لحظة يا زمن
الإثنين, 22 أبريل, 2024 - 12:10 صباحاً

لحظة يا زمن قلة هم الذين يخاطبون الزمن ويتحدثون مع الأيام والدقائق بتأمل في محاولة لتوقيف الزمن لحظة واحدة على الاقل ليرد الانسان أنفاسه ويتوقف عن الجري واللهث مع الزمن الشارد الذي لا يتوقف ولا يتعب ولا يرحم من معه ولا يعمل اعتبارا لشيء مثل العاطفة الحب والحزن والاحلام وغريزة البقاء مثلًا.
 
بقي محمد المساح يصرخ بالزمن كل يوم (لحظة يا زمن) سنوات على صحيفة الثورة مرددا دون توقف ان (لحظة يا زمن)
 
لو سمحت اسمعني شوية طيب؟
 
ارحمني وتوقف لحظة اشم فيه انفاسك وأرى حقيقة ملامحك شديدة الشرود لكنه الزمن لا يسمع أحد ولا يلتفت لتوسلات العاشقين ولا لتنهدات الأمهات.
 
يمضي كالسيل هادرا سريعا آخذًا معه كل من وجده أو سقط على طريقه. (لحظة يا زمن) لم يكن عنوانًا لعمود صحفي بقدر ما كان تكثيفًا فلسفيًا يحمل الكثير من المعاني.
 
لم يجد المساح استجابة لا من الزمن، لا من الناس حتى رفاقه لم يسمعوه ولم يفهموه فهم في سباق دائم مع الزمن يصارعون طواحين الهواء ويطحنهم الحنين المعلوم والمجهول ويبنون قصورًا من وهم كعادة الإنسان الذي يعيش في غيبوبة حتى إذا ما مات انتبه، حينها يتوقف به الزمن يركله خارج الحياة أعنى خارج دائرة الزمن المستمر في الجريان ويترك كل واحد وشطارته وعمله وادراكه لسر الزمان ودورانه وسر الروح وانوارها والموت والحياة والفناء والبقاء وحقائق الخلود والزوال.
 
كان المساح وهو يصيح (لحظة يا زمن) يهرب من الزمن الزائل باحثا عن الخلود وتلك خاصية الانسان وتفرده.
 
نزل المساح من العاصمة تاركًا عموده في الثورة لينهي صراخه اليومي للزمن بعد أن تأكد أن رياح الزمن تمشي عكس ما تشتهي سفن الخلود.
 
فخرج ليعيش في قريته راعيًا للأغنام مزارعًا في الأهواب وللعلم الرجل لم يتغير في شكله وطباعه فقد كان ذلك القروي الذي يمسك قلمًا في كبرى صحف العاصمة ليطارد الزمن راجيًا منه تحقيق طلبًا واحدا؟  أن يقف لحظة ليسأله سؤالا ما أو يتمعن و(يبهرر) في وجهه الطائر لعله يجد إجابة دون جدوى.
 
وفي مساحة (لحظة يا زمن) شربنا القهوة ونحن نسمع بشغف صوت (جارة الوادي) وتعلم الكثير بعض فنون الكتابة والسرد القصير والألغاز الرشيقة تعلوها نكهة الحزن والحيرة الذي يلف وجه الزمن والإنسان
 
رحل محمد المساح كما هو
قروي بسيط دون بهرجة أو ضجيج لكنه كان يحمل قلمًا شديد التأمل
 
مات المساح بجانب غنماته قريبًا من بقرة الجيران وبجانب شجرة السدر والحنى ونباتات الخوعة والضومر وفاجي السوم
مات وكل حي يموت (وكل ما هو آت آت و كل غائب عائد وكل حي ميت)
 
رحم الله محمد المساح الذي طارد الزمن كي يقف لحظة فلم يفعل لكنه هو من فارق الزمن ليذهب إلى حياة لا جريان فيها للأيام ولا شرودًا للزمن ولا دقائق تلهث نحو الزوال
 
حيث يفنى الفناء ويموت الزوال
رحل إلى دار البقاء حيث وجه الله ورحمته التي وسعت كل شيء
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
 

التعليقات