لا شيء أصعب على الضمير من أن يكتب عن كيان فاقد للأهلية، فاقد للشرعية، فاقد للحياء الوطني. لكن الأسوأ من هذا كله، هو الصمت الجماعي لمن يفترض أنهم حراس الكلمة، وشركاء الألم. في اليمن، أصبح الوطن مكشوف الظهر بين عصابة تمسك القرار، ونخب تلوذ بالصمت، وشعب يتألم وحيدا .
حرام حتى التفكير في تصرفات هؤلاء، أو كتابة حرف عنهم، فهم في حكم من فقد الأهلية السياسية والوطنية والأخلاقية. ومن فقد أهليته، بطلت أقواله وأفعاله، وسقطت شرعية وجوده ومشروعية تمثيله. لكن المعضلة الكبرى أن هذا “الحجر” لا يُفرض إلا على ما ينفع الوطن، أما ما يضر، فتصرفاتهم فيه مطلقة اليد، لا رقيب عليهم ولا محاسب.
لا أحد يفكر، مجرد تفكير، في خير يرجى منهم، فقد باتوا عبئًا وطنيا مكشوفا . لكن الإشكالية الأخطر لم تعد فيهم، بل في صمت البقية وعجزهم؛ في هذا الاستسلام الجماعي المهين، وفي هذا التيه اليمني غير المفهوم.
الحق هؤلاء عارا مبيناً بمؤسسة الرئاسة التي من المفترض تمثل رمزا نقياً للشعب اليمني ، ورابطة قانونية عليا للشرعية ، ومعنى أصيل للأمل باستعادة الدولة، وحولوها إلى وكر للفاسدين، ومسرحًا هزليا يتقن أبطاله تمثيل الفشل والتبعية. مجلس القيادة الرئاسي، الذي شُكّل في لحظة فارقة من تاريخ البلاد، لم يكن سوى أداة بيد اللاعبين الإقليميين، يعاد تشغيله وفق أجنداتهم، لا وفق مصالح الشعب اليمني.
أعضاؤه ليسوا قادة، بل أشباه موظفين، لا يجيدون سوى تبرير العجز وشرعنة الإذلال. يُدارون بالعصا من خارج الحدود، ويتصرفون كالكومبارس في مسرح لا صوت فيه للسيادة أو الكرامة. كنا نعتقد أن النضال ضد الحوثي مبرر كاف للالتفاف حول شرعية ما، لكن الواقع أثبت أنهم بلا مشروع، بلا كفاءة، بلا كرامة.
هؤلاء الذين عجزوا عن إدارة محطة كهرباء في عدن، يستحيل أن يُؤتمنوا على مصير وطن، أو على حلم شعب. يتحدثون عن سيادة، ويُدارون بإشارات، يتغنون بالتحرير وهم أسرى غرف مغلقة في عواصم القرار الإقليمي.
إن ما يسمى بـ”مجلس القيادة” لم يكن سوى غطاء لمزيد من السيطرة الخارجية، وعجز داخلي مريع. كل يوم يتأكد اليمنيون أن معركتهم الحقيقية لم تعد فقط ضد انقلاب الحوثي، بل ضد منظومة كاملة من الفشل المركب، تتحكم بها مجموعة لا يُرجى منها إصلاح، ولا يُؤمَن لها مستقبل.
الإشكالية الأكبر اليوم ليست فقط في المجلس، بل في هذا الصمت القاتل من النخب، من أصحاب القلم الذين تحولوا إلى حرّاس عند بوابات هذا الشيخ أو ذاك المسؤول. لماذا هذا الخضوع؟ لماذا تحوّل المثقفون إلى شهود زور على الجريمة؟ أين صوت الوطن؟ أين صرخة الكرامة؟
لا بارك الله في مجلس لا يسمع صوت شعبه، ولا يعرف وجعه، ولا يسعى إلا لإرضاء من وضعه على الكرسي، لا من انتخبه أو راهن عليه. التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، واليمن – رغم كل هذا الانكسار – لا يموت، بل ينتظر من يعيده إلى أهله، لا إلى جلاديه ولا يخرج علينا أحد ليقول إن هذا الحديث “لا يخدم الظرف الزمني” أو إنه “كلام يصب في مصلحة الحوثي”، لأن الحقيقة أن لا أحد خدم الحوثي كما خدمه هؤلاء. لم يقدموا للوطن ما قدمه المواطن البسيط بصبره وصموده، ولم يعرفوا الحوثي كما عرفه هذا الشعب الذي اكتوى بناره ووقف في وجهه. أما مسألة “التوقيت”، فهي حجة العاجزين؛ فلو كان هؤلاء رجال دولة حقًا، ورجال مرحلة فعلًا، لرأينا ما يدل على ذلك في أفعالهم، لا في شعاراتهم.