أحمد الشلفي

أحمد الشلفي

كاتب وإعلامي يمني

كل الكتابات
مرحلة لا ضرر ولا ضرار!!
الجمعة, 10 أبريل, 2020 - 04:58 مساءً

استقبل برحابة صدر كل التعليقات والملاحظات والإنتقادات وأي تصحيح على الأسماء والتواريخ والأحداث التي ذكرت هنا.
 
يتابع ما أكتب صديق عزيز وحثني أكثر من مرة وآخرون عن ان أتحدث عن اتجاهي الفكري والسياسي ورغم أني قلت في نفسي أنني طرقت هذا الباب بشكل غير مباشر في أكثر من موضع ورغم أنني لم التزم خطا سياسيا بعينه إلا أن نشأتي كان لها دور تكويني السياسي والفكري .
 
بعض ردود الفعل التي تصلني عقب قراءة ماكتبت في الأيام الأخيرة تحرضني على الكتابة بطريقة مختلفة غير أن الأسلوب الذي اتبعته يقوم على عدم الغوص في الحكايات بشكل يبعث على الملل وتجنب الدخول في ذكريات أو تخمينات والاعتماد على الرواية الشخصية لا المواقف العامة.
 
وقد سألت نفسي ما الذي يمكن أن تضيفه بالحديث عن ذكرياتك وهناك أناس لديهم الكثير منها بل وأعمق منها سيرة وأثرا فرددت على نفسي أن قيمة مانكتب ليس في الأثر الذي نحدثه حاضرا ولكنفيما يمكن أن يورث كحكاية تستحق التعقب والقراءة .
 
وفي مرحلة مبكرة من حياتي كنت شغوفا بقراءة السير الذاتية وسير العظماء بدءا من سير الصحابة الكرام التي كان بعضها يدرس في المناهج ومرورا بسير القادة من كل مكان ولازلت حتى اللحظة أتابع مايكتبه السياسيون الأمريكيون الذين ينهون حالتهم السياسية بكتابة مذكرات لها عظيم الأثر علينا فقد قرأت مذكرات بول بريمر وهيلاري كلنتون وجورج دبليوبوش وجميع ماكتب اوباما قبل الرئاسة أحلام من أبي وكتاب آخر لا أتذكر اسمه حاليا وهي مذكرات في غاية الروعة.
 
ومؤخرا أعدت قراءة كتاب كفاحي لهلتر وهو كتاب على مافيه من التطرف فإنه قصة كفاح ونجاح لشاب من أسرة عادية ولد في المانيا وحلم وثابر ألى أن أصبح زعيمها .
 
أتذكر ايضا كتاب الأيام لطه حسين وطفل من القرية لسيد قطب.
 
ولن أنسى صديقي عبدالله الخزرجي وهو قارئ نهم جدا جدا قرأنا معا روايات نجيب محفوظ جميعها والغريب أن قصة اللص والكلاب كانت عندي أفضل ما كتب محفوظ وقد شاهدتها فيلم أيضا من بطولة شكري سرحان .
كان صديقي ايضا يلح علي بقراءة تجربة حركة الإخوان المسلمين في عهد عبدالناصر ويمدني بكتب مثل مذكرات أحمد رائف (البوابة السوداء )وهو كتاب يحكي فيه رائف قصة اعتقاله في عهد عبدالناصر بتهمة أنه منتم لحركة الإخوان المسلمين ثم يحكي قصص التعذيب اللعين في السجن بأشكاله وصنوفه من الحجز الإنفرادي إلى التعذيب بالكلاب والشوي وغيرها ولازالت تترائى أمامي مشاهد ذلك الكتاب من البول على المساجين إلى الموت على أيدي السجانين وجموع الشرطة وهي تدق الأبواب على العائلات وتختطف أبا أو أما أو أخا وترميه عشرات السنوات في غياهب السجن.

 
بعض من الصراع الناصري الإخواني شهدت عليه بنفسي في تعز من شهادات من كانوا جزءا فيه فكما ذكرت سابقا أني عشت مع نجم من نجوم تلك المرحلة تلميذا وهو الشيخ عبدالرحمن قحطان حفظه الله.
 
ورغم إنه لم يكن يتحدث عن تلك الفترة ربما لأني كنت صغيرا حينها إلا أنني سمعت حكاية مظاهرات الإسلاميين في تعز واعتداءالناصريين عليها وإيداع قيادات الإسلاميين في سجون تعز في فترة السبعينيات والصراع حول وزارة التربية والتعليم ومدارسها التي كان رئاستها من نصيب الإسلاميين دائما ولازلت أتذكر حكاية كانت تروى عن تشويه صورة عبدالفتاح جمال وهو من شباب الإسلاميين آنذاك .
 
وبالمناسبة تعاقب على مكتب التربية بتعز مدراء منذ السبعينيات كما أعرف وجميعهم منتم للحركة الإسلامية الاستاذ عبد محمد المخلافي مؤسس حركة الإخوان في بداية الستينات عهد الرئيس السلال قبل أن يعزل منها ثم يعود إليها في منتصف الستينات في عهد الرئيس عبدالرحمن الإرياني وظلت الحركة تتوارث مكتب التربية بتعز ومن بينهم الأستاذ سيف محمد صالح رحمه الله وغيره قبله.
 
كثير من الذكريات كان أبطالها حاضرون أمامنا وبينهم الشيخ أحمد مقبل بن نصر والشيخ عبدالملك دواوود حفظهما الله وهما من مشايخ تعز اللامعين وغيرهم كثيرون لاتحضر اسماؤهم الآن.
 
ولازلت اتذكر اسم عبدالعزيز سلطان وهو ناصري عتيق عرفته لاحقا تولى مكتب التربية في تعز وكان رجلا ودودا ويتمتع بسمعة جيدة ومهجوس بفكرة التقارب مع الحركات السياسية الأخرى.
 
بعد إعلان الوحدة وإعلان الإصلاح حزبا عام 90م خرجت العدوات من مخبئها وبدأ الكل يضرب في الكل فصحيفة صوت العمال الإشتراكية تضرب في الصحوة الإخوانية وصحيفة الوحدوي الناصرية تفعل هكذا وكانت الحياة السياسية والإعلامية في أزهى عهودها وهكذا قادعلي عبدالله صالح الإسلاميين إلى حرب مع الإشتراكيين عام49م بعد حرب ضروس بين الطرفين وانتصر فيها صالح وحده وذهبت البلاد الى انتخابات أضعف فيها الإشتراكي وتقاسم صالح مع الإسلاميين البرلمان والرئاسة وجاء ذلك بعد أن وضع القدرخصم الإشتراكيين اللدود عبدالمجيد الزنداني عضوا في مجلس الرئاسةبعدانتخابات93م
 
في هذه المرحلة الحاسمة كانت السياسة شغل الجميع وتنسيب الصغار والكبار للأحزاب كان هاجسا ولم أكن بعيدا عن ذلك فأنا من بيئة قريبة من حزب الإصلاح حارة ودراسة وعائلة ولا اعتقد أن نشاط الإصلاح توقف عند أحد في تلك الفترة فأنت ترى الإصلاحيين في مقر بالحارة وفي المعهد أو المدرسة وفي النادي الثقافي وفي النادي الرياضي وفي الجمعية الخيرية وفي الجامع وفي الوظيفة وفي شيخ الحارة وفي الصحيفة وفي الصحيفة الحائطية وفي حلقات التحفيظ وفي كل مكان هو حزب عتيق وقوي وضارب في الجذور انتشارا وتنظيما المهم أنهم كانوا قدرارغم أنه ضعف مؤخرا لاعتماده على مصادر قوته التقليدية لربما أن كثيرين مروا بتلك المرحلة لكني كنت ولازلت أرى أن كثيرا من الفضل في ثراء شخصيتي وكثير من أبناء جيلي إلى نمط التربية الجاد والمتنوع الذي خضعت له في هذه الفترة.
 
كنت أسكن في حارة عصيفرة بتعز وهي تعد ضمن الدائرة35 انتخابيا عام 93فوجدت نفسي دون تخطيط أصف إلى جانب مرشح الإصلاح الأستاذ سيف محمد صالح الشرعبي رحمه الله لقد دار صراع انتخابي ومنافسة ضارية بينه وبين عبدالحبيب سالم مقبل الصحفي الشهير وكان اسما لامعا يكتب في صحيفة صوت العمال ووجدت نفسيى يوميا بعمري الصغير أمام إحدى الدوائر الإنتخابية لمراقبة مراحل التسجيل وعد الناخبين وأشكالهم وأصنافهم ومعرفة الأعداد الإنتخابية وهي فرصة جيدة لمراهق شاب لمعرفة كواليس السياسة كان الإصلاح آنذاك على درجة عالية من التنظيم غير أنه خسر المعركة وفاز عبدالحبيب سالم رحمة الله عليه.
 
و الحقيقة أنني في ذلك الوقت كنت تحت السن القانونية وحاولت أن ابدو كبيرا لكن لم يسمح لي بالإنتخاب رغم أن الجميع كان يزور وكنت من الراصدين لتلك المخالفات.
 
في هذه المرحلة تعرفت على نبيل الأديمي وتوفيق عبدالملك وعارف اليوسفي وأحمد سعيد فرحان وعبدالقوي فارع وحبيب الأصبحي وناصر العقيبي وأنس النهاري وأسماء كثيرة من حزب الإصلاح وفي هذه المرحلة أيضا عرفت نادي الرشيد الثقافي والرياضي ولعبت كرة الطائرة وتنس الطاولة ولاحقا ساهمت في إدارة النشاط الثقافي فيه وساهمت بأكثر النشاطات الثقافية .
 
لاحقاوأنا في تعز شهدت بنفسي هزيمة انتخابية مرة لمرشح إصلاحي عتيق وكبير هو الشيخ عبدالرحمن قحطان كان سببهاالإهمال والتواكل.
 
سابقا فاز في الدائرة 31 باسم حزب الإصلاح عام93م وكان شعاره حب الخير للجميع والدائرة 31 هي أشرس الدوائر الانتخابية لأنها تضم مناطق لا يتواجد فيها الإصلاح بشكل قوي .
 
كنت آنذاك في93م أعيش بعضا من وقتي في منزل الشيخ عبدالرحمن كواحد من أولاده عقب خروجي من من العيش مع والدي وشهدت لحظات الفوز لكنه في العام 97خسر المعركة الإنتخابية مع مرشح من حزب المؤتمر الشعبي الحاكم حظي بدعم كثيرين وبينهم البيوت التجارية.
 
شهدت تفاصيل التجربتين آنذاك في93و97 من. البرنامج الإنتخابي الى الدعاية ملصقات ومهرجانات حتى اعلان الفوز في الأولى والخسارة في الثانية واذكر الاسباب الداخلية والخارجية وكان مدير الحملة العزيز بدري الإبي.
 
تقريبا لم أكن على وفاق كامل مع تجربة الإسلاميين غير أني اخترت طريق اسمه ( لاضرر ولاضرار) أفعل ماأريد وقولوا ما تريدون .
 
في تلك المرحلة بالذات اختلفت من موقعي العادي في الحارة والمعهد والنادي حول تصنيف الآخر وتأطيره وحول الحجاب والنقاب والغناء وهناك جناح متشدد في الإصلاح في تلك المرحلة كافح المنفتحون فيه من إجل وضعه في موقعه الصحيح قبل أن تأتي موجة ملاحقة الإرهاب العالميةلتوقفه عندحده ثم يأتي السوشل ميديا والإعلام قبلها والدراما ليغلق الباب على جناح التزمت نهائيا رغم انه مازال متمثلا بأشخاص لكن الحزب قطع أسباب الوصال مع هذه الإفكار ليس كمراجعة فقط وإنما عملا بأسباب السياسة ومخاوف التصنيف التي لاحقت ولازالت تلاحق الإسلاميين.
 
تابعت تجارب مريرة لتلك السجالات الحادة والفصام النكد بين إسلاميين وجدوا أنفسهم خارج الحزب وبدأوا حربا مع أحزابهم وصراعات لم تنته حتى اليوم.
 
طائر الذكريات
 
ظلت الأبواب مفتوحة لي خلال السنوات الطويلة التي عشتها في تعز دون أن أنتمي للإصلاح لكني حضرت جميع مناسباتهم شاعرا واحتضنتني قاعة منتزه التعاون وغيرها في الحفلات الشعبية والرسمية والخيرية ومناسبات فلسطين حينا شاعرا منبريا وحينا مقدما دون أن أنسى أنني بذلت جهدا لأكون كذلك فصغر سني وعلاقتي غير الجيدة مع البعض واختلافي فكريا كانت تمنعني من الصعود على المسرح وتضعني في ذيل القائمة واحيانا وصلت لحد المنع والتقليل لكنني أزعم فيمابعد أنني فرضت نفسي وفرضت موهبتي نفسها وأصبح لي جمهور عريض.
 
بعدها وفي إطار سعيي للتجديدسألت أصدقائي في فرق الأناشيد لماذا لايكون هناك فارق حقيقي في صناعة ما تسمونها الأنشودة الإسلامية.
 
كنت في ذلك الوقت وقبله استمع لأم كلثوم وعبدالحليم ومحمد عبد الوهاب وأيوب طارش وكاظم الساهر وماجدة الرومي وغيرهم لكنني في نفس الوقت بدأت بكتابة ماتسمى الأنشودة الإسلامية.
 
ولدى الإسلاميين مرض قديم اسمه الأدب الإسلامي الأنشودة الإسلامية والمصرف الإسلامي والكاتب الإسلامي والصحوة الإسلامية والأعراس الإسلامية والحجاب الإسلامي ومسميات تقودهم إلى القطيعةمع الآخر كليا وتحضر عليهم الإنتشار في مجتمعات محافظة أصلا.
 
قلت لعارف العبسي وكان رئيسا للفرقة المركزية بتعز ما رأيك أن ننتج كاسيتا مختلفا وجديدا في الكلمات واللحن واستخدام الإيقاع.
 
كانت الفرق الإسلامية تنتج آنذاك نسختين نسخة بالدف والإيقاع ونسخة بدون دف وإيقاع للسلفيين الذين يحرمون الإيقاع وحتى الآهات.
 
كنت التقي بعارف في منزله كمااتذكروبعض الزملاء ونتشارك الحديث حول الكلمات واللحن فكتبنا قصيدة وطنية ووداعية وروحانية وقصائد أخرى وأنتجنا كاسيت (طائر الذكريات)
 
وفيه قصائد لآخرين وكنت صاحب اسم الشريط وكان ذلك كما اظن أول البوم فني خرج من الدف إلى البيانو والمؤثرات شبه الموسيقية.
 
وكنت أحضر مع الفريق تسجيلات الأداء في استوديوهات حسن الزبيري بتعزالذي كان يسجل كثيرا من أغاني الفنانيين اليمنيين وهو ملحن أيضا وغنى بعض الأغنيات.
 
هناك كنا نلتقي هشام النعمان و هو صوت جميل وغيره مثل أحمد مهيوب وأعتقد كان ينتج لفؤاد الكبسي وغيرهم من الفنانين الذين لا تحضرني اسماؤهم الآن.
 
نزل الشريط إلى الأسواق وبيعت منه آلاف النسخ وتداوله جيل أواخر التسعينيات ومابعدها بشكل واسع وكثيرا ما ألقى أشخاص لا أعرفهم يحفظون الكلمات والأغاني واعتقد أن تلك التجربة كانت فاتحة تجارب مماثلة.
 
فيما بعد تطورت الأنشودة فأصبحت تستخدم كل المؤثرات الصوتية لكن الإطار مازال يلازمها ولو انفتحت أكثر لوجدت رواجا.
 
كنت في تلك الفترة أفكر بإصدار ألبوم عاطفي مع نفس الفرقة أوغيرها لكن الحياة والتجربة أخذتني بعيدا بعيدا.
 

التعليقات