[ العليمي خلال اجتماعه مع المسؤولين الحكوميين في المهرة ]
زار رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي محافظة المهرة (شرقي اليمن) لأول مرة منذ توليه قيادة المجلس في السابع من أبريل 2022، خلفا للرئيس عبدربه منصور هادي.
تأتي الزيارة بعد أخرى مشابهة لها لمحافظة حضرموت الشهر الماضي، عقب تأزم العلاقة بين رئيس مجلس القيادة الرئاسي، والمجلس الانتقالي المشارك بعدة أعضاء في مجلس القيادة.
وأدى ذلك التأزم بين الطرفين لتفعيل كل طرف ما لديه من الأوراق تجاه الآخر، اتساقا مع الحرب الباردة بين السعودية التي تقف خلف العليمي، والإمارات التي تمول المجلس الانتقالي.
واقع المهرة
وظلت المهرة بعيدة عن جغرافيا الحرب الدائرة في اليمن منذ اندلاعها في مارس 2015م بقيادة المملكة العربية السعودية، ضد جماعة الحوثي، بهدف إعادة الشرعية للرئيس السابق عبدربه منصور هادي، الذي انقلبت عليه الرياض لاحقا، وصعدت العليمي خلفا له.
غير أن الحرب التي لاتزال مستمرة امتدت لهذه المحافظة، بعد التواجد السعودي فيها منذ نوفمبر من العام 2017م، عندما أرسلت الرياض قواتها للتمركز في المحافظة، والسيطرة على الموانئ والمطارات، والتحكم بإيقاع الأحداث هناك، عبر العديد من اليافطات، من أبرزها التدخلات الإنسانية، وإعادة الإعمار.
أدى ذلك الوجود السعودي إلى اندلاع حركة احتجاجية شعبية قادتها لجنة الاعتصام السلمي التي يرأسها الشيخ القبلي علي سالم الحريزي، عبرت عن رفضها للتواجد الخارجي، ودحضت المبررات التي روجتها الرياض لبقائها في المهرة، وخلق ذلك حالة من التوازن حال دون التوغل السعودي المرتبط بأجندة قديمة في المحافظة.
تلك الحركة الاحتجاجية للجنة الاعتصام سارت في اتجاهين، الأول مناهضة الوجود السعودي في بادئ الأمر، ثم لاحقا بالوقوف كجدار صد أمام تصعيد المجلس الانتقالي في المهرة، ومساعيه المتكررة لإثارة الفوضى، والسيطرة على المحافظة، على غرار ما حصل في عدن وسقطرى، ومحافظات أخرى، وبذلك تمكنت لجنة الاعتصام من تجنيب المهرة مغبات الصراع الداخلي، وتطويق الدور الخارجي، وهو ما انعكس إيجابا على وضع المحافظة، وبقائها بعيدة عن أي تداعيات، ومفتوحة أمام الجميع.
سعت الرياض لتعزيز تواجدها بمختلف السبل، وجعلت من المهرة منطقة مضطربة، وجلبت في سبيل ذلك العديد من القوات الأجنبية المتحالفة معها، كالبريطانية والأمريكية، وفقا لبيانات لجنة الاعتصام السلمي، وجعل ذلك المحافظة في ذروة الاهتمام الداخلي والخارجي.
أهمية الزيارة
لذلك تكتسب زيارة العليمي للمهرة العديد من الدلالات، أولها طبيعة الأحداث التي شهدتها المحافظة خلال الفترة الماضية، والمتمثلة بمناوئة الدور السعودي، الذي تراجع زخمه إلى حد ما مؤخرا، بفعل العديد من المتغيرات، منها عودة العلاقة بين سلطنة عمان المجاورة للمهرة، وبين السعودية، وكذلك تعيين محمد علي ياسر محافظا للمهرة، والذي حرص على انتهاج سلوك وسطي، يقوم على التهدئة واستيعاب جميع الأطراف.
ثانيا تطورات الصراع بين المجلس الانتقالي ومجلس القيادة الرئاسي، ومساعي الأول للتمدد نحو المحافظات الشرقية، كحضرموت والمهرة، بعد عجزه خلال السنوات السابقة عن الوصول إليها عبر السيطرة العسكرية، ما دفع بالطرف الثاني إلى تعزيز حضوره أكثر في تلك المحافظات.
ثالثا فتور العلاقة بين الرياض وأبوظبي، ودخولها مرحلة الصراع المستتر، ولجوء كل دولة للاستقواء بالطرف اليمني الموالي لها، ففي حين تستخدم الرياض رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وتتحرك في المحافظات الأكثر تواجدا فيها كحضرموت والمهرة، تستخدم الإمارات المجلس الانتقالي، وتسعى لتعزيز نفوذه، وبقائه متصدرا في مدن أخرى كعدن، واتضح الأمر بشكل أكبر بعودة فرج البحسني الموالي للإمارات إلى عدن، وبنفس الوقت عودة رئيس الوزراء معين عبدالملك الموالي للسعودية لذات المدينة، ثم انفجر الصراع بين الطرفين بالهجوم الذي تعرض له قصر معاشيق منتصف الأسبوع الماضي، من قبل قوات تابعة لعضو مجلس القيادة أبو زرعة المحرمي، الذي حاصر مقر وسكن رئيس الوزراء.
دلالات الحديث في المهرة
وصل العليمي إلى مطار الغيضة الذي تسيطر عليه قوات السعودية، على متن طائرة سعودية عسكرية، قادما من الرياض، ولعل أنصع مثال على توحد النسيج الاجتماعي في المهرة كان في الاستقبال الذي حظي به العليمي، واحتشاد العديد من الشخصيات المهرية، القبلية والسياسية، لاستقباله، رغم تباين بعضها، وعدم اتفاقها فيما بينها.
حمل العليمي في زيارته العديد من الرسائل، منها تبشيره بحزمة من المشاريع التنموية، ودعوته للاستثمار في المهرة، وثنائه على الوضع الذي تمتاز به المحافظة، ولقائه بالعديد من الشخصيات الحكومية والتنفيذية.
غير أن الرسالة المتكررة هنا، هو تأكيد على الفدرالية، وتولي أبناء المحافظة حكم محافظتهم، وهي ذات الدعوة التي أطلقها في حضرموت، ولعل من الإشارة هنا أن المهرة مؤخرا باتت بالفعل تحت إدارة أبنائها في مختلف المستويات، للمرة الأولى في تاريخها، كما أن تجربة الفدرالية التي يركز عليها العليمي لم تكن قرارا حكوميا، بل كانت خيارا اضطراريا لأبناء تلك المحافظات أمام محاولات الانتقالي التمدد والسيطرة على كل مدن اليمن.
لكن ما يلفت النظر في مجمل ما طرحه العليمي في الكلمة التي ألقاها أمام مسؤولين حكوميين بالغيضة، هي تطرقه لقضايا ظلت السعودية تروجها طوال الفترة الماضية، كمبررات لبقائها في المحافظة، ومن ذلك الحديث عن التهريب في المهرة، وتقديمها كبؤرة للتهريب، وهي الاتهامات التي سعت الرياض لإلصاقها بشخصيات في المهرة كالشيخ علي سالم الحريزي، وعملت على تعزيز ذلك إعلاميا في وسائلها، ورددتها الشخصيات الموالية لها من إعلامين وناشطين، رغم نفي المحافظين المتعاقبين في المهرة لهذه التهمة، وهذه الشائعة.
أما الجانب الأخر في حديث العليمي المتكرر في المهرة، فكان حول جماعة الحوثي، ومعها إيران، وربط ذلك بالمهرة، وهو إيحاء يكتسب العديد من الدلالات، فمن جانب يعد هذا الحديث امتدادا لذات الطرح الذي رددته الآلة الإعلامية السعودية طوال الفترة الماضية عن المهرة، وربطها المستمر بين الحراك الشعبي المناوئ لها ممثلا بلجنة الاعتصام، وبين جماعة الحوثي في صنعاء.
وهذا الطرح في مجمله يعيد إحياء بؤرة الصراع من جديد في المهرة، بل ويزيد من اشتعال النار فيها، وبالتالي تبديد الهدوء والانسجام الذي تعيشه مؤخرا، وقد يدفع بتحالفات جديدة، فما طرحه العليمي ردده سابقا إعلام المجلس الانتقالي، الذي روج لهذا في سياق خلق الذرائع للسيطرة على المهرة، فالانتقالي الرافض أصلا لزيارة العليمي للمهرة، سيجد نفسه في درجة قريبة من الأطراف الأخرى التي أزعجها العليمي بحديثه.
وثمة قضية أخرى تحدث عنها العليمي في المهرة، وظلت محور جدل، وتهمة تتردد من وقت لآخر، وهي الإرهاب، والحديث عنه باعتباره واقعا في المهرة، وتقديمه كأحد ملفاتها الشائكة، وهذا الملف تحديدا لم يبرز إلا مع بدء التواجد السعودي في المحافظة، وينظر له أبناء المهرة، كأحد مبررات بقاء الرياض في محافظتهم، وسبق لهم دحضه، ونفي تواجد شخصيات إرهابية في أرضهم، معتبرين ذلك ذريعة وصنيعة سعودية بحتة.
لذلك تبدو الزيارة في مجملها تحمل أجندة سعودية خالصة، وهي رسالة تخدم بقاء السعودية في المقام الأول، وموجهة للأطراف المحلية المناوئة لتواجدها في المهرة، وللمجلس الانتقالي في عدن، ولدولة الإمارات أيضا، وربما من الجدير بالإشارة هنا لقاء العليمي بعضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي عبدالله بن عيسى آل عفرار، الذي تمر علاقته مؤخرا بحالة من الفتور والقطيعة مع الانتقالي، مثلما تدهورت من قبل مع السعودية، ولا يستبعد أن يكون اللقاء بين الشخصيتين مقدمة لعودة بن عفرار مرة أخرى للحضن السعودي، خاصة مع طموحه لتعيينه محافظا للمهرة، وهو الوعد الذي تلقاه من قبل، نظير التعاون مع الإمارات أولا في سقطرى، ومع السعودية ثانيا في الإمارات.
ماذا يراد للمهرة؟
ويبرز التساؤل هنا عن المصير الذي ينتظر المهرة عقب هذه الزيارة، وهل تعد مقدمة لترتيبات معينة في المستقبل تنتظرها، من خلال جملة المبررات، والقضايا التي طرحها العليمي في أحاديثه، أم ماذا؟
ولعل خصوصية المهرة، ووقوعها في زاوية محورية من جغرافيا اليمن، يجعلها محط اهتمام أكثر، فهي تحيط باثنتين من الدول الفاعلة في الملف اليمني، (السعودية – سلطنة عمان) رغم الفارق في طبيعة حضور كل دولة، فالأولى تعتمد الحل والحضور العسكري، والثانية تمارس الدبلوماسية الناعمة لتهدئة الصراع، وتسهيل قنوات الحوار والتواصل.
مع الإشارة هنا إلى أن الحضور الدولي في المهرة نشط كثيرا، ولم يعد حصرا على جيران اليمن، فالعديد من الدول الأوربية، بالإضافة لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، لها حضورها المباشر والفاعل في المهرة، تبعا لمحاور الاهتمام لدى كل دولة، سواء أكان اقتصاديا، أم أمنيا، أم عسكريا.