نتابع تداعيات مصر كالبلهاء
الثلاثاء, 01 نوفمبر, 2022 - 04:12 مساءً

حتى أن احدنا لم يعد قادرا على التمييز بين الاصلاح والمجازفة .
 
بين من سيسقط بسقوط الآخر ، الدولة او رجال النظام .
 
المذابح والتنكيل بالإخوان ، المعتقلين باعداد هائلة ومصادرة كل الحقوق بذريعة الحفاظ على الدولة .
 
اهانوا الرئيس مرسي ونكلوا به جسديا حتى قتلوه ، لم يلتزم السيسي ورجاله بشرف الخصومة ولا مبدأ الرحمة ولا حتى معيار العدالة .
 
وعلى الفور تم منح رجال الداخلية الحق الكامل في معاقبة الفكرة الحقوقية واستعادة هيبة رجل الشرطة بإسقاط هيبة الانسان تماما ، الأمر الذي يقال عنه " الاستفادة السيئة من الدرس " ، الإفراط في استخدام القوة ضد كل مختلف واتباع منهج الأخذ بالظنة حتى ولدرجة الحبس عقابا على تغريدة .
 
ربما يسعك تكوين صورة أولية من مجمل النشاط المصري الرسمي والشعبي ومن ارقام وزارة المالية ومستويات الدخل مقارنة بالأسعار ، وفي المحصلة يمكنك إدراك هول الحياة وكارثية التداعيات والارتجال من إحصائية رسمية تقول : أكثر من 33/من الشعب المصري أصبحوا تحت خط الفقر .
 
بينما تم حصر الرواتب الجيدة عشرة الاف جنيه وما فوقها لضباط الجيش والشرطة كحد ادنى للأجور ، نوع من البحث عن ضمانات ولاء هذا الفصيل من موظفي الدولة حصرا دون غيرهم ،بينما يتسلم المدرس ما يقارب الثلاثة الاف جنيه .
 
الديون الهائلة وما ترتب عليها من غلاء جعل الحياة بالنسبة للغالبية ضربا من ثقل لا يمكن احتماله ، ناهيك عن تبديد هيبة مصر بوصفها مركز الثقل العربي سابقا وتحولت لحليف خليجي تفتقر العلاقة معه حتى لبعض الندية .
 
المشروعات الكبيرة لا يمكن اغفالها ولو اتخذت شكل المبالغة وكأن معظم قيمة القروض وضعت بتصرف مقاول نافذ ومتخصص في انشاء الكباري .
 
كل او اغلب المشاريع ذات الكلفة الباهظة انشئت بدون دراسة جدوى ، السيسي شخصيا اعترف بهذا ، وتم توجيه الارقام الهائلة من القروض صوب ماليس انتاجيا ولا يعود بمردود قريب او ينعش الاقتصاد ، تلك البدائية في الجنوح للاستعراض وكأن الدولة الجديدة وفقا للسيسي ورجاله هي انشاءات ينفذها مقاول حصري اسمه الجيش .
 
لقد استحوذ الجيش على النسبة الأكبر من حقوق الاستثمار الداخلي والمقاولات وحتى زراعة الطماطم ، وللدرجة التي وضع فيها السوق المصري بتصرف اقتصاد الجيش وبمعزل عن معايير التنافس مع رجال الاعمال او فيما بينهم ، ذلك ان مشاريع الجيش معفاة مسبقا من اكثر التزامات ونفقات المشاريع قيد الإنشاء ، عملية احتكار عطلت مبدأ السوق تماما ، فكيف ينمو اقتصاد في حالة كهذه ؟
كان يتحدث في البدايات عن حاجة مصر لمئتي مليار دولار وهي ستتخطى كل المعضلات وتبدأ عملية النمو ، حصل السيسي على ما يتخطى الثلاثمائة مليار دولار قروض حول ثمانين بالمائة من قيمتها لكتل خرسانية ، وهذا الرقم ليس هبة ولا معونات ، هو دين مستحق والكارثة أن الخرسانة لا تنتج شيئ ولا تدير عجلة الانتاج ،الأمر الذي يعني ليس فقط عجز مصر عن تسديد الديون لكنها ستعجز عن تسديد الفوائد ،وستضطر في النهاية لبيع أصول الدولة .
 
التفريط بمياه النيل وقمع كل صوت واستبدال اي إمكانية لبناء تثاقف واعلام مسؤول بقطيع من المطبلين الحمقى وهم يفتقرون لا بسط قواعد الحرفية والمهنية والذكاء في الدفاع عن وجهة نظر الدولة .
 
ثم تأتي فيديوهات السيسي ومونولوجاته التي نالت من هيبة الشخصية الرئاسية ، يقول اي شيئ ويجنح للمبالغات والعواطفية وما يبدو وكأنه شكل من الهوس بالظهور والمشاركة في اي فعالية عوضا عن ارتجال فعاليات ومؤتمرات يظهر فيها السيسي بوصفه النقيض الكلي للحضور الرسمي البرتوكولي الذي كان يمثله مبارك ، ومحتفظا في ذات الوقت وبتهافت بشخصية " الرئيس المؤمن "
 
الهري والتفوه بالترهات وفي سياق حديث ليس شعبويا حتى بقدر ماهو تنويعات مرتجلة تنال من هيبة الرئاسة وتبدد فكرة الثقة ومبدأ الاحترام الشعبي لشخص الزعيم .
 
نسبة لابأس بها من اسباب النقمة منشؤها مايقول عنه المصريون عادة : الهجص .
 
حتى ايام مرسي بدا لي الهجص على المستوي الشخصي وهو يؤذن المغرب من الاسكندرية ، ادركت لحظتها ان البلاد رايحة ، مابالك بهجص السيسي وهو يقطع وعدا بدولة جديدة حدد لتقديمها موعدا قاطعا " شهر ستة عشرين عشرين " ترتاب على الفور ليس فقط في سلامة الدولة ولكن في سلامة عقل رئيس يعطي وعدا كهذا ، ولم يمض اكثر من سنة على توقيت الدولة الجديدة حتى كان يتحدث هكذا : اجيب منين ؟ موش لاقي اعلم موش لاقي اعالج ، وهكذا في متوالية من التناقضات والاستخفاف بوعي الشعب والاستخفاف بالذات .، وكل شوية خطاب وتناقضات وانا مرعوب وانا موش خائف ومداخلة مع مذيع اسمه حسام بقيت لأكثر من ساعة والخط الرئاسي مشغول مباشرة بالبرنامج .
 
فقراا أوي ، ويشتري طائرة رئاسية بتصف مليار دولار ،يعني عشرة مليارات جنيه ، يعني انقاذ مليون أسرة بوضع عشرة الاف جنيه في يد كل منها، تعرف الاسر التي تعيش تحت خط الفقر ومطالبها الأساسية بالكاد ، لا يسمحون  بهدر جنيه واحد ، ضع في يدها عشرة الاف جنيه وراقب كيف تتصرف هذه النوعية من الأسر ، ستمضي سنة كاملة من الاكتفاء .
 
لكنها زعامات العالم الثالث عاثر الحظ .
 
ماهو تعريف الهرتلة ؟
 
تود لو تنجو الدولة المصرية ويغرق فصيل الاجرام الرسمي .
 
معضلتنا نحن العرب وربما هي معضلة العالم الثالث برمته ، هي في أننا لا نملك القدرة على الفصل بين الدولة ورجالها، وتتجلى معضلة العقل السياسي العربي في المفاضلة القسرية إما الإنسان او الدولة ، ولقد انكشفت خياراتنا كعرب إما فوضى او قبضة حديدية ، ولعل المثال المصري يقدم النموذج الأكثر جلاء لهذه المعضلة ، فها نحن وكلما تخاطرنا مع " يسقط يسقط حكم العسكر " كلما تمنينا لو ينقلب الجيش على السيسي وتبدأ دورة الثنائية القاتلة من جديد ، فالجيش المصري هو التهديد للدولة المدنية  وهو في ذات الوقت الضمانة الوحيدة لبقاء الدولة، ولا يمكنك الفصل بينهما  ، هذه المفاضلة المميتة يسوقها إعلام النظام بإصرار : ياكده يا تكونوا زي سوريا والعراق وليبيا واليمن ،ولقد رددها الرئيس السيسي اكثر من مرة وبجلاء : يانحكمكوا يانئتلكوا ، القاها مرة كمزحة جادة ورسالة مبطنة ومرة بوصفها مقولة وشرط الإخوان . 
 
اتمنى لو تنجو الدولة المصرية من هذه الموجة المدفوعة بالقهر واليأس ، ولكن ان ينجو معها الإنسان المصري ، ينجو من اشتراطات حياة تبدو مستحيلة ومفتقرة لأبسط الحقوق.
 
لسنا هنا بصدد تحديد موقف كيف كانت حكومة الاخوان ومحاولتهم ولا نحن بصدد موقف من اسلوبك في انتزاع السلطة من مرسي ، لكن اما وقد انتزعتها كان عليك الحفاظ على ما انتزعته ، لأجل الناس والتاريخ  .
 
والمحصلة هي أنه علينا وضع فكرة ان الدولة العميقة في مصر قوية وحاضرة وقادرة ولا أستبعد ان تضحي بالسيسي .
 
يتبقى في الذهن ذلك الصوت المهيب للرئيس مبارك ونردد معه : حفظ الله مصر .
 

التعليقات