دعا رئيس غانا الدول الأوروبية التي شاركت في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي إلى تقديم اعتذار وتعويضات.
وقال الرئيس الغاني، نانا أكوفو أدو، إن تجارة الرقيق، التي استمرت حتى القرن التاسع عشر، دمرت إفريقيا وخنقت تقدمها الاقتصادي والنفسي.
وجاءت تلك التصريحات خلال مؤتمر عقد في أكرا مع مفوضية الاتحاد الأفريقي.
وحث مسؤول بالاتحاد الإفريقي حكومات دول الإفريقية على تبني استراتيجية مشتركة في السعي للحصول على تعويضات.
استعبد المستعمرون الأوروبيون أكثر من 12 مليون امرأة ورجل وطفل من إفريقيا، تم نقلهم على مدار نحو أربعة قرون إلى الأمريكتَين عبر المحيط الأطلسي.
استمرت تجارة الرقيق المأساوية عبر المحيط الأطلسي، والذي شهد واحدة من أحلك الفصول في تاريخ البشرية، لمدة 400 سنة، على الرغم من المقاومة الشرسة من قبل الملايين من الشعوب المستعبدة.
وأعلنت الأمم المتحدة قرار في 17 ديسمبر 2007، تخصيص يوم 25 آذار/مارس يوما دوليا لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، كفرصة للتفكير في من عانوا وماتوا تحت وطأة العبودية، وهي أيضا مناسبة لرفع مستوى الوعي لدى الشباب في العالم حول مخاطر العنصرية والتحيز.
تجارة الرق
بدأت تجارة الرق عبر المحيط الأطلسي على يد المستعمرين البرتغاليين، منذ القرن الخامس عشر، عندما كانت السفن البرتغالية تنقل الأفارقة من القواعد البرتغالية في منطقة الكونغو وأنغولا على طول الساحل الغربي لإفريقيا، لاستخدامهم كعمال مستعبدين في مزارع قصب السكر في جزر الرأس الأخضر وماديرا في شرق المحيط الأطلسي.
بينما كانت أولى محاولات المستعمرين البرتغاليين عندما هاجموا أفارقة في السنغال بالسيوف والدروع وحاولوا اختطافهم عام 1444م، لكنّ السنغاليين تمكنوا من النجاة بالدفاع عن أنفسهم بالسهام السامة وقتل بعض الجنود البرتغاليين.
ونتيجة لتلك المحاولة الفاشلة، تخلَّى الغزاة البرتغاليون عن القتال المباشر، وأقاموا علاقات تجارية مع قادة غرب ووسط إفريقيا، واتفقوا معهم على بيع العبيد المأسورين من مختلف الحروب الإفريقية القبلية، مقابل سلع من أوروبا وشمال إفريقيا، وبهذه الطريقة استعبد البرتغاليون 235 إفريقياً أول مرة في عام 1444م.
ظلَّ البرتغاليون مسيطرين على الاتجار بالأفارقة عبر المحيط الأطلسي لمدة قرن ونصف القرن، إلا أنه خلال ذلك تمكَّن المستعمرون الإسبان من اقتسام الكعكة؛ فقد استعبدوا أفارقة للعمل في منطقة البحر الكاريبي بعد عام 1502م.
يعتقد مؤرخون أنه حتى عام 1600م ربما لم يتم نقل أكثر من بضع مئات من آلاف الأفارقة إلى الأمريكتَين عبر المحيط الأطلسي؛ لكن في القرن السابع عشر، ارتفعت أعداد المستعبدين نتيجة نمو مزارع السكر في منطقة البحر الكاريبي، ومزارع التبغ في منطقة تشيسابيك (مدينة في ولاية فيرجينيا حالياً).
ولم يقتصر الاتجار بالأفارقة على البرتغاليين والإسبان، فخلال القرن السابع عشر شارك الهولنديون في استعبادهم والاتجار بهم. كما سيطر التجار الفرنسيون خلال القرن الثامن عشر على نحو نصف تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.
ومن الواضح أن المستعمرين الأوروبيين تعاملوا مع الأفارقة كأنهم سلع، لا يمتلكون حياة وعائلات وأحاسيس بشرية ومشاعر إنسانية، فقد استعبدوهم وتقاسموا الاتجار بهم واحتكروهم، إذ كانت تتم عملية الاتجار تلك بشكل مفتوح عبر تجار مستقلين، أو من خلال شركات تجارية خاصة؛ مثل شركة “رويال أفريكان” البريطانية، (1660- 1752)، وشركة “الهند الغربية” الهولندية، (1602- 1792)، أو عبر شركات احتكارية، كما حصل بموجب اتفاق وقعته إنجلترا مع إسبانيا عام 1713م، يقضي بحق إنجلترا في احتكار تجارة العبيد في المستعمرات الإسبانية.
أما عملية الأسر فكانت تتم من خلال أفارقة آخرين؛ كانوا يخطفون أبناء جلدتهم من مناطق داخل إفريقيا إلى السواحل، ومن هناك قام الأوروبيون بشرائهم، ووصلت عملية النقل تلك إلى مسافة تقدر بنحو 485 كم، كان يتم خلالها ربط كل اثنين من الأسرى معاً بالسلاسل من الكاحل، وربط اعناقهم بحبال، وكانت تلك الرحلة قاسية؛ لدرجة أنه قُتل خلالها على مدار قرون الاستعباد تلك، ما يُقدر بنحو 10%- 15% من الأسرى.
الرحلة عبر الأطلسي
وكانت تجارة الرق عبر المحيط الأطلسي أو ما كان يُعرف بالممر الأوسط، تتم ضمن “التجارة الثلاثية”، التي كانت تمر بثلاث مراحل؛ إذ يتم شحن الأسلحة والمنسوجات والنبيذ من أوروبا إلى إفريقيا، ومنها يتم شراء واستعباد أفارقة ينقلون إلى الأمريكتَين، ومن الأمريكتَين يتم جلب السكر والقهوة إلى أوروبا.
وعلى طول الرحلة التي كانت تستمر بضعة أسابيع أو أشهر، وتبلغ مسافتها 8000 كم، كان يتم حشر مئات المستعبدين في الطوابق السفلية ذات الأسقف المنخفضة في السفن؛ الأمر الذي منعهم من الحركة تقريباً، كما كانوا طوال الوقت مقيدين معاً بالسلاسل، ونتيجة لضيق المكان والاكتظاظ، كانت درجة الحرارة خانقة، ومستويات الأكسجين منخفضة؛ لدرجة أن الشموع لم تكن تشتعل.
ولم يقتصر الأمر على ظروف النقل الوحشية، إنما تعرَّض المستعبدون خلال تلك الرحلات إلى اعتداءات جنسية وانتهاكات، ومن ضمن الأحداث المخزية، أنه خلال إحدى الرحلات انتشر مرض على متن إحدى السفن عام 1781م، وللحد من انتشاره أمر القبطان "لوك كولينجوود"، بإلقاء أكثر من 130 إفريقياً في البحر وهم أحياء. كما أُصيب معظم المستعبدين أثناء نقلهم بسوء التغذية والجفاف، وبالعديد من الأمراض؛ ومنها الجدري، كل ذلك أدى إلى وفاة نحو 15%- 25% من الأفارقة المستعبدين على متن السفن، وفقاً لتقديرات مؤرخين.
وأثناء عملية النقل، وخوفاً من تمرُّد المستعبدين سُمح لهم بقضاء بعض الوقت على سطح السفينة، ومن ضمن تلك التمردات؛ قاد السيرليوني "جوزيف سينكي"، في عام 1839م، تمرداً ضم 53 مستعبداً على متن سفينة الرق الإسبانية “أميستاد”، مما أسفر عن مقتل القبطان واثنين من أفراد الطاقم، بينما أمرت المحكمة العليا الأمريكية في النهاية بإعادة الأفارقة إلى ديارهم، وقد تم في عام 1997م إنتاج فيلم سينمائي، يحكي قصة تمرد سينكي ورفاقه تحت عنوان "أميتساد".
وإلى جانب الخوف من التمرد، خفَّف خوف القباطنة من خسارة أرواح مستعبدين (دفعوا ثمنهم) من معاناة الأفارقة خلال الرحلات عبر المحيط الأطلسي، وليس كرم أخلاق من المستعمرين الأوروبيين.
وفي ما يتعلق بنهاية تجارة الرق عبر المحيط الأطلسي، فقد بدأ الحديث عن حظر استيراد المزيد منهم في الولايات الشمالية في الولايات المتحدة خلال الثورة الأمريكية (1775- 1783)، إلا أن قانون حظر استيراد العبيد سُنّ عام 1808م، وفُرض فعلياً بواسطة الحصار الشمالي للجنوب في عام 1861م أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، أما في بريطانيا العظمى فقد حظرت العبودية في جميع أنحائها عام 1833م.