يتفق مراقبون ومهتمون في شؤون المسجد الأقصى أن ظاهرة الاعتكاف، التي يمكن التوثيق لها منذ عام 1982، أخذت تتوسع وتكتسب أبعادا دينية ووطنية واجتماعية كل عام، بالمقارنة مع العام الذي سبقه، وهو ما جعل من ظاهرة الاعتكاف التي يعيشها الأقصى هذه الأيام أمرا يستحق البحث والدراسة وتحديدا في رمضان الحالي.
ويمكن لزائر المسجد الأقصى أن يرصد مئات الخيم الصغيرة الملونة التي تنتشر في مرافق المسجد الأقصى وساحاته، وهي مخصصة للمعتكفين الذين يأتون من مناطق مختلفة من الضفة الغربية وفلسطين 48.
وشهد مساء الأربعاء حضورا مكثفا للمعتكفين مع إحياء ليلة القدر في رحاب المسجد الأقصى في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.
وبرأي الباحث عمر عاصي فإنه يمكن توثيق تاريخ بدايات الاعتكاف بعام 1982، حيث يشهد الأقصى من عام الى عام تزايدا في حضور هذا الفعل الإيماني والنضالي، معتبرا أن ذلك الأمر يمكن أن يرصده ويلمسه أي متابع لأخبار المعتكفين.
وتعكس خيام الاعتكاف تعبيرات إيمانية، لكنها تتضمن فعلا مقاوما للاحتلال عبر تعزيز التواجد وتكريسه مع تزايد الهجمة على المسجد الأقصى من جماعات الهيكل الصهيونية المتطرفة منذ أيام الشهر الفضيل الأولى.
وغالبا ما تشهد لحظات قبل الغروب انتشاراً لمئات الخيام التي تحول ساحات المسجد الأقصى إلى ساحات تخييم ضخمة وبطريقة عفوية، وهو أمر من المتوقع أن يشهد مضاعفة في الأعداد مع ليلة السابع والعشرين من رمضان. ولا تقتصر مهمة الخيم على تناول وجبات الإفطار والسحور، بل تستجلب معها حلقات التسبيح والذكر وترديد الأناشيد والابتهالات الدينية والموشحات. وتستقطب هذه الخيم المئات من الشبان من القدس وسكان الأراضي المحتلة عام 1948 ومناطق الضفة الغربية، ويحرص كثير من المعتكفين على اصطحاب عائلتهم أو أصدقائهم.
وحسب المعلومات، التي جمعها الباحث عاصي، فإنه في عام احتلال المسجد الأقصى 1967 لم تكن مظاهر اعتكافية واضحة فيه. أما في عام 1982 فقد بدأ إحياء سنة الاعتكاف في المسجد وقد حضر حوالي 200 معتكف من كل أنحاء فلسطين، ويشمل ذلك غزة ويافا والجليل والضفة الغربية. وكان أكبر عدد للمعتكفين في ليلة القدر حيث كانت تقدر الأعداد بـ500 معتكف وكان معظمهم من الفئات العمرية بين الثلاثينيات والخمسينيات.
ويضيف عاصي: “في عام 1984 كان الاعتكاف يتركز في مسجد العين في رام الله، ولكن بدأ التفكير بتحويل الشباب الى المسجد الأقصى، حيث حدث تحول بين عامي 1986 – 1987 (قبل الانتفاضة) إذ عرفت فترتها باعتكاف النخبة، كونه كان يضم نخبة من الأساتذة وكانت الأعداد فيه كبيرة. ويؤكد عاصي أنه ليس هنا الكثير من المعلومات حول اعتكاف التسعينيات، ولكن كانت أعداد المعتكفين تزداد عاما عن عام إلا أن الأعداد تراجعت في بعض الاعوام مثل عام مجزرة الأقصى 1991.
وحسب عاصي فإن الاعتكاف المميز الذي يذكره الكثير من المصلين والمهتمين هو اعتكاف عام 2012، وذلك بعد ثورات الربيع العربي، حيث كانت أعداد المعتكفين كبيرة جدا، وكانت هناك الكثير من التظاهرات دعما للثورات في حينه. أما في عام 2015 فيذكر عاصي أن أعداد المعتكفين من خارج فلسطين كانت كبيرة جدا، وبالأخص مسلمي جنوب افريقيا، وهم حتى اليوم من أكبر مجموعات المعتكفين من خارج فلسطين.
ومنذ ما يقرب من 7 سنوات حتى اللحظة، حسب عاصي، بدأت تظهر خيام الشباب أكثر فأكثر في الاعتكاف، كجزء من تزايد الحضور الشبابي، وبالأخص لشباب الداخل في الاعتكاف، وتحديدا عام 2021 حيث الحضور الشبابي الأكبر لمدينة أم الفحم شمال الضفة الغربية، “لقد حضر الاعتكاف الكثير من طلبة المدارس الذين تم الاعتداء عليهم في العشر الأواخر بعد اشتعال الحرب مع غزة عام 2021”.
ويقول عاصي إن أكثر ما يميز العام الحالي هو أن المعتكفين قرروا بدء الاعتكاف في السادس من رمضان وهو سابقة، وقد زادت وتنوعت خيام المعتكفين الشباب بالتزامن مع الاقتحامات الصهيونية لساحات المسجد الاقصى في ظل التهديدات بتقديم قرابين الفصح داخل ساحات الأقصى، وقد بلغت أعداد المعتكفين 5000 معتكف في العشر الأواخر، أي 50 ضعفا، مما كان عليه الوضع عام 1982.
ويرى أن هذا الموضوع يستحق التأريخ له في ظل وجود من يعتقد بأن الاعتكاف “موضة” جديدة جهلا بتاريخ عريق من الاعتكاف.
وكانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية قد حذرت في بيان لها من الخطورة البالغة للإجراءات والتدابير التي تفرضها سلطات الاحتلال على الفلسطينيين الراغبين في التوجه إلى القدس المحتلة لأداء الصلاة في المسجد الأقصى المبارك وفي ليلة القدر بشكل خاص، والتي ظاهرها تسهيلات مزعومة وجوهرها فرض المزيد من التضييقات والتقييدات على حركة المواطنين.
وأكدت الوزارة أن هذه الإجراءات والتقييدات أصبحت تسيطر على مشهد حياة الفلسطيني في حلّه وترحاله وفي جميع مجالات حياته في أرض وطنه، لتذكيره بأن الاحتلال هو الذي يتحكم في مصيره وأرضه ومستقبله، وهو الذي يقرر أيضاً متى يسمح له بالصلاة في القدس ومتى لا يسمح له، في أبشع شكل من أشكال الاستعمار والتمييز والاضطهاد والعنصرية.
ورغم كم التقييدات، من المتوقع أن يحيي عشرات الآلاف فعاليات الاعتكاف في ليلة القدر.
وتشترط سلطات الاحتلال حصول الفلسطينيين على تصاريح للصلاة من أجل دخول مدينة القدس عبر الحواجز الرسمية المعتمدة، باستثناء النساء اللواتي ليس لديهن منع أمني، والأولاد دون العمر 12، كما تمارس قوات الاحتلال على الحواجز سياسات بهدف إعاقة مرور المصلين كما تمنع المئات ممن يمتلكون تصاريح رسمية من المرور بشكل يومي.
وكانت دائرة الأوقاف الإسلامية قد طالبت الفلسطينيين بشدّ الرحال للمسجد الأقصى، ووعدت بتوفير كل ما يلزم المصلين والمعتكفين من وجبات فطور وسحور وخدمات طبية أيضا.
وشدد وزير شؤون القدس فادي الهدمي على أن ما جرى ويجري في القدس هو انتهاك فظ وصريح للوضع التاريخي القائم في المسجد الأقصى، مستهجنا فرض شرطة الاحتلال القيود على وصول الفلسطينيين إلى الأقصى خلال رمضان، وتقييد وصولهم إلى كنيسة القيامة للمشاركة في احتفالات سبت النور والفصح المجيد. وأشار إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي تدعي توفير حرية العبادة، منعت أهلنا في قطاع غزة والغالبية العظمى من المواطنين في الضفة الغربية من الوصول الى المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.
وذكر أن التطورات الخطيرة في مدينة القدس، بدأت بعد إعلان جماعات متطرفة عزمها تقديم قرابين في المسجد الأقصى، مشددا على ضرورة إلزام إسرائيل بالقانون الدولي.