السعودية: معركة وليّ العهد مع ضابط الاستخبارات
السبت, 08 أغسطس, 2020 - 12:28 مساءً

تظهر وقائع الدعوى القضائية التي رفعها ضابط الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري في واشنطن ضد وليّ العهد محمد بن سلمان معالم جديدة – قديمة عن طريقة اشتغال آلة الموت وتصفية الخصوم السياسيين أو الأشخاص الذين يرتئي كبار المسؤولين أنه يجب إسكاتهم والتخلص منهم في المملكة، وهذه الواقعة بحد ذاتها تشكل مفاجأة لأن المراقب المحايد لشؤون السعودية كان ليعتقد أن مراجعات جدّية ستجري بشأن هذه الطريقة بعد الكارثة السياسية التي شكّلها انكشاف عملية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
 
تتهم الدعوى بن سلمان بتشكيل فريق لترتيب قتل الجبري، وتسمّي ثلاثة أشخاص مولجين بهذه العملية وهم بدر العساكر وسعود القحطاني وأحمد العسيري، وأن ولي العهد أرسل فريقا لاغتيال الجبري خلال إقامته في مدينة بوسطن الأمريكية عام 2017، وأنه حاول نشر عملاء سريين في أمريكا لتعقب مكان ضابط المخابرات السابق، وأنه أرسل فريق اغتيال آخر إلى كندا بعد أسبوعين من اغتيال جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
 
يقدّم الجبري تفسيرا غريبا لرغبة النظام السعودي بتصفيته، وهي علاقته الوثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، ودوره في جعل السعودية أحد أهم شركاء واشنطن في مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي وفي المنطقة، مشيرا لدور الجبري ومساعديه في إحباط خطة تنظيم «القاعدة» لتفجير طائرتي شحن متجهتين إلى أمريكا، أي أن ولي العهد السعودي ودائرته الأمنية، قاما عمليّا بمحاولة تخريب جهود تعتبر من رأسمال المملكة الأمني والسياسي.
 
إذا موضعنا هذه المعلومة ضمن السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته السعودية بعد استلام بن سلمان مقاليد السلطة سنرى نوعا من «النموذج» المستمرّ الذي انعكس في كل مظاهر الحياة السعودية يقوم على مصادرة جهود سعودية كبرى ونسبتها إلى وليّ العهد، ولعلّ أكثر الأمثلة وضوحا في هذا المجال كان القبض على الناشطات السعوديات الشهيرات اللاتي ناضلن لسنوات طويلة لتأمين حقوق أساسية مثل سياقة المرأة للسيارة ونيل حقوقها السياسية، وفي الوقت نفسه إزجاء المديح ونسبة الفضل لمحمد بن سلمان، وصرف عشرات (وربما مئات) ملايين الدولارات لشركات الترويج العالمية لتنصيبه «نصيرا للمرأة».
 
حصل الأمر نفسه مع اقتصاديين ورجال أعمال وساسة، واتخذ الموضوع طابع الكوميديا السوداء مع الزج بمئات الأشخاص في فندق الريتز وغيره لمصادرة أموالهم وتتويج وليّ العهد باعتباره مكافحا للفساد.
 
على عكس النيّات الحسنة التي وضعها جمال خاشقجي في السفارة السعودية في واشنطن، ثم في قنصليتها في إسطنبول، والتي أدّت إلى اغتياله بالطريقة الوحشية المعروفة، فإن الجبري، بحسّ رجل الأمن، استطاع فهم حقيقة ما يجري في المملكة واتخذ إجراءات طبيعية لحماية حياته من الخطر القادم، وقد ساهمت معارفه الأمنيّة وفهمه لحقيقة وليّ العهد السعودي في كسبه المعركة الأولى المهمة، وهي معركة البقاء على قيد الحياة، ويبدو أن قدراته على تنظيم دفاعه القانوني ستشكل صداعا حقيقيا لوليّ العهد السعودي ومنظومته الأمنية، ولكنّ أهمّ ما قد تفعله هي تأكيد عدم أهليّة بن سلمان على حكم بلاد بأهميّة وعراقة السعودية، وأن استمراره سيكون كارثة على البلد وجواره، وربما على العائلة الحاكمة السعودية أيضا.
 
 

التعليقات