ألغام في طريق الحل السلمي للأزمة اليمنية
- صنعاء - خاص الجمعة, 23 نوفمبر, 2018 - 05:26 مساءً
ألغام في طريق الحل السلمي للأزمة اليمنية

[ المبعوث الأممي مارتن جريفيث ]

هيمنت دعوات الحل السلمي للأزمة اليمنية على مجريات الأحداث في البلاد، منذ التوتر السياسي والعسكري قبل انقلاب تحالف الحوثيين وعلي صالح على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014 وحتى يومنا هذا، لدرجة أن دعوات الحل السلمي أصبحت أبرز معضلة موازية للحرب الأهلية ذاتها.
 
وبالرغم من التفاؤل الذي يبديه البعض إزاء مشاورات السويد المرتقبة قبل نهاية العام الجاري، كونها تأتي بعد ضغط عسكري غير مسبوق على جماعة الحوثيين في مدينة الحديدة، باعتبار أن ذلك سيجبر الجماعة على الموافقة الجدية على الانخراط في المفاوضات، لكن الواقع يؤكد بأن كل ذلك سيذهب أدراج الرياح، إلا في حال كانت جماعة الحوثيين قد ضعفت عسكريا بشكل كبير لا يتوقعه أعداؤها، وبالتالي ستوافق على الحل السلمي للحصول على بعض المكاسب أفضل من خسارة كل شيء دفعة واحدة.
 
وإذا افترضنا بأن جميع أطراف الأزمة اليمنية والفاعلين الأجانب فيها قد وصلوا إلى قناعة بأن الحل السياسي السلمي هو الحل الوحيد للأزمة، بعد تعذر الحسم العسكري لأي طرف منها، إلا أن هذا الحل يحتوي على مخاطر وألغام فرضتها طبيعة الأزمة، وسيكون الحل السلمي مجرد هدنة مؤقتة المستفيد الوحيد منها الحوثيون، قبل أن تشعل الحرب أوارها مرة أخرى وبشكل أعنف مما سبق.
 
وفي أحسن الأحوال، يمكن القول بأن الحل السلمي للأزمة، في حال تم ذلك، سيكون مجرد إنقاذ لجماعة الحوثيين من الهزيمة، خاصة أن الجماعة لديها حاضنة اجتماعية واسعة ومخزون كبير من السلاح الخفيف، وفي حال تم تحييد الدور الأجنبي في الأزمة اليمنية، فإن ذلك سيشكل عامل قوة للحوثيين سيمكنهم من إدخال البلاد مرة أخرى في أزمة معقدة، نظرا لاستنادهم على عامل قوة طائفية ومناطقية لا تنضب، وأخطاء متراكمة في غفلة من الجميع تراكمت خلال عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
 
في مقابل ذلك، تعمد التحالف السعودي الإماراتي إضعاف السلطة الشرعية من خلال عدة إجراءات، من أبرزها: عدم تسليح الجيش الوطني بأسلحة نوعية ترجح كفته بشكل كبير أمام الحوثيين، وعدم السماح للسلطة الشرعية بالعمل من داخل البلاد، وإنشاء ودعم كيانات عسكرية انفصالية ومناطقية موازية للجيش الوطني وجعل عقيدتها العسكرية موجهة بدرجة رئيسية ضد السلطة الشرعية، ومماطلة الحسم العسكري ضد المليشيات الانقلابية، مما أسهم في زيادة قوتها ومنحها الفرصة الزمنية الكافية لتعويض خسائرها البشرية من خلال الاستمرار في حشد المقاتلين وتدريبهم والدفع بهم إلى مختلف الجبهات.
 
وتسود المخاوف قطاعا واسعا من اليمنيين من أن يوافق الحوثيون على الحل السلمي للأزمة اليمنية في حال تأكد لهم بأن هزيمتهم حتمية، وذلك خشية من أن يكون ذلك الحل مجرد هدنة مؤقتة تمكن الحوثيين من إعادة ترتيب صفوفهم والاستعداد للانقلاب الثاني بشكل أعنف من الانقلاب الأول، خاصة أن السلطة الشرعية ستكون محاطة بالأعداء من كل جانب (المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات العسكرية الموالية له، والقوات العسكرية الموالية لطارق صالح وعائلة علي صالح بشكل عام، والحوثيون، وتنظيمي القاعدة و"داعش")، وستجد السلطة الشرعية نفسها غير قادرة على حماية البلاد وردع الجهات والكيانات غير الشرعية والخارجة عن القانون.
 
ولتجنب الألغام والمخاطر التي سيشكلها الحل السياسي للأزمة اليمنية بطبيعتها الحالية، فإنه يجب أولا دعم السلطة الشرعية والجيش الوطني بقوة، وتفكيك مختلف التشكيلات والوحدات العسكرية المناهضة للسلطة الشرعية وإدماجها في الجيش الوطني، ومن ثم المشاركة في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، بعد أن يكون قد تم تجهيز وتقوية الجيش الوطني، ليتمكن من الحفاظ على المكاسب التي حققها خلال الحرب، والحفاظ على ما سيتم تحقيقه خلال مفاوضات السلام، والأهم من ذلك، الاستعداد التام لإحباط أي محاولة انقلابية سواء من قبل مليشيات الحوثيين أو غيرها.
 
وما عدا ذلك، فإن أي حل سلمي للأزمة اليمنية في الوقت الحالي، فمعناه شرعنة الانقلاب، وإدخال البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى والأزمات السياسية والحروب الأهلية، بسبب توقف الحرب ضد الانقلاب في المنتصف، مع العلم بأن الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد سببها توقف ثورة 11فبراير 2011 في المنتصف.
 
كما أن الحل السلمي في حال تم في الوقت الحالي، فإن نتائجه ستكون كارثية أكثر من النتائج الكارثية للمصالحة الوطنية التي رعتها السعودية بين الجمهوريين والملكيين عام 1970، بعد حرب أهلية استمرت سبع سنوات، على خلفية ثورة 26 سبتمبر 1962.
 


التعليقات