مأرب القوية في خطر!
الاربعاء, 18 مارس, 2020 - 02:05 مساءً

يمكن أن نستنتج من تصعيد الحوثي باتجاه صرواح ومن ثلاثة محاور، بهذه الكثافة البشرية وأعداد الضحايا، هو أنه يدفع بكل ثقله مسكونًا بضجيج الانتصارات التي يحققها على مواقع التواصل من أجل إسقاط مأرب، كما أن ما حققه في الجوف مؤخرًا بفضل الفشل الذريع والبيع والغدر، جعله يطمع بأكثر مما لم يكن يتوقعه ويريده!
 
بات من الواضح من تحركات الحوثي بأنه لا يتحرك هكذا بالصدفة، بل إن هناك ضوء أخضر دولي ورضى أممي داعم لما يقوم به، وليس مجرد ضوء وحسب بل إنه يتلقى الدعم الكامل وليس من إيران وحدها بل من دولا كثيرة، من بينها الإمارات، والسبب يعود إلى عدم رضاهم بأداء الحكومة، والبعض يرى فيها عائق أمام تنفيذ مشاريعه وأجنداته، لذا لن يحقق لهم هدف تقويض السلطة اليمنية سوى عبد الملك الحوثي وكيل إيران في اليمن، كما لن يحقق لهم رغبتهم وأهدافهم سواه!
 
من المهم القول أن طول أمد الحرب شكل قناعة دولية بالحوثيين، ومنذ البداية والمجتمع الدولي يتعامل معهم كطرف في حرب وليس باعتبارهم انقلابيين على الدولة، كما أن بقاء الحكومة اليمنية في المنفى وضعف أداء أجهزتها بالإضافة للانقلابات الجديدة التي تمولها أبو ظبي في الجنوب غيرت الموازين لصالح الإنقلاب الحوثي، وهذا التصعيد الأخير يفسر هذا ويوضح طبيعة المشروع الذي يريد المجتمع الدولي تمريره في اليمن وهو جل ما تتمناه طهران بالطبع!
 
لا داعي للخفة في التعامل مع ما يحدث اليوم في الجبهات، وليس عيبًا أن نقول أن مأرب التي تمتلك كل عوامل النصر وقلب المعركة، أصبحت في خطر حقيقي، ليس لضعفها وقوة الحوثي، وليس تقليلا من شأن الرجال في مواقع القتال، كما أن كلامًا كهذا هو في حقيقة الأمر بمثابة دق جرس إنذار لمن يهمه الأمر، ففي الوقت الذي تكشر المليشيات عن ما تريده نحن نحتفل بأننا نجحنا بصد الجحافل وكسرها وهي تحاول السيطرة على مواقعنا، وهذا برأيي هو الخطر الحقيقي، أن نصبح دائما في الدفاع، ومن يبادر بالهجوم هو العدو!
 
الحوثي يدفع بكل ثقله باتجاه مأرب، هذا الجنون يكشف الجزء الخفي مما يخطط له ومن يقف خلفه، هذا التكتيك العسكري الذي ينتهجه الحوثي يضع مأرب تحت الخطر وإن كانت عصية، أصبحت هدف للإسقاط، هذا ليس علمًا بالغيب ولا تحليلا، ولكن واقع أصبح يفرض نفسه، المواجهات العنيفة التي تحدث الآن في صرواح وقانيه تكشف السر، وما لم تبادر الحكومة والجيش ومن خلفهم التحالف لردع الحوثي ولجم نزواته وإرجاعه لأبعد نقطة ممكنة، فسيجدون أنفسهم قد خسروا الكثير جدا، ليس على المستوى العسكري والجغرافي وحسب، وإنما على المستوى السياسي أيضًا!
 
يعجز الفرد منا فهم العقلية التي لا تردعها الهزيمة ولا تغير من أداءها؛ ما الحكمة في خسارتك لجغرافيا استراتيجية كانت بيدك وتشكل نقطة قوة لك وضعف لخصمك؟ ما هو النجاح العسكري في حين أنك تخسر باستمرار؟ صحيح أن هناك عوامل خارجة عن القرار والتحكم، لكن الصمت هو قبول بها، وعدم الشروع في التغيير والإبتكار هو رضوخ وهزيمة لا تقل عن الهزيمة العسكرية، كما أن الحرب كر وفر، نصر وهزيمة، لكن انعدام الخيارات هزيمة، والإنتظار من الآخر أن يمنحك الحلول والقوة فشل ذريع وفاضح!
 
هناك من يريد الإنتقام من مأرب، ليس لأنها هزمت الحوثي وألحقت به الأذى وحسب، بل لأنها أصبحت تمثل آخر وجود الدولة وسلطتها، ولأنها أيضًا مثلت الدولة وحاولت أن تكون نموذج مشرف في بسط القانون وإعادة احياء المؤسسات والدوائر الحكومية وكانت عائق أمام اغراق المحافظة بالمليشيات التي تنازع السلطة قوتها، وهذا هو ما ازعج بعض الدول، التي كانت تريد أن تكون مأرب نسخة أخرى من عدن!
 
مأرب قادرة على صناعة الفارق وتمتلك كل الوسائل، لكن هناك من يقف عائق أمامها ولا يتوقف عن صنع العراقيل في طريقها، ويبذل جهده الخارق لتكبيلها وجعلها تحت رحمة القرارات والمصالح، وهذا هو ما يجعلها في خطر، لذا اتركوا مأرب وحسب وهي قادرة على الذهاب بعيدا، ليس على هزيمة الحوثي بل على تأديبه أيضا، فقط كفو أذاكم عنها وارفعوا أياديكم من طريقها!

التعليقات