خطابات عيدروس الزبيدي
الإثنين, 22 مايو, 2023 - 02:43 صباحاً

تابعتُ عدة لقاءات تلفزيونية سابقة لعيدروس الزبيدي، ومن عدة قنوات تابعة للمجلس الانتقالي، ومن تلك اللقاءات تستطيع أن تخرج بالعديد من الاستنتاجات، حول شخصية الرجل، والأجندة التي يتبناها، والشعارات التي يؤمن بها، والتي لا تنفصل في مجملها عن سلوك وبيانات المجلس الانتقالي الذي يرأسه.
 
تدرك أن الرجل يتحدث بتلقائية، ولا يتمتع بتلك اللباقة السياسية الكافية للكلام، للتعبير عن المواقف، أو الاستمرار في جملة مكتملة للحديث عن قضية ما، رغم أنه تغير كثيرا في أحاديثه عما كان عليه السابق، وهو أمر بالتأكيد اكتسبه من خلال الظهور الإعلامي المتكرر، والحديث في المناسبات، وما أكثرها بالنسبة للانتقالي.
 
ما يمكن أن تلاحظه بوضوح، ويتردد كثيرا في أحاديثه، هي "استعادة دولة الجنوب"، وهذه الجملة يرددها كثيرا، ويربطها مع أي سياق في حديثه، أيا كان طبيعة السؤال الموجه له، وأيا كانت المناسبة التي يتحدث فيها.
 
فمثلا سأله مذيع الغد المشرق عيدروس الزبيدي في مقابلة جرى بثها عشية ذكرى الوحدة عن الوضع الاقتصادي الراهن للبلد في ظل إدارة مجلس القيادة الرئاسي فرد عليه: " هدفنا الرئيسي استعادة دولة الجنوب بكافة مؤسساتها، ومستعدون لنأكل وجبة واحدة في اليوم في سبيل هذا الهدف، والتحدي الاقتصادي يواجه مجلس القيادة الرئاسي بشكل أساسي".
 
وفي سؤال عن وجود دعم دولي لمشروع استعادة دولة الجنوب، فرد " بأنهم لن يتخلوا عن هدفهم في استعادة دولتهم، وأنهم مسيطرون على الأرض، وأن المؤمن القوي عند الله خير من المؤمن الضعيف".
 
يحرص الزبيدي على تكرار هذه الجملة، في كل أحاديثه، بل وكأنه في مهمة لترديدها، وغرسها في ذاكرة أتباعه، وإيصالها لخصومه، لا أقل ولا أكثر، جاعلا منها إجابة جاهزة، وإذا ما تم استعراض احاديثه في مقطع فيديو يجمع هذه الجملة وهو ينطقها، فستتضح الصورة بشكل أدق.
 
الأمر الثاني في خطابات الزبيدي يبدو في عدم قدرته على التفريق، بين وظيفته كرئيس للمجلس الانتقالي، وبين عضويته في مجلس القيادة الرئاسي، بل إنه جعل من الوظيفة الحكومية بابا لممارسة نشاطه في الانتقالي، وتجد تحركاته التي تخدم الانتقالي وأجندته طريقها لواجهة الإعلام الرسمي باعتباره موظفا حكوميا، وما كان ذلك ليتحقق لولا هذا المنصب الحكومي، الذي أسند إليه، ومنحه الفرصة للظهور والتحرك والغطاء لممارسة أنشطته.
 
فعلى سبيل المثال وصل الزبيدي مدينة المكلا عاصمة حضرموت في أول زيارة لها منذ تشكيل المجلس الانتقالي، وتجول فيها تارة بصفته رئيسا للمجلس الانتقالي، وأخرى بصفته عضو مجلس القيادة الرئاسي، وبصفته الأخيرة دخل القصر الرئاسي في المدينة، لكنه ظهر في حوار صحفي مع قناة الغد المشرق يعلن تمسكه بخيار الانفصال والعودة للتشطير.
 
هذا الوضع من التناقض والتداخل في الوظيفتين، بات واضحا في كل خطاب للزبيدي، وفي كل تحركات ميدانية يجريها، وهو بذلك يتحرك في مساحة الدولة وأروقتها ومؤسساتها، وبنفس الوقت يهاجمها، وينال منها، ويتوعدها.
 
أما بالنسبة للحكومة فهي ترد في خطابات الزبيدي، من وجهين، الأول: مسؤولة عن توفير الخدمات للناس، والثاني تحميلها وزر الضعف والقصور، وهذا التصور يردده الانتقالي بشكل عام ككيان قائم، في كثير من بياناته، منذ ما قبل دخوله شركيا في الحكومة.
 
بينما في الحقيقة، ووفقا لمعطيات ميدانية، وتطورات كثير، فأكبر عائق تواجهه الحكومة يكمن في الانتقالي نفسه، فهو يتعامل معها باعتباره تيار معارض لها، وبنفس الوقت يقف في وجهها، ويمنع حضورها الكامل سواء أمنيا، أو عسكريا، أو اقتصاديا، أو ميدانيا، فهو يأخذ منها ما يتناسب معه من مناصب ومكاسب، ويتركها تواجه المصاعب والتحديات لوحدها، وهذا الوضع لا يستقيم مع أداء الحكومة، التي يعد شريكا فيها، ولا يمنحها الاستقلالية الكاملة لتقوم بمهامها.
 
وثمة أمر آخر في خطابات الزبيدي، والتي لا تنفصل أيضا عن مجمل بيانات الانتقالي ومؤسساته، فهو يثني عند كل بيان له، على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، ويرد هذا في أي استعراض أو حديث عن أي موقف، كمعركة تحرير عدن مثلا في 2015، أو التحرك العسكري لقواته في المحافظات الشرقية، أو دعم التشكيلات العسكرية له.
 
هذا الوضع يعكس حقيقة واحدة، فاعتراف الزبيدي ومجلسه بأن الدولتين هي من تقفان وراء كل ما تحقق له من مكاسب ميدانية، يحملهما مسؤولية كل الأجندة التصعيدية والدعوات التمزيقية التي يتبناها الانتقالي، ومعلوم لدى الجميع أنه لولا هذا الدعم المتواصل للدولتين على كل الأصعدة لما استطاع الانتقالي الصمود، وأن تخليهما عنه ينذر بوفاته وتلاشيه.
 
وكدليل على هذا، نورد هنا حديث الزبيدي لقناة الغد المشرق فقط، مع أن نفس الحديث تكرر لقنوات أخرى، فالزبيدي يقول للقناة إن الإمارات هي الداعم الأول لهم عسكريا، منذ أول يوم وصلت اليمن، ضمن مشاركتها في عاصفة الحزم، التي تقودها السعودية، وأن دعمها لهم كان له الأثر في القيام بعمليات عسكرية عديدة في عدة محافظات جنوبية.
 
ولم يعد الحديث عن ارتباط الإمارات، والسعودية أيضا بنشأة وتشكل التشكيلات العسكرية التابعة للانتقالي، ودعمها وتمويلها، ورعايتها منذ اليوم الأول لتواجد الدولتين في اليمن، وتحدث بهذا مسؤول إماراتي في وقت سابق بأن بلاده تنشئ جيشا مواليا لها داخل اليمن، في إشارة للقوات التابعة للانتقالي.
 
بل إن الانتقالي نفسه هو حصيلة عملية إماراتية، جعلت من ولادته أمرا سهلا، ولاتزال ترعاه، وتتبنى أجندته، بينما تغض السعودية الطرف عن كل تصرفات المجلس، وكل أفعال أبوظبي.
 
الآمر الآخر في خطابات الانتقالي هو تطابق حديثه فيما يتعلق بالمبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216، وهي المراجع الثلاث للوضع في اليمن، مع وجهة نظر جماع الحوثي، التي ترفضها، وتؤكد أن الأمر الواقع الذي فرضته في صنعاء لا يجعلها متقيدة بتلك المرجعيات، وهو نفس الطرح الذي يتبناه الزبيدي ومجلسه الانتقالي، مرددين نفس المبرر، بأنهم أوجدوا واقعهم الخاص في عدن والجنوب، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لمثل هذه المرجعيات.
 
في المحصلة تعكس خطابات الزبيدي المتكررة، أن الرجل يؤدي دورا مرسوما له، ويسير وفق توجهات وأجندة من يحركه، ويموله، ويرسم له المسار، والاتجاه الذي يسلكه، ومواصفات وصفات الزبيدي الشخصية، تؤهله للعب هذا الدور، والقيام به على أكمل وجه.
 
فالرجل حسب من يعرفه عن قرب، "طيب وعادي" - وفقا للتوصيف الشعبي اليمني الدارج - ولكنه وجد يدفع به نحو وجهات معينة، وذاق طعم المال، ولقي من يسلط الضوء عليه، ويمنحه المكانة، فهو لم يأتي من بيئة الصراع الماضوي الذي شهده اليمن منذ تحقيق الوحدة حتى حرب 94 وما تلاها، كي يكون بهذا المستوى المتشدد من قضية الوحدة اليمنية، واليمن إجمالا، فعلى سبيل المثال: لو كان علي سالم البيض مكان الزبيدي، فالأمر سيكون أكثر فهما، فالبيض كان طرفا في الوحدة، وحصل له ما حصل، وبالتالي ستكون مواقفه مبررة، من خلال تجربته الماضية.
 
لكن الزبيدي لم يكن له موقف مسجل بالنسبة للجنوب، سوى في بعض الأنشطة التي لقي بسببها حكما من نظام صالح، ثم جرى العفو عنه، وبعد انحسار الحرب التي شنها الحوثيون على عدن، وخروجهم منها، كوفئ الزبيدي بتعيينه محافظا لعدن، وهو المنصب الذي استمر فيه قرابة عامين، ثم أقيل منه، بسبب الإمارات نفسها، التي دفعت به إلى الواجهة للتمرد على الرئيس هادي، وكان ذلك سببا في اقالته، وسببا في تشكيل الإمارات للمجلس الانتقالي نفسه.
 

التعليقات