تغذية "الإسلاموفوبيا" بفن السينما
- القدس العربي السبت, 09 يوليو, 2022 - 05:27 مساءً
تغذية

«انجليك والسلطان» اسم الفيلم الذي شاهدته منذ أسابيع ولم أكن أتوقع مشاهدة فن رفيع سينمائي، لكنني لم أتوقع أيضاً مشاهدة فيلم يرسم للإسلام صورة مؤذية تغذيه (الإسلاموفوبيا) التي تزداد انتشاراً هذه الأيام. الفيلم من سلسلة «انجليك» الكونتيسة الجميلة التي كانت قروية وتزوج منها كونت بالغ الثراء وحين شاهدته نفرت منه، لكنه أحسن معاملتها حتى أحبته مع الزمن.

الجميلة انجليك تمثل دورها ميشيل ميرسيه، أما بالغ الثراء الكونت فيمثل دوره الوسيم روبير حسين، وربما لنجاح الفيلم تحول إلى سلسلة من الأفلام عن «انجليك» ومصيرها بعد إحراق زوجها الذي كان عالماً يستطيع تحويل المعادن إلى ذهب.. واتهموه بممارسة السحر وأحرقوه.

 

فيلم تحول إلى سلسلة مشوقة

 

بعد إحراق زوجها (لم يحرق بل نجح في أن يظل حياً ويتم إحراق جثة بدلاً منه) تتنقل الجميلة انجليك بين مختلف المغامرات بما في ذلك مع ملك فرنسا!

 

وحكاياتها ليست موضوعي، بل سأركز على حلقة سينمائية واحدة اسمها انجليك والسلطان، وترسم صورة بشعة للدين الإسلامي الحنيف.

 

حريم السلطان الإسلامي

 

حين (اشتراها) السلطان المسلم من سوق بيع الجواري لضمها إلى حريمه، نجد انجليك تتساءل: ألا يوجد مسيحيون ينقذونني من البيع كجارية؟

 

في الفيلم لدى السلطان عشرات النساء الجميلات نصف المحجبات لإبراز جمال عيونهن، وحين يضم انجليك إلى حريمه، تنقم عليها بقية نساء الحريم لأن لها مكانة خاصة عند السلطان الذي لم يحصل بعد على جسدها، ويقررن قتلها!

 

وفي أحد المشاهد يُحضرون شاباً مسيحياً يقرر السلطان قطع رأسه بنفسه، وفي اللحظة الحاسمة تصرخ انجليك: لا. وتنقذ حياته بذلك. لكن السلطان (المسلم!) يختار طريقة جديدة لقتله في الحلبة حين يجعله يواجه نمراً مفترساً. لكن النمر يقترب من المسيحي في الحلبة ولا يهاجمه، بل يلعق قدميه وساقيه وركبتيه كقط!

 

هذه صورة من صور المسيحي (الإيجابية) في الفيلم على النقيض من صورة المسلم، بما في ذلك النساء في «الحريم الإسلامي». انجليك تطلب من المسيحي الشجاع مساعدتها على الهرب. وهنا نسمع الأذان الإسلامي للصلاة. وبينما الناس في ركوع وسجود للخالق تعالى، تهرب مع المسيحي على حصانين، مع ثالث، وينجحون في الهرب من السلطان ريثما يلحق بهم جنوده، وهنا يغمى على انجليك، وحين تستيقظ تجد نفسها في حماية زوجها.. وتغمرها السعادة، لكن زوجها (يمثل دوره روبير حسين) يعاتبها لأنها كانت في إحدى الفترات عشيقة لملك فرنسا وتنكر ذلك دون أن تكذب.

 

الإسلاموفوبيا ـ تعبنا منها!

 

ليس في سلسلة أفلام انجليك ما هو مقنع، لكنها مسلية باستثناء (الحلقة السينمائية) عن «انجليك والسلطان».

فهي مؤذية لفكرة الغربي عن الدين الإسلامي إلى أبعد مدى، وترسم صورة خاطئة عن روح الدين الإسلامي الحنيف، وكنت قد شاهدت هذا الفيلم عن انجليك لأصاب بالنعاس وأنام، فاستيقظت!

 

لقائي مع الممثل روبير حسين

 

حين التقيت بروبير حسين، الممثل الشهير، لم أكن قد شاهدت بعد فيلم «انجليك والسلطان» وإلا لاستجوبته: لماذا رضي بالتمثيل في فيلم كهذا كله إساءات للدين الإسلامي؟ كنت أعرف أن روبير حسين من أصل إيراني، وأنه على الأرجح من رعايا الدين الإسلامي، كيف رضي بالتمثيل في سلسلة أفلام فيها حلقات تسبب الإساءة للدين الإسلامي وتغذي (الإسلاموفوبيا) التي تزداد انتشاراً في الغرب. وعلى أي حال، لم يكن مكان لقائنا صالحاً لحوار ديني، كما لم أكن قد شاهدت الفيلم/الحلقة: انجليك والسلطان، وإلا لعاتبت روبير حسين على تمثيله ولو في مشهد واحد في فيلم يسيء إلى الدين الإسلامي الذي هو دينه (؟) كل ما كنت أعرفه هو أن روبير حسين من أصل إيراني.

 

حدث ذلك في المستشفى الباريسي

 

التقيت بروبير حسين وأنا في انتظار أن ينادي طبيبي عليّ، فقد جاء دوري للقائه ولقراره بفك الجبس عن يدي اليمنى التي كانت مكسورة بسقوط المصعد بي حين شاهدت رجلاً يصل إلى المستشفى الشهير في ضاحية لويي الباريسية ترافقه سيدة لعلها زوجته وابنه أو حارسه الشخصي. وعرفته فوراً رغم تقدمه في السن عما كان عليه في أفلامه: إنه روبير حسين. كممثل، كان واسع الشهرة في فرنسا. كإنسان، هو غاية في التواضع. فأنا مثلاً لم أكن مسرورة بوصوله، إذ توقعت أن يستقبله الطبيب قبلي لشهرته ويطول انتظاري، ولم يحدث ذلك. وكنت أمضي الوقت في قراءة صحيفة عربية (وأظن أنها الحروف ذاتها التي تكتب بها اللغة الإيرانية) لكنه بادرني بالسلام وطرح السؤال: ماذا حدث ليدك. وقلت له (وكان حوارنا بالفرنسية): إنني كنت في زيارة وسقط المصعد وانكسرت يدي، أما الرجل الذي سقط تحتي فما زال في المستشفى لإصابات في رأسه وساقه. وتبادلنا الحوار وسرني أن الطبيب نادى عليّ في موعدي ولم يفضل عليّ الشهير روبير حسين. ولكننا تبادلنا الحوار ريثما حان دوري ووجدته «نجماً» متواضعاً أنيساً طيباً يحب اللبنانيين والسوريين. ولو كنت قد شاهدت قبلها فيلم (انجليك والسلطان) لعاتبته على السماح بذكر اسمه في الفيلم أياً كان دينه (وهو على الأرجح مسلم) لكنه بالتأكيد ممثل من الدرجة الأولى. وكان ذلك اللقاء الأول والأخير بيننا.

 

ونادى عليّ الطبيب قبله، وكدت أترك له دوري لدماثته وتهذيبه.

 

الإسلاموفوبيا والسينما العربية

 

السينما العربية قلما تقدم أفلاماً ضد الإسلاموفوبيا وترسم صورة إيجابية للدين الإسلامي الحنيف، مما يترك المجال واسعاً للأفلام التي تشوه صورة المسلم الحقيقي والمسلمة.. كما الأفلام العربية التي تصور محاولات إسرائيل سرقة جزء من المسجد الأقصى ليصير معبداً إسرائيلياً نادراً.. كسرقتها لفلسطين. وأظن أن علينا أن نخلص لقضايانا العربية في حقل السينما.


التعليقات