البخيتي وإجهاضه المبكر لطفولة أبنائه
السبت, 21 نوفمبر, 2020 - 09:46 مساءً

يمكنني أن أتجاوز كثير من الخطايا التي ارتكبها علي البخيتي، باستثناء اجهاضه المبكر لطفولة أبناءه، هذا الرجل المهووس بالشهرة، لا يقدم نموذجًا تربويًّا سليمًا، بقدر ما هو مثالًا للتشوّه الذي يُلحقه الأباء المشاهير بأبناءهم. يستعلجون إقحامهم بعالم مرهق بكل ما تخلِّفه التجربة من تخريب مبكر للشخصية في حين يعتقد أنه يخدمها.
 
أكثر ما تصنعه الشهرة المبكرة للأطفال المراهقين، هو أنها تعيق نموهم الطبيعي وتفتق شخصياتهم بشكل هادئ وبطريقة صحية، إنها تلبسهم صورة متضخمة عن ذواتهم، صورة أكبر من حقيقتهم الواقعية، تحشرهم بإهتمامات مفارقة لوعيهم، وتحيطهم بنشاطات لا يفقهونها.
 
وهذا بالطبع لا يكون إلا على حساب نمو كينونتهم واستكمال عناصر تكوينهم الأصلية..كما أن انخراطهم الكثيف بعالم افتراضي سيؤثر على تفاعلاتهم الأجتماعية الطبيعية في أخطر مرحلة لتكوين الشخصية.
 
حين تسوِّق صورة للطفل متجاوزة لواقعه، فأنت هكذا لا تخدمه، بل تحمله عبء ثقيل، تربك شخصيته وتجعله يعيش حالة توتر بين الصورة التي صدَّرتها عنه وبين ذاته التي يشعر بها، هذا الدفع القسري به للواجهة، يتسبب بتشوهات نفسية ويشوِّش نظرة الطفل لنفسه، وتلك أكبر جريمة انتهاك لحقوق الطفل وحياته المستقبلية.
 
لا يمكن أن يغدو طفلك خارقًا؛ لمجرد أنك تريده أن يكون كذلك، لا يمكنك أن تحوِّله بيوم وليلة لطفل عبقري لمجرد أن تحدث الضجيج حوله وتحشد له متابعين أو تصنع منه قضيّة رأي عام، أنت هكذا توهم نفسك بنجاح مصنّع وتزيف شخصية طفلك، تحشوه بإحساس متعال، وتقيم حجاب بينه وبين ذاته.
 
كان يمكنك أن تربي أطفالك في الظل وبهدوء يا علي البخيتي، تهتم بهم وتؤسس شخصياتهم بالتدريج وفي كل مرحلة بما يتناسب معها وبما يمكن لمداركهم استيعابه؛ لكنك ضحيّة لحالة اللهاث النجومية التي عشتها ثم أسقطتها على أطفالك قبل أوانهم، وسوف تشعر بالنتيجة بعد فترة من الزمن.
 
لن يكبروا نجومًا حقيقين أو قادة رأي عام مؤهلين للحضور بكفاءتهم الذاتية، سوف تتمدد شخصياتهم المنتفخة ويتجلى خواءهم بشكل أوضح حين يكبرون، وستجد نفسك أمام هالة زائفة، أسماء معروفة وفارغة من أي مضمون حقيقي، من أي موهبة أصيلة أو قيمة معرفية معتبرة..عندها ستشعر بالخيبة وتستوعب فداحة ما صنعته بهم في بداية تكوينهم.
 
قبل فترة ليست بعيدة، وبالتحديد أثناء حدوث مشكلة مع إدارة المدرسة التي ترتادها ابنة البخيتي، شاهدت مقابلة لتوجان مع العربية، كانت المذيعة تسألها وهي مرتبكة، تتكلم ببطء كمن يتذكر كلمات محفوظة للتو ولا تدري ماذا تعني بها، كلمات مفصولة عن وعيها، تنطق بها ثم تبلع ريقها وتتوقف، تستوضح منها المذيعة بسؤال أخر، لكنها لا تستطيع شرح ما حدث بلغتها أو مواصلة الحديث خارج الكلام الذي لُقنته.
 
حين تشاهدها تدرك كم أن سلوك أبوها كارثي، وسوف يترك أثره في شخصيتها وأكاد أجزم مسبقًا، أن هذه الفتاة لن تتمكن مستقبلًا من تحقيق ذاتها بشكل جيد ولن تكون متميزة على أي مستوى، إن ما يحدث لها الآن سوف يلغي أي إمكانية للنبوغ حتى لو كانت تتوفر عليها في حالتها الأولية.
 
ما يزال بإمكانك أن تتلافى خطئيتك يا علي البخيتي، أنت رجل ذكي، كما أن علاقتك الواقعية بأطفالك تبدو جيدة، لكنك تتحرك مدفوع بوسواس الشهرة، وتستعجل ترويجهم بشكل يناقض قواعد التربية الآمنة.
 
يمكنك أن تستفسر أصدقاء مختصين بعلوم التربية النفسية للأطفال، حاول أن تفهم أكثر الآثار المخيفة للشهرة المبكرة للطفل، لا بد أن تهتدي لقناعة مختلفة وتبدأ بسحب أطفالك تدريجيا من هذا الفضاء الخانق لشخصياتهم.
 
بالطبع، لا بأس بحضورهم العفوي بين الحين والأخر، على أن يكونوا هم بذواتهم من ينجزونه دون تعليمات فوقية تفرض عليهم ما يفعلون وما يقولون.

دعهم يتحركون داخل محيطهم المتناسب معهم، وكل واحد منهم سينجز شخصيته الخاصة به، مع بقاءك بمثابة موجه طبيعي تدفعهم للتناغم أكثر مع ذواتهم وليس لضغطهم بتلك الطريقة التي صنعتها بحماقة دون أن تعلم.

*يبدو حديثي هذا متأخر، غير أنها كلمة داخلي منذ فترة وأحببت تدوينها، مع قناعتي أن البخيتي غارق في شتات نفسي أكثر من أطفاله، وتلك لعنة الشهرة لمن لا يستطيع فرملة نفسه.
 

التعليقات