألف نشيد وطني بألف ملحن فتكبو على وجهها مهما كانت عبقرية مكانها. قدر عدن أن تبهر العالم من خلال انفتاحها لكل الناس.. امتلأت عدن بالفراغات والفوضى، فترعرعت فيها القاعدة. القاعدة ليست عفاش، القاعدة هي القاعدة، وهي التي تتحرك في الحوطة وأبين وحضرموت وشبوة، هي التي يعلم كل العالم أنها قاعدة.
لا يجادل في وجود القاعدة سوى رجل خفيف، خفيف بحق. ولن تهزم القاعدة إلا عدن العاصمة، عدن التي تمثل واجهة لدولة، لا تلك التي صارت حواجز وقطاعات لألف ملك. لكي تنتصر عدن على الإرهاب والفوضى عليها أن تكون أولاً ملكاً للناس، كل الناس، وأن تكون واجهة ذات هوية. عدن أسيرة، قبل أشهر فر رجل ينتمي إلى التيار السلفي إلى حدود السعودية ولم يجد فرصة للعبور. حاولت القاعدة استمالته لما رأت من التزامه الديني.
بعد وقت قصير أصيب بالرعب وفر في اتجاه السعودية. أفشى سره، وطلب النجدة. ذكر أسماء أئمة المساجد الذين ينشطون مع القاعدة في عدن، والقيادات الميدانية.قال إنهم أخبروه إن الوقت قد حان لكسر ساق السعودية والإمارات في عدن انتقاماً لما فعلته الدولتان بالمجاهدين في أماكن أخرى. وعد مسؤول مقرب من بحاح بالتعامل الجاد مع الموضوع قبل استفحال الأمر. بعد وقت قصير كانت الانفجارات تضرب سكن رئيس الحكومة، ثم قصر الرئيس..
كانت القاعدة تتشكل، وتكبر، وكذلك داعش. محافظ أبين احتفظ بعلاقته بجلال بلعيدي حتى آخر دقيقة. ثمة إرهاب وفوضى، ولذلك أسباب كثيرة ولا تزال قناعتي إن الحوثيين أكثر خطراً، على المدى الطويل، من القاعدة.. وأن الحوثي والقاعدة لا ينتعشان إلا إذا تصدر الحمقى الواجهة.. الحمقى وقليلو الخيال، والذين لم يأخذوا شيئاً على محمل الجد، من امتحانات الابتدائية حتى المهام الإدارية وهذه معدلة رياضية من مستوى واحد