الدّوشة تسرق تعز!
الثلاثاء, 18 أغسطس, 2020 - 04:38 مساءً

تعز التي نعرفها ونقرأ عنها في كتب التأريخ كصاحبة الفن والثقافة، تذهب وتتلاشى.. أشياء كثيرة كانت فيها رمز تضربه المدن الآخرى مثالاً لكل مثالية؛ يُصبح مُقْرفاً وتافها.!! الفن إحدى أعمدة الحياة فيها يتلاشى على أيادي لاهمَ لها سوى كسب أكبر قدر من المال..!
 
وفي هذه المدينة لا يقف تكاثر الفِرق الغنائية، لدرجة أن تولد كل أسبوع أو شهر فِرقة جديدة..
 
أي فرد يشعر بأنه بحاجة إلى مال، أشتغل فنان! وإن كان آخر معه مال ويبحث عن مشروع استثماري، يشتري أدواد المسيقي، ويخرج إلى حَرج الفناننين، يأخذ له مطرب، ويبدأ من اليوم التالي يشتغل في الأعراس.
 
على مستوى قريتنا الكائنة في أعلى قمم جبل حبشي، مؤخراً بدأت فكرة إقامة العرس بوجود فِرقة غنائية، بدأها عريس مقتدر ولاتزال لليوم للمقتدرين. منذ ثلاث سنوات مضت تقريباً، عَرفتْ القرية أربع فِرق مختلفة بفنانيين مختلفين، الشاهد هنا، إن كل فِرقة عرفتها القرية إلى فِرقة قدمت من المدينة خلال أيام العيد، لم يسبق لها، أي القرية، أن قد سمعت بها أو رأتها أو حتى علمت بها. وهذا ما يشير ويؤكد فكرة تكاثر الفِرق الصاخبة.
 
الفِرق الغنائية كفكرة، ابتكاره تعِزية خالصة. إما طابعها الغنائي فهو مقتبس في أغلبه من اللون اللحجي. وتعتبر أيضاً لون جديد وحديث يضاف إلى قائمة الفن اليمني الطويلة.. ولكن مشكلتها تكمن في أنها تبحث عن المال لا من أجل أن تخلق ذوق، وتقدم محتوى جيد. ولها جمهور واسع شغوف بها خصوصا فئة الشباب..
 
هنا، لا اكتب بهدف سنف كل هذا اللون الغنائي الحديث المبتكر. هناك بعض الفِرق المحترمة. وهي قليلة من بين كل هذا التضخم الفِرقي. سنجد أنها أحرزت ذلك الاحترام، نتيجة استباقها هذا المجال، وإدراك منها بأهمية التطوير وتحسين الأداء وما يمثل ذلك بالنسبة لمسألة للتألق الذي يجذب الجمهور..
 
ولكن أحذر من سطوتها على الذوق الفني العام في تعز.وأتمنى من الموهوبين أصحاب الأصوات الجميلة،أن يخلقوا فن أيوبي أو غيره من عموم الفن اليمني بلون عصري حديث.
 
راح كل الفنانيين والموهوبين بالأصوات الجميلة والمستثمرين، وطالبين الله، في مدينة عملاق الفن اليمني أيوب طارش، يصبحون مطربي "فِرق جماعية" خاصة بالأعراس والحفلات تَضِج
بالصّخب كله! لإشعال المكان بحماس الراقصين.
 
بالمقابل، ذلك الضجيج الصاخب المختلط بالرقص المشتعل، يجعل بهجة العريس وأهله وأصدقاءه تُحَلقْ في السماء..ولكن ذهبت تعز تضج صاخبةً وترقص مشتعلة، ضاربةً عرض الجدر بالإحساس، بالعود، بالفن الراقي الشاعري...
 
حتى منشدين متميزين بأصوات عذبة، تركوا تلك العذوبة وقفزوا إلى وسط حرج الفِرق المتخضم.لا لغاية فنية إحساسية جمالية،بل حيث المال.. قال أحدهم: النشيد مخارجهمش، مابوش طلبة الله". برغم قفزتهم المتأخرة أصبحوا من الفِرق الأكثر طلباً. لكان أروع وأجمل لو أنهم سلكوا طريقاً فنياً مغايراً لطفرة الفِرق.
 
تحاول بعض الفِرق أن تغني بأغاني يمنية عريقة لفنانين يمنيين عمالقة أو من الفن العربي، فتفعل ذلك بالصّخب المسيقي نفسه وبالزعيق نفسه. ليزداد يقين أصحاب الذوق الرفيع بأنها إحدى الظواهر الخطِرة التي خلفها الحرب.!
 
هل سيموت ذوق الفن التعزي، عند أيوب طارش؟ هذا ماهو حاصل اليوم: لم تَخلُق تعز فنان آخر سار على درب أيوب. سوى فنان واحد حاول لفترة ثم تعثر. وتقول صفحته اليوم على موقع فيس بوك أنه يحاول.. وعلى مايبدو أنه لايزال يحاول منذو قال أنه يحاول. أنه عبدالباسط عبسي.الذي"أهَلُه، مَهَلُوش"
 
أحياء اللون الصنعاني القديم-حديثاً-مجموعة من الفنانيين الشباب. صاروا فيما بعد نجوما لامعين، وخرج-تقربياً- من أسرة كل فنان، فنان آخر.. كحسين محب، وعبدالرحمن الأخفش، والبدجي، ورسام، وعلي عنبة.. الخ.
 
اليوم ثمة جيل آخر قد بدأ يرث الفن من هولاء. وهذا ما جعل من الفن الصنعاني مرغوب بشدة في الوسط الشعبي اليمني بكل المحافظات اليمنية وبل وعلى مستوى الخليج.
 
عبرت "ياليالي، ياليالي" للأخفش الصغير "صلاح" الحدود اليمنية وغناها مطربين عرب، وأصبح للّون الصنعاني جمهور واسع شعبي ورسمي في الوسط الخليجي. وهذا الحدث يمثل نقلة نوعية غير بسيطة وغير مسبوقة في الفن اليمني عموماً. بينما بقيَ الفنان العريق أيوب، بحدود جهده ومحبيه داخل الحدود اليمنية.
 
المدن تتألق بفنها،جيلاً بعد جيل.. وتعز تغرق في دوشة الفِرق.!!
 
وكمثالين لحالتين عامتين
تغتالان روح هذه المدينة:أنقذوا
 تعز من "سليم الزيادي وغزوان المخلافي".
 
 
 
 
 

التعليقات