اليدومي وحكمة التلاميذ الصغار
الإثنين, 16 نوفمبر, 2020 - 11:24 مساءً

لا ينتظرك الناس؛ كي تُذكرهم بحِكم التلاميذ الصغار يا محمد اليدومي، يقال أن الألم يقوِّي الذاكرة، وملايين الناس الذين يتابعونك من الداخل يتألمون ولهذا ما تزال ذاكراتهم قوية، إنهم يحفظون العبارات المدرسية جيدًا، ولا يحتاجون لمن يكررها عليهم مرة ثانية.
 
هم يتابعونك لهدف أخر، ينتظرون موقفًا شجاعًا له علاقة بمصيرهم أكثر من بحثهم عن وصايا بأهمية الوقت، لم يعد لحياتهم قيمة ولا يعني لهم الزمن شئيًا، اليوم مثل الأمس وغدا مثل مابعدها، حياتهم غامضة وينتظرون موقفًا يشرح لهم الغد، وليسوا بحاجة لمزيد من الغموض.
 
أغلب الظن أنك تلوذ بالعبارات المجازية؛ كي تُفصح عن موقف سياسي لا يمكنك أن تشرحه بلغة واضحة، غير أنك تجعل من الحيلة نافذة للمسخرة، إنها مشكلتك المزدوجة، عجزك عن التحرر من رقابة الأوصياء، وقلة نباهتك.
 
لست مجبرًا على البقاء في المنفى، كي تفقد كل حيلك باستثناء ترديد الحكم والألغاز، هذا ليس قدرك الجبري المدون في اللوح المحفوظ، بل خيارك الذي ارتضيته لنفسك وبكامل وعيك، وبإمكانك التحرر منه متى أردت.
 
عُد إلى بلادك أيها الشيخ الكبير، على أرضك لن تكون بحاجة لاستخدام تلك اللغة المتوارية في مخاطبة الحلفاء، ستمنحك صحراء مأرب شجاعة أكبر في مواجهة كوابيس السياسة، مأرب أو تعز أو شبوة أو حتى خيمة تحت شجرة في أحد جبال اليمن المحررة، سيكون الأمر جيّدا، في كلّ الحالات ومهما كانت البقعة التي ستحلّ فيها داخل بلدك، لا بدّ أنك ستكون رابحًا، وجديرا بالإحترام.
 
في بلدك تستطيع أن تتحرك بحريّة أكبر، يمكنك أن تسجل مواقف تأريخية أكثر شجاعة إزاء ما يدور على الأرض، أنت على رأس حزب كبير وبحاجة لفضاء حرّ تستطيع فيه أن ترسم مواقف حزبك تجاه الجميع بوضوح جيّد، ما الذي يُجبرك على البقاء خائفًا في بلاد الأخرين.!؟
 
مكان الإقامة ليس شئيًا هامشيًا، حين يتعلق الأمر بالحرية، لمجرد أن تضع حدًا لغربتك؛ ستتغير نظرة المستضيف لك، وسوف يشعر بأنّك لست مستلبـًا كليا له ولو في مكان إقامتك، سيبدأ في التخاطب معك بلغةٍ تقديرية، وبالمقابل ستتمكن أنت من التخاطب معه بشيء من الندية، ولن تكون بحاجة للمجاز ولا التورية.
 
تذكّر جيّدا: لا يوجد ما هو أكثر مشقة على المرء من الحياة تحت وصاية الأخرين، أسوأ من الاعتقال في الداخل هو أن تكون معتقلًا في الخارج، وإذا كنّا نحن في سجنٍ واحد فأنت في سجنين، سجن المنفى وسجن الوصاية معًا. قد لا تكون معتقلًا بالمعنى الحرفي للكلمة؛ لكنك أيضا لا تستطيع أن تُنكر أنك أقل حرية، لا يوجد سياسي يستخدم اللغة الإشارية في التعبير عن موقف، هذه لغة تنتمي للأدب بأكثر مما توضح موقفًا سياسيًّا لا يترك أي مجال للتأويلات الساخرة.
 
أعلم أنك لست وحدك بهذا الحال، فكل السياسيين مخنوقين مثلك، ليست المعضلة الأساسية أنكم تعيشون مأزقًا كنتم مشاركين في الوصول إليه، لكن العار هو أنكم لا تشعرون بالورطة ولا يبدوا أنكم تصنعون شئيًا للخروج منها.
 
نفدت قائمة الأعذار وفقدت كل المبررات جدواها، أكثر الناس ثقة بكم فقدوا القدرة على تفهمكم والتماس العذر لكم، الجميع يصرخ، هذه ليست أقدار الآلهة، بقدر ما هو ظرف قاسٍ يمكنكم التحرر منه بقليل من الشجاعة وكثير من حسّ الانتماء للأرض. وربما أن هذا هو ما تفتقدونه.
 

التعليقات