رسالة من مصاب بكورونا
الأحد, 03 مايو, 2020 - 12:18 صباحاً

أنا الآن في المستشفى، نصف الأطباء لم يحضروا ويفكر الآخرون بالمغادرة والهرب.
 
لست مجرما، أقسم لكم أنني لستُ مجرما، كل ما فعلته هو أنني تنفست هواء نقيا أو غير نقي، أو لمست حائطا أو صافحت أحدا أو قبلته.
 
فعلت ما تفعلونه أنتم يوميا، لا أكثر ولا أقل.
 
أنتم تتنفسون، تصافحون، تعانقون، تقبلون الآخرين وأنا مثلكم فعلت.
 
لأنني فعلت الأشياء السابقة طالب أناس بقتلي دون رحمة. قال جزء منهم إن فقه الواقع يقول ذلك.
 
ما توقعته هو المساندة، أن تصلني رسائل تشجعني على قهر المرض، أن يعزف لي موسيقي تحت نافذة المستشفى قطعة فنية كما يفعل الناس في إيطاليا، أن تصلني باقة ورد من أناس مجهولين كتبت عليها أمنيات الشفاء، أن يتصل بي أناس ليقرأوا عليَّ قصصا لتمضية الوقت الممل في هذا المكان المليء براحة الخوف والعقاقير والأدوية والموت.
 
في الحي الذي أرقد فيه وحيدا ومنبوذا وقلقا، تجمع الأهالي في وقفة احتجاجية، نادوا السلطات بنقل المركز إلى مكان آخر، لأن بداخلها تلك الجرثومة المخيفة والمخلوق المنبوذ الذي هو أنا.
 
لم يفكر من طالب بقتلي أن لدي أطفالا سيصبحون يتامى وزوجة ستتولى مهمة تنشئة أطفال وتعليمهم وتأمين مستقبلهم، قد يؤلمهم الجوع والحزن والحرمان من أب لم يمُت أو يحيا كما أراد له قانون الانتقاء الطبيعي، بل لأن الناس طالبوا بقتله، وجريمته أنه أصيب بكورونا.
 
كان القتل ربما أخف ما يمكن أن أتلقاه في مرض كهذا، نُشر اسمي واسم عائلتي بكاملها وكأنني رجل ممتلئ بالشر والإساءة للإنسانية، وتخيلت صورتي كأولئك الذين يذهبون إلى محاكم العدل الدولية وهم مقيدون بالسلاسل.
 
أرقد هنا في المستشفى بين الأدوية والعقاقير وأجهزة كثيرة يستخدمها الأطباء وألمي النفسي أعلى من ألمي الجسدي.
 
الكائنات الصغيرة لم تفعل بي ما فعله بي أبناء شعب أنتمي إليه.
 
ما الجرم الذي ارتكبته ليحكم عليّ أناس بالموت ؟
 
يا من حكمتم عليّ بالموت أجيبوني لماذا أستحق الموت ؟ لماذا قلتم إن علي السلطات الصحية أن تقتلني ؟
 
لقد قلتم كلمة بسيطة وعابرة، لكنكم لا تعرفون كيف أن هذه الكلمة أفقدتني كل أمل وشعور بالشفاء والأمان من الناس والحياة والأصدقاء.
 
لم يتجنب الناس عائلتي خوفا من الإصابة فقط، بل أشاروا لها بالبنان، ونُبذت كما نُبذ نبي في التاريخ القديم كان غاضبا من قومه ووجد نفسه في بطن حوت.
 

التعليقات