ينبغي على الحكومات أن تحدد إستراتيجية واضحة لاستعادة الثقة في الاقتصاد (غيتي)
ارتفعت معدلات الإصابة بفيروس كورونا مرة أخرى في عدد من الدول الغربية، وبالنسبة لبعض هذه الدول مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا، يبدو أن الموجة الثانية من الوباء بدأت بالفعل، ومن المحتمل أن نشهد طفرة أخرى في 2021.
في تقرير نشره موقع "ذا كونفرسيشن" (the conversation) الأسترالي، قال الكاتب أنطون موسكاتيلي إن إحدى المشاكل الرئيسية، التي تواجهها الحكومات خلال هذه الفترة تتمثل في مدى قدرتها المالية على حماية الوظائف والنشاط الاقتصادي، ففي المملكة المتحدة، كان من المتوقع أن تضيف التدابير، التي اتخذتها الحكومة في الربيع والصيف لحماية الأعمال والوظائف 192 مليار جنيه إسترليني (نحو 250 مليار دولار) إلى عجز الميزانية، مما سيزيد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 85.4% في 2019 إلى 106.4% بحلول مارس/آذار 2021.
وستؤدي الموجة الثانية من كوفيد-19 إلى تمديد الاستجابة المالية للجائحة بصفة أكبر، وهذا يعني أن خطة المستشار ريشي سوناك الرامية لدعم الوظائف، إضافة إلى التدابير الأخرى المتخذة لمساعدة الشركات، التي تعاني من القيود الأخيرة، ستكلف الدولة مليارات إضافية.
ولتوقع ما يمكن أن يحدث، صمم معهد الدراسات المالية في يونيو/حزيران نموذجا لسيناريو حدث فيه بالفعل موجة ثانية من كوفيد-19 في الربع الأخير من 2020، ووقع خلاله تطبيق عمليات إغلاق إقليمية في النصف الأول من 2021، ويتوقع المعهد أن ينتج عن ذلك عجز في الميزانية يزيد عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وأن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 120% بحلول 2024 و2025.
وإذا كانت العديد من البلدان تشهد مثل هذا الوضع بالفعل، فما هي الخيارات التي يمكن للحكومات اتباعها، وما هي المؤشرات الرئيسية التي ينبغي أن تركز عليها؟
ضمان النمو الاقتصادي أولا ثم السياسة المالية
يجب على الحكومات أن تعطي الأولوية لضمان النمو الاقتصادي اعتبارا من 2021 فصاعدا، ببساطة، سيتطلب ذلك البدء في رفع الضرائب أو خفض الإنفاق بسرعة لتحقيق الاستقرار في مستوى الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ويجب على الحكومات أن تركز على الاستثمارات العامة لا سيما تلك التي تهدف إلى زيادة الإنفاق على البحث والتطوير ونمو الإنتاجية.
تعزيز ثقة الشعب في قدرة الدولة على علاج الأزمة الاقتصادية
ينبغي على الحكومات أن تحدد إستراتيجية واضحة لاستعادة الثقة في الاقتصاد، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بثقة الشعب في كيفية إدارة هذه الحكومات للوباء وتداعياته الاقتصادية، حتى قبل أن تبدأ الموجة الثانية من كوفيد-19، كان من الواضح أن التعافي الاقتصادي سيتباطأ خلال الصيف في العديد من الاقتصادات المتقدمة.
ومن الواضح أن ثقة المستهلكين ورجال الأعمال في الاقتصاد لن تعود إلى سابق عهدها حتى تنتهي حالة عدم اليقين بشأن مدة الجائحة، لهذا السبب، حث عدد من خبراء الاقتصاد دولا مثل المملكة المتحدة، التي سجلت معطيات اقتصادية سيئة جدا، على التركيز على حماية الوظائف.
أهمية الفحص والتتبع
لن يستقر الاقتصاد دون الحفاظ على الصحة العامة، حيث إن البلدان، التي حافظت على معدلات إصابة منخفضة، أبلت بلاء حسنا في الحد من الركود الاقتصادي، وقد يكون نجاح بلدان مثل فنلندا وألمانيا في مكافحة العدوى مجرد حظ جيد، أو نتاج اتخاذ الإجراءات المبكرة في إغلاق الحدود مطلع 2020؛ لكنها امتلكت أيضا قدرة كبيرة على القيام بالاختبارات وتعقب الفيروس، وبالمثل، ما زالت المملكة المتحدة في حاجة إلى النظر في إمكانية تحسين عمليات الفحص والتتبع لديها بسرعة، وإن أبطأ ذلك من وتيرة الاستثمار.
المزيد من الدعم الموجه
مع بدء التعافي من الأزمة بحلول 2021، تتمثل المعضلة الأساسية لصناع السياسة في الاختيار ما بين إعطاء الأولوية لتحفيز الطلب الكلي في الاقتصاد، مثل استخدام التخفيضات الضريبية، أو لتدابير دعم أكثر استهدافا لقطاعات معينة أو مجموعات من القوى العاملة.
وبينما تزدهر قطاعات مثل التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا والبرمجيات، فإن قطاعات أخرى مثل التجارة التقليدية والسفر والفندقة ستستغرق وقتا طويلا لتعود لسابق عهدها.
وقد يحتاج دعم الأعمال التجارية إلى اتخاذ نهج أكثر تخصصا، على غرار خطة "تناول الطعام في الخارج للمساعدة"، والمنح الشهرية الصغيرة للشركات في قطاعات مثل الفندقة والترفيه في المملكة المتحدة.
وسيتعين على الحكومات تركيز دعمها على اليد العاملة، التي ستعاني من أكثر آثار البطالة خطورة، وستؤثر الأزمة بشكل خاص على فرص العمل بالنسبة للشباب، الذين تعثروا في انتقالهم من مرحلة التعليم إلى سوق العمل، وفي مرحلة التعافي، يجب الانتقال من الدعم نحو خلق فرص العمل، مثلا عن طريق خفض مساهمات التأمين الوطني لأصحاب الأعمال، الذين يوفرون وظائف جديدة.
وخلص الكاتب إلى أن العالم يدخل مرحلة حاسمة في معركته ضد كوفيد-19، ويجب على صناع السياسة استخدام ما تعلموه منذ مارس/آذار لصالحهم وصياغة استجابة اقتصادية شاملة وذكية.