تعز من المقاومة إلى التحرير واستعادة الدولة
السبت, 06 مايو, 2017 - 10:03 مساءً

لا يمكن لأحد وصف مشهد المعركة في تعز وطبيعتها منذ بداية القتال ومقاومة المليشيات الانقلابية، وكيف بدأت وانطلقت ، وكيف أصبحت حاليا .
 
كان يبدو لدى كثيرين أن تعز ما قبل المقاومة لربما تلتزم الصمت والسكينة وتفتح ذراعيها للمليشيات الانقلابية وذلك يأتي من منطلق يدركه كثيرون عن ما تميل إليه المدينة الذي يتغلب عليها الطابع الثقافي والسلمي وعدم التفكير في الانخراط بالقتال المسلح .
 
فاجأت تعز الجميع ممن كانوا لا يدركون ضرورة الانخراط في المقاومة كمفاجأتها للعدو بالقدر ذاته أن لم يكن أكثر وذلك من خلال الاستخفاف التي كانت تبهرج به المليشيات واستصعاب مقاومة المدينة وعدم استوعاب درس السلم والحرب وقت الظروف ومتى تطلب الوضع واستدعت الحاجة وهو ما اتجهت إليه مدينة تعز بصرف النظر عن أبجديات المعركة وتسلسلها وعواملها .
 
لربما يستخف البعض بما حققته مقاومة تعز خلال عامين بما تمتلكه من أسلحة خفيقة في بداية الأمر، مع بعض الطلاب والأساتذة والمدنيين والعسكرين الشرفاء .
 
نغفل أحيانا أن مقاومة تعز كانت تسيطر فقط على شارعين وسط المدينة ومرحلة انطلاقها نابعة من وسط الشتات وغياب الدولة وهدم مؤسساتها .
 
كانت مجرد بداية انطلاق ووضع مشتت مع كل مرحلة غياب الدولة وتواجد مقاومة شعبية من رحم المجتمع تحتضن الجميع.. وكان لا بد من ضرورة الانطلاقة مهما كانت ظروف تلك المرحلة وعدم وجود عوامل ومقومات بالشكل المطلوب .
 
حررت المقاومة مربع المدينة في نطاق محدود بسلاح خفيف مع ذخيرة محدودة تأتي من الجو من قبل التحالف وهي تلك الأشياء التي لا تفرض معركة حاسمة بالقدر التي تعطي دافع لمعركة استنزاف ولملمة جبهة في بداية الأمر والتوسع فقط لكي تتنفس تلك الشوارع بالمدينة قدر الإمكان .
 
في ذلك الوقت كانت لا تزال المليشيات الانقلابية تفرض حصارها على المدينة من جميع الجوانب وتفرغ كامل غضبها ووحشيتها على الأحياء السكنية بعشرات القذائف والصواريخ بين الحين والآخر .
 
شيئا فشيئا حتى بدأت المقاومة تتوسع ولو في إطار معركة محدودة لا تتجاوز بضعة كيلو مترات وذلك يأتي بقدر الدعم الذي يتم تقديمه في إطار عملية محدودة إضافة إلى تنوع القيادة للمقاومة وهو شيء طبيعي في بداية الأمر حيث ولادة مقاومة شعبية من المجتمع وبداية مرحلة ترتيب آلية تلك المقاومة ومع ذلك كان هناك نتائج مقبولة على الأرض بالنسبة للمقاومة .
 
ثمة شيء لا بد التذكير به فيما يخص إمكانيات المليشيا وتطويقها للمحافظة بقرابة 13 لواء عسكري بكامل عتاده وغيرها من الكتائب والأفراد والضباط من قوات المخلوع ومجاميع مليشيا الحوثي .
 
لحظة فارقة في مسار المقاومة تلك التي انطلق من وحيها كل الأحرار الأبطال من أبناء المدينة في خوض مرحلة الترتيب لوضع لمسات لتثبيت وضع المعركة تدريجيا؛ ومرحلة الانطلاق نحو ولادة مؤسسات الدولة وأن كان يصعب ولادتها فلا بد من بداية تفعليها والعمل وفقها .
 
ان امعنت النظر إلى المرحلة الزمنية في ما تم تحقيقه خلال العام الأول ونصف العام الآخر للمقاومة من حيث الانطلاق من شارع جمال وسط المدينة والتوسع غربا والوصول إلى الضباب وشرقا نحو القصر الجمهوري ومعسكر التشريفات ومنطقة صالة باتجاه الحوبان في ظل مرحلة ترتيب وسد الثغرات ووضع آلية لأي عملية ومعركة .
 
من عايش الوضع في تعز عن قرب وقاسمها حصارها ومعاركها تتكيف في ذهنيته مدى ذلك الحدث الجليل والشعور الرهيب في انطلاق المقاومة من وحي المجتمع، كمنطلق وحيي وروحي للقتال إيمانا بالقضية وصدق المعركة ووضوح الهدف والرؤية، ومقاومة جحافل التمرد للدفاع عن دين وعرض وكرامة ومدينة ووطن أجمع .
 
انبعاث خالص من رحم المدينة للسير في طريق الكفاح الوجودي والوطني، والشروع في مقاومة مليشيات انقلابية تحاول احكام قبضتها على المدينة، وإخضاع أبنائها وهدم القيم والمبادئ الذي تتربع في روح مدينة الحالمين ومواطنيها .
 
شغف نضالي وقتالي كان وما زال يعانق أبطال المقاومة وهم يستبسلون في ردع هجمات المليشيا وكسر قوتهم المتاخمة على جهات ومربعات المدينة بكل اخلاص وقداسة للمعركة وللقضية .
 
سلاح شخصي مع ذخيرة محدودة والتفاف شعبي جامع هذا كل ما كان يمتلكه المقاتلون وهم يخوضون معركتهم بكل بسالة ويصمدون في وجه ألوية عسكرية بكل عتادها ومجاميع حوثية تتعزز باستمرار، وأمام كل ذلك قاد الأبطال هذه المدينة من مربع محدود ومحصور في شارعين إلى التوسع و التحرير والتقدم شيئا فشيئا حتى باتوا على أطراف المحافظة يخنقون هناك المليشيات ويجرعوهم الويلات، في معركة تتناغم فيها لحن الصمود والنضال والتضحية، وتسطر في مسيرتها أروع البطولات القتالية بكل عزيمة واستبسال .
 
ثمة شيء كبير كان له نصيب من هذا الدفع نحو التوسع والخروج من معارك الاحياء والتوسع نحو التباب والجبال ودحر المليشيات وقتالها في اطراف المدينة في ظل الدعم المحدود؛ وذلك الشيء يأتي من دافع الحزم والتعامل بشكل صارم مع المعركة وكبح منابع الشتات وحصر قنوات التواصل والدعم الذي كان يأتي بشكل عشوائي وحصرها في نطاق مؤسسات الدولة مع ضرورة انطلاق وضع اللمسات لتفعيل تلك المؤسسات عسكريا وأمنيا ومدنيا مهما كانت الظروف وشحة الإمكانيات والاشكاليات التي تبعها والعوائق التي واكبتها وهي تأتي بطبيعة الوضع والمرحلة مع بداية ولادة تفعيل الدولة الذي تنشدها المدينة .
 
كان فك الحصار وتحرير خط الضباب أولى خطوات تلك المرحلة واختبار لمدى السيطرة على الوضع من خلالها تفعيل آلية المؤسسة العسكرية كأولوية حتمية عن طريق قيادة المحور وألويته العسكرية؛ وضرورة البدء بدمج أفراد المقاومة ضمن قوام المحور وألويته العسكرية في المحافظة وترتيب وضع تلك القوات وتحديد مهام ومسرح عمليات لها وتوزيعها حسب المناطق ومن ثم البدء بعملية ترقيم الأفراد بآلية وضوابط ضمن قوام الجيش الوطني؛ وتلك عوامل بدأت في ذلك الوقت تسلك طريقها بل وأدت إلى استشعار بوجود أشياء ملموسة توضع لتثبيت الدولة وفي الوقت ذاته تخوض معركة أساسية مع المليشيات الانقلابية ولربما يأتي من منطلق طوق المدينة والمجتمع لملامسة الدولة قدر الإمكان من منظور مؤسسي يد تقاتل ويد تبني.. وتلك الخطوات التي تم خطوها لا شك واكبتها مخاطر وعقبات وعوائق واشكاليات ولا زالت حتى الان موجودة لكنها تعالج بشكل تدريجي واولي بالقدر المطلوب .
 
فكلما توسعت نطاق المعارك ومسرح العمليات العسكرية نحو مناطق مفتوحة فإنه يتطلب بحسب الواقع وطبيعة المعركة إلى معدات وسلاح ثقيل بالقدر المطلوب لخوض معركة حاسمة في اي مناطق مفتوحة في أطراف تعز.. وهو الشيء الذي لم يشأ لتعز أن يكون لها نصيب من ذلك مقارنة بما أعطي لمأرب وعدن والساحل الغربي وغيرها؛ وهو يأتي لعدة أسباب ودوافع لا علاقة للثقة بها أو التنسيق أو التقليص من حجم قوة تعز وقدرتها، بل لربما سوء الفهم على الأرجح إضافة لأسباب أخرى بدأت في المرحلة الأخيرة تطفو على السطح ولربما يتفهما ويستوعبها كثيرين ويدركها؛ إلا أنه ومع ذلك فإن المعدات البسيطة الموجودة لدى قوات تعز التي يتم تقديمها من التحالف وكذلك التي يتم تفودها من المليشيات مع كل عملية وهي بسيطة ومحدودة إلا انه يتم تقديم كل الجهود وشحذ كل الهمم والقدرات لأي معركة ولو كانت محدودة في نطاق معين .
 
اذ نتج عن ذلك توسع مسرح العمليات وباتت قوات تعز خلال فترة وجيزة بما لديها من إمكانيات باتت في مناطق مفتوحة وفي أطراف المحافظة وجبالها الواسعة بعدما كانت محصورة في شارعين وسط أحياء المدينة .
 
فضلا عن أن المعركة لا زالت مستمرة ضد المليشيات الانقلابية إلا أن ثمة تخلخل يحدث بين الحين والآخر على الصعيد الداخلي وهو يأتي من طابع الوضع الذي تعيشه تعز في ظل ما تواجهه من حصار وحرب، ومع بداية الاجتهاد لتفعيل مؤسسات الدولة، إضافة إلى أن تلك التخلخلات تأتي من قبل خلايا أقرب إلى أنها مرتبطة بالمخلوع والحوثي و بطبيعة التراكمات والخروج عن السياق والمسار المرسوم من قبل بعض الأقزام الغافلين الذين لربما استشعروا بخطورة حصرهم في زاوية معينة وهم ينحرفون بغفلتهم عن مسار المشروع الذي خرجت تعز تقاوم لاجله وغير راغبون في الدخول ضمن تشكيلات وقوات الجيش ومؤسسات الدولة واحترامها وردفها وتسعى إلى خلق ضبابية في المشهد من خلال إثارة الوضع الداخلي بالمدينة بين الحين والآخر، إضافة إلى التنقيص من حجم تضحياتها وما قدمته وإدخالها في مستنقع الشتات عن قصد لحرف البوصلة وإيقاف عجلة تفعيل مؤسسات الدولة.. ورغم ذلك إلا أن مرحلة التفعيل المؤسسي رغم صعوبته بطبيعة الوضع الحرج الذي تعيشه المدينة إلا أنه يسلك طريقه مع وجود بعض الإشكاليات .
 
ويجب علينا جميعا أن نعي حجم المعركة واننا في خندق واحد نخوض معركة واحدة وموحدة خرج من أجلها الجميع لإنهاء الانقلاب ودحره و استعادة الدولة، ولا بد أن نتلمس مرحلة تفعيل مؤسسات الدولة للحفاظ على قوام المدينة وتضحياتها وعدم الانخراط في مسار الفوضى والمعمة والمناكفات التي تقلل من حجم هذه المدينة، ويتوجب منا جميعا ان نقف خلف أجهزة الدولة وعدم الانخراط في تضخيم الإشكاليات أو محاولة توسيعها باي شكل بل أن نعمل من أجل تجفيفها وسدها .
 
فالمجتمع هو جزء أساسي من البناء وجزء أساسي من النهوض وهو الحاضنة الشعبية والمجتمعية للدولة ومؤسساتها ويجب أن نعي ذلك ولا نلهث وراء افتعال الفوضى أو توسيعها أو حرف المسار بمختلف المجالات تحت مبرر المناكفات والتعصبات وإدخال مؤسسات الدولة في هذا الجانب .
 
فتعز مدينة تنشد الدولة وتتطوق لحضورها ولو كانت في مرحلة لملمتها فإنها تساهم في تقوية مؤسساتها وتضميد جراحها وتجاوز كل الإشكاليات المفتعلة التي تحاول جرنا إلى مستنقع الفوضى والشتات .
 
يجب أن تأخذ تعز حقها في سلك ادبياتها من خلال مدنيتها وثقافتها لا ان ننجر وراء المناكفات المفتعلة ونلهث نحو ذلك المنعطف الخطير لمجرد إشكالية او ثغرة وبدلا أن يتم سدها يتم توسيعها عن قصد أو بغير قصد .
 
فعلينا أن نحفظ مواقفنا بشكل واضح وصريح لما يخدم مدينتنا ويحافظ على مقوماتها وحقوقها وتضحياتها التي قدمت لأجل الدولة والشرعية والنظام والقانون لا الفوضى والخروج عن مسار الدولة،
 
فالتاريخ لا يرحم والمواقف المرجحة والمتلونة بين الحين والآخر للبعض مسجلة ومدونة؛ وتعز يجب أن تسير في طريق المقاومة و البناء المؤسسي لحضور الدولة والشرعية .
 

التعليقات