[ إيران تسعى لتطوير حقول الغاز ]
حملت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى سلطنة عمان الأخيرة، خلال الأسبوع الماضي، أهدافاً وعناوين عديدة ومتنوعة، تتناول العلاقات الإيرانية الخليجية، وفرت فرصة لبحث ملفات التعاون الاقتصادي وتفعيل بعض العقود التي تم الاتفاق على مضامينها سابقا بين الطرفين.
وجاء تصدير الغاز الإيراني إلى عُمان في مقدمة الملفات الاقتصادية التي أكد عليها الجانبان، إذ تم بحث اتفاق طويل المدى بين البلدين، ويأتي ذلك في إطار مساعٍ إيرانية للبحث عن موانئ تصديرية جديدة للغاز وسلع أخرى، حسب محللي اقتصاد لـ"العربي الجديد".
وفي هذا السياق، قال مراسل شؤون الاقتصاد والطاقة في وكالة الأنباء الإيرانية (فارس) محمد حسين سيف اللهي لـ"العربي الجديد" إن "المباحثات حول توريد الغاز الإيراني، ترتبط بذات الصفقة التي تعود لعام 2014، وتم الاتفاق عليها نظريا لتصدير 25 مليون متر مكعب يومياً من الغاز لسلطنة عمان، وهي الكمية الأولية التي من المفترض أن تزيد بمرور الوقت ونجاح تطبيق العقد".
وأضاف سيف اللهي أنه "كان من المفترض أن تبدأ إيران بمد أنابيبها لنقل هذا الغاز منذ العام الماضي، لكن أطرافا عدة عرقلت الموضوع ووقفت بوجهه، حيث إن الإمارات العربية المتحدة رفضت مرور الأنابيب عبر أراضيها، وهو ما عطل الأمر بالكامل"، حسب قوله.
واقترحت إحدى شركات المشاريع البحرية أن يتم مد أنابيب مرورا بمياه مضيق هرمز على عمق كبير، وهو ما رفع من تكلفة المشروع كثيرا وأخّره، بحسب سيف اللهي، الذي أضاف أيضا أن شركات دولية عديدة دخلت على الخط لتستفيد من المشروع الإيراني العماني.
وما زالت المباحثات جارية في الوقت الراهن حول آليات تدشين الأنابيب، كونها المرة الأولى التي تجرب فيها إيران نقل غازها بهذه الطريقة، وبحال نجاح المشروع فهذا سيفتح الباب أمام طهران لتصدر غازها بذات الطريقة لأطراف ثانية، كما ذكر.
وكان وزير النفط والغاز العماني محمد بن حمد الرمحي أكد عقب زيارة روحاني، أن بلاده تجري مع إيران مباحثات بشأن استيراد غازها، وهي المباحثات التي قال عنها الطرف الإيراني إنها بدأت منذ تولي الرئيس روحاني سدة الرئاسة قبل أقل من أربع سنوات.
وبعد وصول روحاني لكرسي الرئاسة، زار السلطان قابوس بن سعيد العاصمة طهران، وذهب روحاني بعد ذلك إلى مسقط، وقال آنذاك إن "الطرفين بحثا توقيع عقد طويل الأمد لتصدير 10 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز الإيراني للأراضي العمانية"، مشيرا إلى أن مدته قد تصل إلى خمسة وعشرين عاما، وتقدر قيمته بـ 60 مليار دولار، حسب قوله، لكن هذا العقد لم يطبق بعد.
من ناحيته اعتبر الخبير في شؤون الطاقة والمستشار الوزاري السابق حسين أنصاري فرد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن طهران معنية بتوسيع صادراتها من الغاز الطبيعي لدول إقليمية أولا، وهو ما طرحته على سلطنة عمان والكويت على حد سواء، معتبرا أن الصفقة مع مسقط ستعود على البلاد بالكثير بحال تجاوزت العراقيل الراهنة.
وعن موعد بدء الضخ لأراضي السلطنة، اعتبر أنصاري فرد أن هذا يعتمد على تنفيذ مشروع مد الأنابيب عمليا، لكن إيران ستطبق في البداية عقدا مماثلا وقعته مع العراق، ثم سترسل الغاز بعدها للأراضي العمانية، متوقعا أن يتم تطبيق ذلك في النصف الثاني من العام الميلادي الجاري.
ورأى أن علاقات طهران ومسقط هي الأقرب مقارنة بعلاقات بلاده مع غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، ولطالما لعبت عمان دور الوسيط في ملفات إيرانية مصيرية، منها ملف المفاوضات النووية، لذا تحرص إيران على تطوير علاقاتها مع هذا الطرف، وهو ما لن ترفضه السلطنة من ناحيتها، فتطوير العلاقات السياسية يعني بالضرورة انعكاسا إيجابيا على علاقات الاقتصاد، حسب أنصاري فرد.
وفي ذات السياق، رأى الخبير في الاقتصاد الإيراني علي إمامي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن كل بلد يبحث عن علاقات اقتصادية مع أكثر من طرف، وحين يتعلق الأمر بمصادر الطاقة، فيفضل الكثيرون أن يتم استيرادها من أكثر من جهة، وهذا هو سبب الاهتمام العماني بالغاز الإيراني على حد رأيه.
وحسب إمامي، اعتمدت دول الاتحاد الأوروبي على استيراد غازها من روسيا، وبمجرد وقوع أي مشكلة تصبح الصفقات برمتها مهددة، الأمر ذاته كان بالنسبة لإيران التي تستورد الغاز من تركمانستان، الذي تستخدمه في مناطقها الشمالية، البعيدة عن الحقول الجنوبية، وقد تم قطع تصدير الغاز من هناك عدة مرات، بسبب مستحقات مالية تراكمت على طهران.
وبالنسبة لإمامي فإن سلطنة عمان لا تراهن على هذه العلاقات مع إيران بما يفسد علاقاتها أو يؤدي لتشنج مع باقي الدول الخليجية ومنها قطر التي تمتلك كميات ضخمة من الغاز، إلا أن تطبيق صفقة الغاز الجديدة، كفيل بأن يساعد عمان لتتحول موانئها لمكان لتصدير الغاز الإيراني لأطراف ثالثة.
وأضاف إمامي أن "طهران تعمل جاهدة لتتحول لقطب إقليمي يمتلك مصادر الطاقة، وعمان قد تساعدها على تحقيق ذلك، كما تستطيع أن تفتح الموانئ لتصدير البضائع الإيرانية أو لاستيراد ما يحتاجه هذا البلد عبرها، وهو الدور الذي لطالما لعبه ميناء جبل علي في الإمارات، وتأثرت المبادلات عبره سلبا بمعادلات السياسة.
وكان مستشار وزير النفط الإيراني للشؤون الدولية علي ماجدي، أعرب في وقت سابق عن أن بلاده بدأت بإجراء محادثات مع أطراف إقليمية لتصدير الغاز الطبيعي إليها، ومنها الإمارات، وعلى ما يبدو فإن محددات الأمر ما زالت كثيرة.
كما تحاول طهران التوصل لاتفاقها النووي مع السداسية الدولية قبل أقل من عامين للاستفادة من إلغاء العقوبات الاقتصادية بموجبه، وهو ما قد يساعدها على توقيع المزيد من العقود لتصدير الغاز الطبيعي، فضلا عن منحها عقودا استثمارية لشركات أجنبية للعمل في حقل بارس الجنوبي الذي يمتلك 19 % من مخزون الغاز الطبيعي في العالم، وقد قامت بالفعل، بإجراء محادثات مع 170 شركة أجنبية، بحسب الشركة الوطنية للغاز.
وتصدر إيران الجزء الأكبر من غازها لتركيا، كما ترسل بعضه لأرمينيا وأذربيجان، وتسعى البلاد لتحقيق الاستفادة القصوى من حقل بارس الجنوبي بما يؤمن احتياجات الداخل أولا، وما سيرفع من الصادرات ثانيا، حيث تعمل طهران جاهدة لتصديره للجيران في الدول الخليجية، بسبب الموقع الجغرافي القريب.
وهو ما يعني أنها لن تكون مضطرة لمد شبكة أنابيب واسعة، إلا أنها تدرك أن تلك الدول تعتمد على صادرات الغاز القطري بالدرجة الأولى، كما تترقب إيران كذلك تطبيق عقودها مع العراق عمليا، وهي التي تأخرت بدورها بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة في ذاك البلد.
وبحسب خطط شركة الغاز الإيرانية، التي طرحتها في وقت سابق، فإن إيران ترغب في زيادة صادرات الغاز إلى سبعة أضعاف معدلاتها الحالية، أي إلى 200 مليون متر مكعب يومياً، كما ترغب كذلك في رفع إنتاج الغاز من 800 مليون متر حالياً إلى 1.2 مليار متر مكعب يومياً بحلول عام 2020، وأشارت الخطط إلى أن القطاع سيحتاج نحو 100 مليار دولار من أجل تطويره خلال الفترة المقبلة.