[ الروائي اليمني محمد الغربي عمران ]
كانت بداية الغربي عمران في السرد الروائي انبعاثة، فهو من الجيل الذي تمرد على كل شيء في الموروث القديم، بغية إصلاحه.
وقد انطلق عمران في تفكيك المُقدس التاريخي والاجتماعي، رافضًا الخرافة والاستبداد الديني، متجاوزًا أطر الثقافة التقليدية، يروم من كل هذا معالجة المشهد وإعادة تأثيث الواقع بوعي جديد لا مكان فيه للخرافة أو الزيف.
اتسمت جُل مؤلفاته بالجدل ابتداء بروايته الأولى "مصحف أحمر"، الصادرة في 2010، عن دار رياض الريس، بيروت. وقد عرّت هذه الرواية واقع التخلف في المقدس الديني، والسياسي، والاجتماعي. ثم روايته الثانية "ظلمة يائيل" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 2012، وقد حصد عمران عن هذه الرواية جائزة الطيب صالح في دورتها الثانية، بالسودان.
وتعالج مسألة العنف السياسي والدمار الذي يحدث باسم الدين. أتبعها بعد ذلك برواية "الثائر" الصادرة في 2014، عن دار الساقي، بيروت. ثم "مملكة الجواري" الصادرة في 2017، عن دار هاشيت أنطوان في لبنان. وله رواية تحت الطبع، وهي "حصن الزيدي" التي نال بها المركز الثاني في جائزة حمد بن راشد الشرقي للإبداع، في الإمارات.
وإضافة إلى هذا، يملك عمران خمس مجموعات قصصية، هي: "الشراشف"، و"الظل العاري"، و"ختان بلقيس"، و"حريم"، و ك"منارة سوداء".
نافذة على "مصحف أحمر"
اتسمت معظم روايات عمران بطابع تاريخي، وربما يكون لتخصصه الجامعي تأثير في ذلك، فقد درس "التاريخ المُعاصر" في جامعة صنعاء، لكنه يقول إنه مدين للقراءة بموهبته في السرد، وهو يستقي أفكاره من الواقع المعيش، ومن التاريخ بشخوصه وأحداثه.
أثارث أولى رواياته "مصحف أحمر"، جدلاً واسعًا، بسبب تناولها النقدي للمفهوم الديني السائد، وكيف تحول الدين إلى أداة للصراع، حيث تُشن الحروب باسمه، وتُمزق الأوطان وما يرافق ذلك من جرائم، كل هذا يحدث تحت يافطة دينية.
عمران مع المحرر مبارك الباشا
يقول عمران إن هذا المفهوم الاختزالي السيئ للدين، هو الذي دفعه لكتابة هذه الرواية، التي تُعد ثورة حقيقة ضد الاستبداد الديني، وإلغاء الآخر. وقد تسببت هذه الرواية في إعفاء عمران من عمله في الحكومة في 2010، بعد اتهامه بالإساءة للدين وللنظام السياسي.
يرى عمران أن هذه الرواية تعرضت لسوء فهم كبير، من ذلك، أنها مُنعت في بعض المعارض بعد صدورها، بسبب أسلوبها الجريء، فقد اتُهمت بأنها تدعو إلى الرذيلة، لكنه يؤكد أنها لم تكن إلا معالجة نبيلة لفكرة شائكة، أساء فهمها الكثير. وتٙصادُم الرواية مع بنية المألوف في مجتمع محافظ جعلها مثار جدل، لم يكن ليحدث في مجتمع آخر.
"ظلمة يائيل" فيدرالية في القرن الخامس الهجري
أما "ظلمة يائيل" فقد تناولت مسألة بحث الذات الإنسانية عن هوية، وما يرافق ذلك من صراع نفسي. تقوم الرواية على بناء سردي مختلف، فقد تضمنت خطين في السرد؛ المتن الذي يستمد خلفيته من القرن الخامس الهجري، والهامش الذي يجسد الواقع الحالي الهش للثقافة.
ويحكي عمران أن الرواية تدور حول قصة علي أحمد الصُليحي، الملك الذي حكم من المدينة المنورة حتى عُمان بما يشبه الفيدرالية، وهو شخصية تاريخية مُلهمة، بحسب عمران، من حيث إنه لم يكن ليفرض مذهبة على المدن التي كان يسيطر عليها، ويكتفي بأخذ بعض الأموال بعد تنصيب حاكم من أبناء المدينة ذاتها، بعد اتفاق عادل. اتسمت بأسلوب جمالي بديع، ولغة شعرية خلابة، وهي إلى جانب هذا رواية ذات مضمون إشكالي جدلي، توقظ الوعي وتثير الكثير من الأسئلة في ذهن القارئ.
عمران: الواقع هو المادة الأساسية للسرد
تعقيدات الكتابة
يرى عمران أن الكتابة الروائية موهبة تنمو مع القراءة الدائمة، والتشرب بالتقنيات المختلفة للسرد في المُنجز الأدبي الإنساني، إضافة إلى متابعة حراك الإبداع والنشر، والإقبال على قراءة العمل الجيد وغير الجيد.
ويشير إلى أن الرواية لم تعد مجرد حكاية أو حبكة منفصلة عن حياة الكاتب، لقد تطورت إلى ما يُسمى "حوار الذات"، على اعتبار وعي الكاتب هو اختزال للذات الكونية، وكل ما يُمكن أن يصدر عنه من أفكار وصراعات هي تعبير عن الكون بأكمله، ومعاناة هذا الوعي هي جزء من مشكلة عامة في الوجود. وبالتالي فإن الرواية بمعناها الحديث هي فلسفة خاصة لوعي الكاتب، وهذا لا يعني أن كل رواية ذاتية ستعكس فلسفة جيدة، لأن الإبداع نسبي، بحسب عمران.
سألنا الغربي عمران عن تقييمه لظاهرة الكتابة الروائية الجديدة عند الشباب، فأجاب: نملك مواهب شابة واعدة، وهم قلة، وفي المقابل يوجد الكثير ممن يحاولون تسلق الركب.
يقول: إن لم توجد الموهبة، الرغبة والإيمان، المثابرة والقراءة الدائمة، تخلّ عن فكرة أنك قد تصبح روائيًا، ومن الصعب أن تتفوق وأنت تفتقر لإحدى هذه الثيمات.
سيرة الحكمة في "مملكة الجواري"
يقول الغربي عمران إن روايته "مملكة الجواري"، تجسيد تاريخي لسيرة الملكة الصُليحية "أروى بنت أحمد"، التي نجحت في تثبيت حكمها في أواخر القرن الخامس الهجري، في بيئة ذكورية قاسية، وكانت تستخدم جواريها لإغواء الأمراء والإيقاع بهم وبحصونهم في عدد من الإمارات اليمنية، دون الحاجة إلى جيش.
ويشير عمران إلى أن ذكاء هذه الملكة؛ كان دافعه لكتابة هذه الرواية، ويرى أن "أروى بنت أحمد" نموذج مُلهم للنساء اليمنيات يتوجب أن يُدرّس في الجامعات.
شاهد الروائي اليمني محمد الغربي عمران يتحدث عن تجربته الأدبية #تجربتيشاهد الروائي اليمني محمد الغربي عمران يتحدث عن تجربته الأدبية #تجربتي
Posted by Almawqea Post الموقع بوست on Tuesday, April 23, 2019
وعن رواية "حصن الزيدي" التي نال بها مؤخراً المركز الثاني لجائزة حميد بن راشد للإبداع في الإمارات، يقول عمران إنها توغلت في البُنية القبلية للمجتمع اليمني، إضافة إلى تناولها طبيعة العلاقة بين رجال الدين والسلطة، وقد اعتمد عمران على البيئة الريفية كخلفية جغرافية للسرد، فيما استمد خلفيته الزمانية من أحداث ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962.
الحراك الثقافي قائم على الفردية
وحول سؤال: ما مصير الثقافة في وضع الحرب والصراع الذي تشهده اليمن؟ يجيب عمران أن الحراك الثقافي قائم على الفردية؛ على مستوى النشاط الأدبي العام، وعلى مستوى الدافع والإنتاج. ويشير إلى أن كل هذه العناصر تتم حاليًا بالجهد الشخصي للمبدع فقط. ومع ذلك، يرى عمران أن الأدب اليمني يتطور، لأن الكُتّاب لم يفقدوا الإيمان بذواتهم بعد، وما يزالون متوثبين بإصرار، حد وصفه.
التاريخ وتعقيداته
ينطلق عمران في رواياته من قصص الشخصيات الأكثر تهميشًا في المجتمع، ليقارب حالة الشخصيات التاريخية الأكثر تأثيرًا، ويشير إلى أن أبطال رواياته كلهم من المسحوقين البسطاء. وهذا نمط سردي يتضمن دلالات كثيرة، يقول إن إحداها هي رغبته في تقصّي التاريخ كما هو وليس كما كُتب. فهو يشك بكل المكتوب الذي نُقل إلينا، ويجتهد ليتوصل إلى رؤية مغايرة لبنية المألوف، ويحرص على أن تكون مقاربته تلك أكثر واقعية، وفي المُجمل تبدو أعمال الغربي عمران كما لو أنها بحث عن استنتاجات جديدة تُدهش القارئ.
عمران: الكتابة الروائية موهبة تنمو مع القراءة الدائمة
وحول مفهومي الواقع والخيال في الرواية، يقول إن الواقع هو المادة الأساسية للسرد، ولا يستطيع الكاتب أن يتحرر من الواقع مهما ادعى ذلك، وما تسمى بالروايات الخيالية لا تنجو من البنية الواقعية، ويستحيل أن تتحرر من المُحاكاة، لأنها وليدة الوعي الإنساني الذي بدوره ليس إلا انعكاسًا للوجود الواقعي، ويعجز عن خلق تصور مجرد لما هو غيبي.
وعن مدى تأثير الوضع الراهن على واقعه الشخصي، يقول عمران إنه يعيش حاليًا أجمل لحظات حياته على المستوى الإبداعي، ويرى بأن الأحداث الحالية مُلهمة للمبدعين، وتمور بالتفاعلات الزمنية التي تمنح الكاتب فهمًا مُختلفًا للنفس البشرية، وللوجود. لكنه يقول إن الكتابة ليست صالحة في ظرف الصراع، لأنها ستتحول إلى كتابة صحفية، كون الظرف ما يزال ساريًا، وأحداث الصراع ما تزال تتدفق، ولم تنته بعد.
يضيف: على الكاتب أن يعيش هذا الوضع ويتشرب فيه، ستأتي مرحلة الكتابة بعد انتهاء كل هذه المعمعة، وما سيُكتب عقب هذه المرحلة سيكون أدبًا عظيمًا، لأن مادته هي تحولات التاريخ والمجتمع، ولأن هذه المرحلة الزمنية خطيرة وفاصلة في حياة الشعوب، ما يجري الآن هو انتقال بنيوي جديد، سيكون تأسيسًا لمرحلة جديدة مختلفة كليًا عن الماضي.