رحلة إلى عدن !
الجمعة, 16 أغسطس, 2019 - 11:38 مساءً

مساء الاثنين 5 أغسطس الثامنة والنصف مساء اوقفتنا نقطة تفتيش على ساحل أبين قبل طريق مطار عدن أثناء العودة من ورشة ميكانيك بالشيخ عثمان لصيانة سيارتي المنكوبة، كنت برفقة زميل آخر أوصلني بسيارته بعدما ضربت له صدري بثقة "على مسؤوليتي" حين أفشى لي بمخاوفه من النقاط والمضايقات، وبمجرد أن اكتشفوا أننا من تعز طلب منا التوقف جانبا وسلم هوياتنا لآخر وقاله شوفهم من تعز..
 
اقترب منا جندي شاب هادئ وفورا طلب تلفوناتنا لتفتيشها دون مقدمات متحدثا بنبرة ساخرة وقبل أن يفتش: أصحاب تعز احتفلتم بمقتل ابو اليمامة.. قلنا له معندناش فكرة عن هذا الموضوع ولا من احتفل..
 
فتش هواتفنا وهي المرة الاولى التي يتم تفتيش تلفوني في عدن للبحث عن إدانة، فوجدوا فيه امورا كثيرة بعضها لم اطلع عليها مثل الفيديو القذر لياسر اليماني - الهمجي مع عفاش وفي صف الشرعية ومواليا لقطر ومستقبلا سيتوج همجيته ربما مع الحوثية- او الصورة المتداولة من تعز عن تشييع جنازة الخارجين عن القانون، أو عن صورة لا أدري كم مضى عليها في هاتفي لمحمد الحوثي..
 
أخبرناهم ببساطة أننا صحفيون وتصلنا كل الاخبار من كل الجن والعفاريت.. تساءل الشاب اذا فرضنا أن الحوثي مسكك ومعك شي ما يعجبوش وين بابوديكم..
 
صمتنا بامتعاظ واجبت في نفسي: بيودونا خلف الشمس وما بنتجرأ نقول للإرهابين الحوثيين إنه احنا صحفيين.. ووددت لو أضيف: يبدو انهم غدوا قدوتكم.. تمضون حثيثا على خطاهم..
 
على كل حال ظلوا لأكثر من ساعة يفتشوا هواتفنا ويتناقلونها من جندي لآخر وغاصوا في أعماق خصوصياتنا ويقلبونها ولم نتعرض لأي شتيمة أو إهانة أو تهديد، مع أن التعامل بالهوية وانتهاك الخصوصية والبحث عن إدانة من الهاتف يشكل انتهاكا صارخا وهمجيا للحقوق والكرامة الانسانية.
اخذونا بعدها بسيارتنا إلى حوش صغير بداخله غرفتين على طريق العلم، حيث العمليات، واخبرناهم اننا صحفيون، فطلبوا ما يثبت فعرضنا بطائقنا فاجروا مجموعة اتصالات واخلوا سبيلنا خلال اقل من ساعة اضافة الى الساعة السابقة في النقطة مقدمين الاعتذار عن هذا الامر.. شخص يلبس ميري ببنية جيدة بلحية وشعر غير منسق أول ما رايته قلت في نفسي: ايش يشتي مننا فيدل كاسترو؟! عرف نفسه بأنه قائد النقطة طلب مني الابلاغ اذا كنا قد تعرضنا لأي اهانة أو سوء معاملة او أخذ منا شيء واعتذر وبرر الامر بالإجراءات والاستنفار وطلبوا منا ابلاغ العمليات بوجودنا مسبقا حتى لا نتعرض لأي مضايقات.. طبعا هنا لم يفتشوا تلفوناتنا مطلقا وإن احتفظوا بها لبعض الوقت..
 
سألت أحد مسؤولي العمليات هناك وكيف إذا مسكونا الان واحنا خارجين بأي نقطة، فاعطانا رقمه وقال اتصلوا بي اي وقت في اي نقطة، اسماءكم في العمليات ولكم الأمان.
 
في طريق العودة الموحشة.. همهم صديقي بحنق.. عادك تقول بثقة على مسؤوليتي "إيري بالرأس"..
 
ضحكت مثقلا بكل أكوام القهر بداخلي وأنا الذي مضى على وجودي في عدن عشرة أيام في زيارة عمل: طيب قد وفيت بوعدي تخارجنا الآن، ومهم كصحفي تأخذ فكرة كيف يتعاملوا مع الناس..
 
رد عليا بحنق: قد أخذت فكرة كافية بالزيادة وقد كنت اتخيل ليلتي الأولى في سجن "بير أحمد".. شكرا على الفرصة..
 
أما أنا كنت أتخيل نفسي مرحلا في شاحنة مكتظة بكباش العيد.. كنت انتظر وأتوقع هذا في الحقيقة، وكانت فرصة للاطلاع على كيفية التعامل مع غير الصحفيين وكتابة بضع قصص انسانية.. لكن هذا لم يحدث لحسن حظهم ربما..
تخارجنا بطبيعة الحال بسهولة لأننا صحفيون.. هذا اولا وأن تكون صحفيا حتى في وسيلة إعلام مصنفة كمعادية فذلك أفضل لك من أن تكون مواطنا بمهنة او حرفة لا تشكل أهمية لديهم.. وهذا خلافا للحوثيين الذين ستضطر ان تخبرهم أنك طبيبا بيطريا او عامل بوفية على أن تخبرهم أنك صحفي أو عاملا في منظمة.
 
لكن هل هذا التصرف فردي؟ .. لا ليس فرديا بل منظما وبأوامر عليا والدليل أن يتم بنقاط تفتيش تطبق حرفيا الأوامر العليا..
 
وهل هو تصرف عنصري.. أي نعم عنصري وقذر إذ تنتقى ويشتبه بك بعد قراءة بيانات الهوية، ويبحث لك عن تهمة بذات الطريقة الهمجية القذرة التي ابتكرتها الفاشية الحوثية للبحث عن إدانات للأبرياء، مع فارق أنها عند الحوثيين عنصرية عامة إذ يشتبهون بكل من ليس معهم أنه ضدهم.
 
وهل هؤلاء أفضل أم الحوثيون؟
 
لست مضطرا للمقارنة بين عنصرية وأخرى، لكن طالما انبرى مغول العصر وأساس العنصرية في اليمن في القرن الحالي للتباهي بأخلاقهم، فأؤكد أن هؤلاء بكل ممارساتهم العنصرية الطارئة والطافحة ليسوا في مقام الحوثية سوى مقلدين وتلاميذ أغبياء امام خبرتهم العنصرية العاتية إذ تقوم نشأتها من صرخة الولادة على أساس من العنصرية والتفضيل.
 
كل المشاريع العنصرية ليست من الانسانية ولا من الوطنية (حتى الجنوبية المزعومة) ولا تجسد أي قيم انسانية او حضارية ولا تنبئ سوى بعنصرية مريضة متناسلة إلى مستوى العزلة والمدينة والقرية والحارة والاسرة الواحدة بعد الانتهاء من مرحلة العنصرية تجاه الاخر.
 
كل قهر الدنيا ينتابك وأنت الذي تركت بلادك وقريتك وأهلك جراء تنكيل وإرهاب وعنصرية الحوثي لتجد من يتهمك في مناطق أخرى أنك حوثي..
هل سيكون ثمة قهر في هذا العالم أكثر من هذا؟!
 

التعليقات