الحرب في اليمن وموضوعية دعوات السلام ووقف الحرب
- فائق الضراب الجمعة, 30 نوفمبر, 2018 - 07:59 مساءً
الحرب في اليمن وموضوعية دعوات السلام ووقف الحرب

[ المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث ]

الجميع يدرك أن الحرب لابد لها تنتهي، وأن الخيار المنطقي والوحيد للدفع حل الأزمة اليمنية هو المطالبة والدعوة إلى إيقاف الحرب بشكل نهائي واحلال السلام.
 
يدرك الجميع أن الظروف الموضوعية لإيقاف الحرب التي تشنها الميليشيات الانقلابية على اليمنيين وكل تبعاتها المدمرة، لا تدفع العالم إلى مجرد المطالبة والدعوة إلى ايقاف الحرب والبدء بمشاورات سلام فحسب، بل إلى إعادة النظر في الأزمة اليمنية من منظور أخلاقي، والتدخل لإيقاف المسار العبثي للحرب التي تحصد أرواح اليمنيين منذ بداية الانقلاب، وان تطلب الأمر تشكيل تحالف عسكري دولي لإنقاذ اليمنيين من بطش جماعة الحوثي الإرهابية.
 
الجميع يرى أن الجماعة الحوثية في حالة سقوط مدوي على كافة الأصعدة عسكرياً سياسياً واجتماعياً واخلاقياً، وأن من المستحيل عودتهم الى اي نقطة سقطوا منها، كل ما تمتلكه الجماعة من أدوات وخيارات وعوامل للصمود لن ينجيها من السقوط، وأن الجماعة وعلى وقع الهزائم العسكرية المستمرة التي تتعرض لها في كل مواجهاتها مع الجيش الوطني بمختلف الجبهات، لم تعد تملك من خيارات سوى خيار واحد، هو اختيار مكان السقوط، برغم المحاولات الاقليمية والدولية الحثيثة والجهود المتواصلة لمنع ذلك.
 
إن أهم أسباب ذلك السقوط المستمر والسريع، هي العقلية الحوثية الرجعية والفوضوية، وانفصالها عن الوعي الوطني والإنساني لليمنيين، والشواهد كثيرة على ذلك، فمن مزاعم وخرافة الحق الإلهي في الحكم، إلى عدائها لكل مكونات المجتمع اليمني وما نشب عن ذلك من سلوكيات متعالية وعنصرية، وممارسات مليشاوية قمعية مستبدة ارهقت اليمنيين، وكادت أن تجهز على آمالهم في أن يكون لهم عقد اجتماعي جديد بموجبه يصبح لديهم دولة مدنية تقوم على قيم إنسانية مجتمعية حداثية مشتركة، حرية وديمقراطية ومواطنة متساوية، الى المحاولة اليائسة والمثيرة للسخرية بادعاءات الدفاع عن فلسطين، والوطن والسيادة، وحتى الكذبة الكبرى، ادعاء الدفاع عن الجمهورية وقيمها ومبادئها، وغايتها النبيلة، التي تتعارض جملة وتفصيلا في مضامينها، وجوهرها مع فكر ورؤية الجماعة المتطرفة للحياة والوطن.
 
إصرار الحوثيين على سلوك طريق الحرب لبناء ديكتاتورية -ثيوقراطية- وفي القرن الواحد والعشرين، ادخلهم في مواجهة مع العقل والمنطق، قبل أن يدخلهم في صراع ومواجهة مع اليمنيين الذين يتوقون الى الحرية والديمقراطية ويتطلعون إلى المستقبل، والذين يقفون اليوم مدافعين عن جمهوريتهم المغدورة التي تعرضت من قبل للسرقة، وتتعرض منذ بداية الانقلاب للتجريف في محاولة طمسها قيمها ومبادئها الى الأبد، والمؤكد أن الجماعة المتطرفة ستهزم في نهاية مغامرتها الغبية التي أوشكت على الانتهاء.
 
مؤخراً أتابع المسار السياسي للأزمة اليمنية والحرك الدولي الساعي لإيقاف الحرب في اليمن، بالدعوة لاستئناف المشاورات بين الحكومة والمتمردين الحوثيين في السويد برعاية أممية يشرف عليها مارتن جريفيت، على أمل أن تتم التوصل إلى تسوية سياسية ما!
 
البعض يرى أن أمريكا وبريطانيا اتخذتا القرار لإيقاف الحرب في اليمن، وان الدولتان تدفعان باتجاه تحقيق تسوية سياسية ما، والمتابع للتصريحات الأمريكية والبريطانية المتعلقة بشأن اليمن يلمس ذلك من تصريحات الخارجية الأمريكية الاخيرة التي سبقها تصريحات وزير الدفاع الأمريكي ماتيس من البحرين مطلع الشهر الحالي، التي دعاء فيها لوقف الحرب خلال ثلاثين يوماً، واستئناف مشاورات السلام، إضافة إلى مسودة القرار البريطاني بمجلس الأمن الدولي الداعي إلى وقف فوري للعمليات العسكرية في الحديدة.
 
تصارع القوى

يوم الخميس الماضي قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نوريت: لقد حان الوقت لإنهاء هذا الصراع، واستبداله بالتراضي، والسماح للشعب اليمني بالتعافي من خلال السلام وإعادة الإعمار.
 
قد يدفعنا اليأس والإحباط والتعب الذي يعيشه اليمنيين إلى القبول بأي تسوية سياسية شرط أن تتوقف الحرب، ولكن هناك سؤال مهم جداً متعلق بمستقبل القضية الوطنية يطرح نفسه بقوة في هذا التوقيت الحساس في خضم كل التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة، وهو هل السلام القائم على تسوية سياسية هشة وغير أخلاقية، على سياسية الإفلات من العقاب، وإبقاء الانقلابيين كقوة، ومكافأة المجرمين، وتبيض شركاء الحوثيين السابقين في الانقلاب، وتقاسم السلطة بين أطراف الصراع التي فقدت مصداقيتها وفقد اليمنيين الثقة فيها، وتسببت بكل هذه المعاناة والفوضى التي تقتلهم، هل هو حقاً السلام الذي يرغب فيه ويطمح إليه اليمنيين، وهم يقفون على مشارف السنة الخامسة من الحرب التي جعلتهم يعيشون أسوأ أزمة إنسانية في العالم؟
 
إن الإجابة المنطقية الوحيدة لذلك السؤال الجوهري دون أدنى شك هي: لا، سلام بذلك الشكل، لا يعدو أن يكون سوى مكافأة للمجرمين على كل أفعالهم الشنيعة بحق اليمن واليمنيين، وأكثر ما يقلقنا ويخيفنا هو أن يفرض ذلك السلام في اليمن بطريقة ما!
 
بناء السلام لا يعني أن تتوقف الحرب لفترة زمنية تستعيد فيها الأطراف الصراع أنفاسها، ثم تعود من جديد مواصلة خنق أنفاس اليمنيين، بل أن تتوقف الحرب بشكل نهائي، عبر معالجة جذرية لكل الأسباب التي أدت إلى اندلاعها، ولتحقيق كان ذلك يجب أن ترافق الأصوات المنادية إلى وقف المعارك، وإلى جانب الإرادة السياسية الحقيقة لأطراف الصراع، إجراءات وجهود حقيقية ومكثفة للمجتمع الدولي ببعد أخلاقي محض، تضع جانباً مصالح الأطراف الإقليمية والدولية، ولو لمرة واحدة، لأجل بناء السلام الذي يطمح إليه اليمنيين الذين تطحنهم الحرب.
 
وسط دعوات المجتمع الدولي إلى وقف الحرب، وبين التصورات المتباينة للمجتمع الدولي والأطراف اليمنية للحل السياسي للأزمة في اليمن ولشكل السلام فيها، والذي قد يخرج إلى الضوء حال حدثت معجزة ما في ستوكهولم، ونجحت محادثات السلام المزمع إقامتها مطلع ديسمبر المقبل.
 
بين ذلك كله، نتساءل: ما هو شكل السلام الذي يريده اليمنيين اليوم؟!
 
ببساطة.. السلام الذي يمنع تكرار هذه الحرب وتبعاتها المميتة التي يعيشها الشعب اليمني اليوم.
 
يدرك الجميع ان الصراع الطويل وحالة عدم الاستقرار من بعد أحداث ثورة فبراير 2011 وحتى الأن، أفقر اليمن وخلف وراءه الفوضى والدمار، ووضع اليمن بمنعطف تاريخي غاية في الخطورة، ومستقبل اليمن كدولة، والسلام كغاية ينشدها جميع اليمنيين، يعتمد على قدرة اليمنيين على تجاوز ذلك المنعطف وبيدهم رؤية واضحة للسلام وللمستقبل ما بعد انتهاء الحرب، منعطف تاريخي حاد، قد يقودنا إلى الاستقرار والتنمية والسلام في المستقبل، أو يهوي بنا إلى القاع لسنوات وربما لعقد آخر من الحروب والنزاعات.
 
امام ذلك التحدي الصعب، ما الذي يريده اليمنيين اليوم؟ وما هي ضمانات السلام التي يطلبونها؟
 
العدالة الانتقالية، وسلام دائم وشامل قائم على قواعد وأسس وخطوات وضمانات قانونية والتزامات أخلاقية وإنسانية تنهي الأزمة وتوقف الحرب بشكل نهائي، وتضمن ديمومة السلام في اليمن، هذا ما يريده اليمنيين، وهذا ما يناضلون من أجله.
 
ولضمان تحقيق العدالة الانتقالية، فإن حل اي مشكلة أو حالة مرضية يبدأ من التشخيص الدقيق لها، لمعرفة الاعراض والأسباب، والإحاطة بكل التبعات والنتائج، ليسهل إيجاد العلاج والحلول المناسبة، وفي الحالة اليمنية كل شيء واضح. وسنختصر ذلك بعبارة بسيطة وواضحة، الجميع متورط في الأزمة، نعم، وجميع الأطراف سيئين بدرجات متباينة، ولكن يبقى إنقلاب الحوثيين على الإجماع الوطني، وإسقاط الدولة وتدمير وملشنة مؤسساتها، فضلاً عن مصفوفة ضخمة من الانتهاكات الحقوقية والإنسانية، أسوأ أطراف الأزمة اليمنية وأشدها قسوة وإيلاما باليمنيين.!

كل من كان له يد، ودور في وصول اليمن إلى هذا الحال التعيس والمؤلم، عليهم أن يتحملوا كامل المسؤولية امام اليمنيين وأمام الأجيال القادمة والعالم، وان يقدموا للمحاكم الدولية والمحلية لينالوا العقاب القاسي كمجرمي حرب جزاء افعالهم الشنيعة بحق اليمنيين، علينا ان نضمن ألا تتكرر الحرب وكل أزماتها في المستقبل!
 
نعتقد أن تحقيق العدالة الانتقالية مسؤولية أخلاقية كبيرة ملقاة على عاتق كل الساعين بجدية وبصدق نوايا إلى بناء يمن أمن ومستقر، باعتبار ذلك قضية أخلاقية وإنسانية لا تهم الشعب اليمني وحده فقط، بل وكل شعوب العالم الحرة التي تجرعت ويلات الحروب والصراعات المسلحة، وفي هذا الجانب المهم من مسار إنهاء الأزمة اليمنية، لابد من حشد كل الجهود والضغط باتجاه أن يتم ادراج مساءلة تحقيق العدالة الانتقالية، كإحدى المحاور الرئيسية لاي محادثات سلام قادمة، باعتبار العدالة الانتقالية، إحدى أهم الوسائل والتجارب والإجراءات الموضوعية والأخلاقية اللازمة لبناء السلام المستدام في الدول التي شهدت أزمات سياسية وحروب أهلية وصراعات مسلحة، والتي يجب أن يستفاد منها لبناء السلام في اليمن.
 
لا يوجد عاقل لا يرغب اليوم أن تنتهي الحرب، العالم يدرك أنه حان الوقت لإنهاء الصراع، ولكن ذلك لا يعني مطلقاً أن نتجاوز -بالتراضي وقبلة على راسي ومثلها على راسك- أتباع مسار قانوني ومنطقي وأخلاقي لمعالجة أسباب الصراع، وان نتغافل عن الملف الإنساني والحقوقي المثقل بجرائم وانتهاكات أطراف الصراع، وقضايا آلاف الأبرياء من اليمنيين الذين قتلوا نتيجة الصراع، ولا نطالب بالعدالة لقضاياهم العادلة!
 
مخطئ اليوم من يظن أن بالإمكان حل الأزمة اليمنية عن طريق تمرير سلام ناقص وغير عادل، بذريعة إيقاف تردي الحالة الإنسانية الصعبة والحرجة التي يعيشها اغلب اليمنيين دون معالجة اسبابها، ذلك أن حدث لن يكون سوى وضع ألغام بطريق مستقبل استقرار اليمن، وتأجيل للحرب لا أكثر، قبل أن تعود من جديد في المستقبل القريب بصورة أشد مما هي عليه اليوم، وذلك لا يعني سوى شيء واحد، استمرار بقاء اليمن كإحدى الدول الفاشلة.
 
نعتقد أن قبل الدعوة والمطالبة لإيقاف الحرب واحلال السلام، يجب علينا أولا تقرير موقفنا الأخلاقي ورؤيتنا الموضوعية لذلك السلام، بوصف السلام موضوعاً إنسانياً محض، لا وسيلة للابتزاز وتحقيق مصالح معينه لأطراف داخلية تسببت بالحرب، أو لمصالح اقليمية أو دولية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالحرب والازمة، ولا علاقة لها بالأزمة الإنسانية، وبحقيقة ما يريده اليمنيين، وبمصالح والمستقبل اليمن العليا كدولة مستقلة ذات سيادة.
 
يرى كثير من المراقبين أن طريق التوصل إلى حل سياسي للأزمة يبدأ من تجريد الحوثيين لكل نقاط ومصادر القوة التي يمتلكونها، وان استكمال الشرعية تحرير كامل مدينة الحديدة ومينائها وكامل الساحل الغربي لليمن، قبل الذهاب الى السويد، يجفف أهم منابع الأموال والأسلحة التي تمول الميليشيا للحرب على اليمنيين، ويدفع بها للبحث عن السلام وفقا المرجعيات الثلاث، وهذا ما يجب أن يحدث.
 
الأزمة الإنسانية
 
باعتقادنا، أن أكبر مساعدة لإنهاء الأزمة الإنسانية يمكن أن يقدمها المجتمع الدولي لليمنيين هي مساعدتهم على إنهاء الإنقلاب، ومن ثم مساعدة الحكومة الشرعية الحالية على إدارة البلاد خلال مرحلة انتقالية مزمنة تستكمل فيها باقي الاستحقاقات الوطنية، كالاستفتاء على الدستور، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، واستئناف مسار بناء الدولة بعد توقفه عقب إنقلاب الحوثيين.
 
المجتمع الدولي يعلم ويدرك جيداً، واليمنيين يعرفون ويدركون أن حل الأزمة الإنسانية نهائياً وكل الأزمات الأخرى لن يكون ممكنا إلا بعودة الدولة ومؤسساتها، وذلك لن يكون إلا بثلاث اتجاهات.
 
الأول: إنهاء الإنقلاب الذي تسبب بكل هذه الفوضى التي تقتل اليمن، عبر احترام الجميع قرار مجلس الأمن الدولي 2216 بشأن الأزمة اليمنية والدفع باتجاه تنفيذها كامل بنود القرار.
 
الثاني: تشكيل حكومة كفاءات وطنية لإعادة هيكلة وتنظيم وتحديث مؤسسات وقطاعات الدولة وأنظمتها لتطوير أدائها، للقيام بمهامها ومسؤوليتها في توفير الاحتياجات الأساسية لليمنيين خلال الفترة الانتقالية بعد إنهاء الإنقلاب. وتفعيل وتطوير جهاز الرقابة والمحاسبة، والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، لمكافحة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة.
 
الثالت: تحقيق العدالة الانتقالية لبناء سلام عادل ومستدام، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
 
موقف المجتمع الدولي
 
يمكننا تلخيص الموقف الدولي في اليمن، من سلوك وتعاطي بعض الدول الغربية معها، وكما هو واضح للجميع، المصالح اولا ثم يأتي اليمنيين!
 
وقف المجتمع الدولي منذ بداية الإنقلاب أمام محك أخلاقي كبير وضعه في مواجهة مع مبادئ وقوانين وتشريعات الأمم المتحدة، الداعية إلى نبذ الأفكار غير السوية وتأييد المفاهيم الداعية إلى العدال والمساواة ومنح الإنسان كامل حقوقه، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة. ويمكننا القول إن المجتمع الدولي فشل بذلك الاختبار، وموقفه من الإنقلاب وجرائمه الى الآن مخجل.
 
يشعر اليمنيين بخيبة أمل كبيرة من المجتمع الدولي، بسبب وقوف الأمم المتحدة وبعد قرابة أربعة أعوام من الإنقلاب عاجزة عن إلزام الحوثيين على تطبيق اي من بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2216، الذي يدعو الحوثيين بوضوح لإنهاء الانقلاب بسحب قواتهم من المؤسسات الحكومية، بما في ذلك المؤسسات الموجودة في العاصمة صنعاء، وتطبيع الحالة الأمنية في العاصمة والمحافظات الأخرى، والتخلي عن المؤسسات الحكومية والأمنية، والإفراج بأمان عن جميع الأشخاص الموضوعين رهن الإقامة الجبرية أو المحتجزين تعسفيا.
 
المفارقة أن دعوات بريطانيا وامريكا، إلى إيقاف تردي الأوضاع الإنسانية في اليمن بالتركيز فقط على دعوة العالم إلى تقديم مزيداً من المساعدة الإنسانية للمتضررين من الصراع، تأتي فيما تستمر الدولتان في تصدير الأسلحة إلى بعض دول المنطقة بصفقات اقتصادية ضخمة، وتتجاهل بقصد الحديث عن مرجعيات حل الأزمة، في ما يبدو وكأننا أمام منهجية غربية لا تهدف إلى إيقاف الحرب بشكل نهائي، بقدر ما تهدف إلى إطالتها، يتجلى ذلك بوضوح من التصريحات الأمريكية والبريطانية الأخيرة التي تتناقض مع المرجعيات الثلاث لحل الأزمة، القرار 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني التي تشكل أساس وقاعدة لحل الأزمة اليمنية.
 
في ذات السياق، مؤخراً، وعلى وقع تحركات الشرعية العسكرية الرامية لاستعادة محافظة الحديدة من قبضة المليشيا الحوثية، تعالت أصوات المنظمات الأممية والدولية وبعض الدول الغربية، لإيقاف العمليات العسكرية، كاشفة عن جانب آخر مظلم لتلك المنظمات وبعض الدول الغربية كان يدور حولها الشبهات، وهو حقيقية موقف المجتمع الدولي من الأزمة اليمنية، وحقيقة وموضوعية دعوات السلام تلك، والاجندة السياسية لبعض منظمات الأمم المتحدة المتخفية تحت غطاء الإنسانية.
 
لنقي معا نظرة على أبرز تلك التحركات:
 
13-11-2018 ليز غراندي منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة على رأس فريق أممي رفيع المستوى ضم ديفيد بيزلي- المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ومهند هادي- المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمية، وستيفن اندرسن- المدير الُقطري للبرنامج باليمن، يقوم يزور الحديدة مع احتدام المعارك بين الحوثيين وقوات الشرعية.
 
19-11-2018 بريطانيا تتقدم بمسودة قرار لأعضاء مجلس الأمن، يدعو إلى هدنة فورية للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى عموم اليمن.
 
22-11-2018 الولايات المتحدة الأمريكية تدعو إلى وقف إطلاق النار وتسليم الميناء الحديدة الى طرف ثالث محايد.
 
23-11-2018 مارتن جريفيت مبعوث الأمم المتحدة الى اليمن يزور محافظة الحديدة، ويدعو إلى الحفاظ على السلام في المدينة.
 
قرأت مقابلة سفير بريطانيا لدى اليمن مايكل آرون، مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية، وضح فيها موقف بلاده من القرار الأممي 2216 واعتبر أن مسودة مشروع القرار الجديد الذي تنوي بلاده طرحه على مجلس الأمن هو استجابة لبيان مارك لوكوك، منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ، الذي وضع خمسة مطالب للتعامل مع الكارثة الإنسانية، وفكرة المسودة هي تنفيذ هذه المطالب، وهو قرار إنساني وليس سياسياً، ولا نية لتبديل قرار 2216 الذي يعد أساساً لحل المشكلة في اليمن وأساس للمفاوضات، وهذا واضح في المسودة، بحسب الصحيفة.
 
ولكن هناك من يتساءل اليوم، ما الذي يدفع بالمبعوث الأممي إلى اليمن ومن قبله أكبر مسؤولة أممية في اليمن ومعها فريق أممي رفيع المستوى، من القيام بمهمة انتحارية والدخول إلى مدينة تشهد أشد وأكبر المعارك بين المتمردين الحوثيين والقوات المشتركة، فيما تمنعت الأمم المتحدة عن زيارة محافظات يمنية أخرى عاشت نفس الظروف الإنسانية كمحافظة تعز المحاصرة إلى اليوم، أو محافظة عدن عندما حاصرها الانقلابيين مع بداية انقلابهم بـ 2015 لأربعة أشهر، أن لم يكن الغرض والدافع الحقيقي لتلك المغامرة الخطيرة هو إنقاذ الحوثيين؟!
 
يأتي دائماً التبرير، أن هدف الزيارات تلك، هو الاطلاع عن كثب على الأوضاع الإنسانية في الحديدة، إضافة إلى العذر الذي تهرأ من كثرة الاستخدام، حماية مدينة الحديدة التي تحتضن المنفذ البحري الوحيد الذي تصل إليه 80٪ من إمدادات الغذاء والدواء والوقود والمساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين.
 
ولكنها ليست الحقيقة، والتحجج بحماية ميناء الحديدة من الدمار الذي قد تخلفه المعارك، تبرير مستهلك لم يعد بمقدوره اخفاء الحقيقة من أن الهدف لتلك الزيارة، وما تلاها من حراك دولي لإيقاف المعارك هو لتخفيف الضغط العسكري للقوات المشتركة على المتمردين الحوثيين وإبقاء الحديدة ومينائها تحت سيطرتهم.
 
عبدالرقيب سيف وزير الإدارة المحلية رئيس اللجنة العليا للإغاثة في حكومة الشرعية أوضح بتغريدة بحسابة على تويتر أوضح أن هناك 22 منفذ يمكن للمنظمات الأممية استخدامها لإيصال المساعدات الاغاثية الى جميع المحافظات اليمنية، 9 مطارات - 10 موانئ - 3 منافذ برية -بالإضافة إلى اعلان ميناء جازان في المملكة العربية السعودية كميناء اغاثي، ولكن المنظمات تصر فقط على الاستخدام المكثف لميناء الحديدة ومطار صنعاء!؟
 
إضافة إلى ذلك فإن الأزمة الإنسانية في الحديدة لم تكن وليدة لحظة انطلاق العمليات العسكرية الأخيرة لتحرير المدينة، بل كانت موجودة من قبل، وعلى مدى انقلاب الحوثيين، الذي تسبب فيها، وزاد من حدتها بسرقة وبيع المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء ومشتقات نفطية، في حين كان يموت الكثير من اليمنيين بسبب الجوع والمرض، فضلا عن استثمرها سياسيا واعلاميا بوقاحة وبطريقة بشعة. ويبقى السؤال المحوري هنا، لما لم تأتي تلك الدعوات وذلك الحراك الدولي إلى إنهاء الأزمة الإنسانية وإنقاذ المدنيين في الحديدة بهذا الزخم من قبل بدء العمليات العسكرية لتحريرها من الانقلابيين !؟
 
مصالح الأطراف

بناء على ما سبق، أصبح من الواضح أن الحراك الدولي الأخير المطالب بإيقاف كافة العمليات العسكرية في اليمن، ليس أكثر من مزيج من الحقيقة والخيال هدفها المغالطة والتضليل وارباك المتابعين، ولا علاقة له بالحالة الإنسانية لليمنيين، بل ضغوط سياسية جميعها تصب في إبقاء ميناء الحديدة بقبضة المتمردين الحوثيين، وبالتالي بقاء إحدى أهم نقاط القوة التي تمدهم بالمال والسلاح والوقود الذي يمكنهم من إطالة أمد انقلابهم، واطالة أمد الأزمة اليمنية والحرب، وذلك لا يعني بحسابات بعض الدول الغربية سوى استمرار تحقيق مكاسب اقتصادية من عائدات مبيعات الأسلحة لدول التحالف العربي، واستمرار تدفق الأموال اللازمة لتشغيل برامج بعض المنظمات الأممية.
 
المراقب لتطورات للأزمة اليمنية ولتحركات بعض دول المجتمع الدولي وبعض منظمات الأمم المتحدة يدرك جيداً ومنذ فترة طويلة أننا أمام لعبة أممية قذرة يقوم بها لوبي فساد أممي دولي منظم، يسعى إلى إطالة أمد الحرب طمعاً في تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاقتصادية لبعض الجهات الدولية.
 
أضافة إلى ذلك، أن سوء إدارة التحالف العربي للأزمات التي رافقت انطلاق عملياته العسكرية المساندة للشرعية، وتضارب أجندة الدول الأعضاء فيه، كلها شكلت عوامل ساعدت في إطالة عمر الانقلاب وصمود الحوثيين وتأخر الحسم، يظهر ذلك من عدم التحرك بجدية بعد صدور القرار 2016 لإنهاء الإنقلاب، ومن نظرة المجتمع الدولي الازدواجية للأزمة وللملف الإنساني، بالتركز على انتهاكات التحالف والشرعية، وبشكل أقل عن انتهاكات الحوثيين على كثرتها وخطورتها، ضاربين بأخلاقيات العمل السياسي والإنساني وبمعاناة اليمنيين عرض حائط المصالح.
 
في الواقع، نحن أمام حقيقة يعرفها الجميع، وهي حقيقة موقف القوى العظمى من الأزمة اليمنية، ومن جميع الأزمات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقدين الأخيرين من الألفية الجديدة، وهو النظر الى تلك الأزمات كسوق تجارة سوداء مربحة لا أكثر، ذلك الموقف ما هو إلا تجسيد لشعار البراغماتية القذرة التي تحكم العالم اليوم، الاقتصاد يأتي أولا ثم الأخلاق!
 
بناء على ذلك كله، يمكننا القول إن اليمنيين وصلوا إلى قناعة أن الموقف الدولي لا يعول عليه، وان لا دور له سوى وضع العراقيل أمام نضالهم لاستعادة جمهوريتهم، وان مسؤولية إنهاء الإنقلاب واحلال السلام العادل وضمان استدامته هي مسؤولية اليمنيين وحدهم.
 
نهاية، لا نستطيع انهاء هذا النص دون الإشارة إلى القلق الذي سيطر علينا من متابعتنا للتطورات الأخيرة للأزمة في اليمن، قلقنا من الموقف الضعيف لقوى المجتمع المدني اليمنية تجاه قضية مهمة كالعدالة الانتقالية، ومن عدم التركيز عليها بكثافة في وسائل الإعلام اليمنية الحكومية، والمستقلة على منها على وجه التحديد؟!
 
نذكر بما قاله السيد المنصف المرزوقي في بداية مؤتمر السلام يجب أن نجند أنفسنا لمواجهة كل أعمال التوحش الحاصلة في اليمن.
 
ونعتقد أن ذلك هو الواجب على قوى المجتمع المدني حقوقيين وأعلام القيام به اليوم، وأن تتمسك بمطلب تحقيق كامل للعدالة الانتقالية في اليمن، خصوصاً في هذا التوقيت المهم من عمر الأزمة وأن تناضل بقوة من أجل تطبيقها في المستقبل.
 
اليمنيين دفعوا ثمنا باهضا دم وعرق وتضحيات كبيرة لا تحصى في نضالهم لإنهاء الإنقلاب، وعلينا احترام ذلك بعدم منح المجرمين، كل المجرمين من أي طرف كانوا، فرصة للنجاة من العقاب.
 
خائفون متعبون وحائرون، وفي أعماق النفس صراع مرير بين المنطق والعقل والمشاعر الإنسانية التي تولدها معاناة اليمنيين، بين منطق العقل الذي يوجب علينا كسر خرافة وغرور الحوثيين بعد أن تيقن لليمنيين أن لا سبيل للتفاهم معهم، عدا منطق القوة وحدها، وان مستقبل اليمن وأمنه واستقراره مرهون بهزيمة جماعة الحوثيين الإرهابية، حتى وإن استمرت الحرب لبعض الوقت، وبين الظروف الموضوعية، والصور الموجعة للحالة الإنسانية السيئة لأغلب اليمنيين التي تتطلب وقف فوري للحرب.
 
نمني النفس بحدوث معجزة ما خلال محادثات السلام في السويد، توقف كل هذا الألم، وكل هذه الفوضى مرة واحدة وإلى الأبد. فرصة ربما هي الأخيرة للمليشيا الحوثية للتعود إلى جادة الصواب عبر الحوار، قبل ارغامها على العودة بالقوة.


التعليقات