ميزان القوى العسكري في اليمن.. التحولات والسيناريوهات
- علي الذهب - الجزيرة نت الخميس, 26 يناير, 2017 - 05:43 مساءً
ميزان القوى العسكري في اليمن.. التحولات والسيناريوهات

تشهد الحرب الدائرة في اليمن تطورات متلاحقة على جانبي المواجهة، تجسدها في  قفزات فجائية، تتسع معها الأرض المسيطَر عليها، وقد تضيق أحيانًا، وتتنوع فيها قواعد وسائل الاشتباك، وتتزايد تهديداتها على مسرح العمليات البري والبحري. وبين هذا وذاك، تتسع فجوة القيادة، كنتيجة منطقية لميدان ملتهب يلتهم القادة والمقاتلين، مثلما يلتهم عتادهم وذخائرهم، ثم لا يلبث كل طرف أن يعيد ترتيب نفسه استعدادًا لجولة أخرى
 

 
تستعرض هذه الورقة التطورات الأبرز والأكثر تأثيرًا لدى طرفي الحرب، وتناقش، بشيء من التحليل، الديناميات الفاعلة فيها، التي نشأت أو تلك التي أعادت تشكيل وترتيب نفسها ومواقعها، استجابة للتطورات الناشئة. كما تحاول الورقة، وفقًا لخلفيات الأحداث ومعطيات اللحظة، تصور الأثر المتوقع لهذه التطورات في سيرورة هذه الحرب.
 

ما من شك، في أن التطورات العسكرية، التي حدثت في مسرحي العمليات البري والبحري، علي طرفي الحرب الدائرة في اليمن، وتحولات سياسية أخرى مساعدة، فرضت إعادة النظر في تشكيل وترتيب وتموضع القوى المختلفة فيهما، كما أحدثت الصدمات العنيفة، التي تعرض لها الهرم القيادي لكل طرف، أثرًا بالغًا في قدراته وإمكانياته؛ ما استلزم ترميم التصدعات الحاصلة وجسر فجواتها. 
 

التطورات العسكرية البارزة في جانبي الصراع 

 

يمكن اتخاذ العملية العسكرية الموسومة بـ"نصر-2"، التي نفذتها المنطقة العسكرية الثالثة بمأرب، في سبتمبر/أيلول 2016، منطلقًا لاستعراض التطورات العسكرية في جانبي الصراع، بوصفها نقطة تحول مهمة قرَّبت المسافة إلى العاصمة صنعاء، عبر منطقة صرواح، واتسعت معها رقعة الأراضي المحررة. كما سيشمل ذلك التطورات المهمة المعنية بالتنظيم والإدارة، التي مثَّلتها القرارات والأوامر الرئاسية الصادرة عن القيادة العليا للجيش الوطني، وما يماثلها في طرف الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح. وسيجري استعراض ومناقشة أكثر هذه التطورات أهمية وتأثيرًا، من خلال عدد من المحاور المبينة تاليًا.
 

أولًا: التطورات في جانب الجيش الوطني 
 

بالنظر إلى أبرز التطورات العسكرية الناشئة في جانب الجيش الوطني الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي، يمكن تقسيم هذه التطورات إلى ما يلي: 
 

1. التغييرات القيادية
 

مثَّلت حزمة القرارات، التي أصدرها الرئيس هادي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أبرز تطور عسكري في مجال تنظيم وإدارة قيادة الجيش الوطني؛ حيث تضمنت تعيين اللواء صالح طيمس، قائدًا للمنطقة العسكرية الأولى وقائدًا للواء 37 مدرع، خلفًا للواء عبدالرحمن الحليلي، وتعيين اللواء فضل حسن قائدًا للمنطقة العسكرية الرابعة وقائدًا للواء الثاني مشاة، وتعيين اللواء ثابت جواس قائدًا لمحور العند وقائدًا للواء 131 مشاة(1).
 

كما أصدر أوامره بتنزيل مجموعة من الأسلحة الثقيلة والذخائر من قوة هذا اللواء، ونقلها إلى مدينة مأرب الواقعة في نطاق المنطقة العسكرية الثالثة(2)؛ الأمر الذي أثار لغطًا حول هذا الأمر والقرارات السابقة؛ حيث قرأ البعض ذلك من زاوية التشكيك في دور القادة والضباط الشماليين وارتباطهم بالرئيس السابق صالح، وقيامهم بتأمين إمدادات السلاح المهرَّب إلى الحوثيين. فيما رأى بعض آخر أن ذلك يأتي في إطار خطة انتشار جديدة لتأمين وسائط ووسائل نقل الطاقة في محافظة حضرموت، التي تحوي حقلًا نفطيًّا وميناء شحن خاصًّا بذلك(3).
 

فيما يبدو، أن الرئيس هادي يحاول إحداث توازن، إن لم يكن تفوقًا، بينه وبين منافسيه على مستوى البلاد، والجنوب كذلك، مع تمكين الأقاليم، التي بدأت في التشكل التلقائي، من قيادة ذاتها. ولا أدلَّ على ذلك من قيامه بتعيين اللواء أحمد بن بريك محافظًا لحضرموت في يناير/كانون الثاني 2016، وتعيين اللواء فرج البحسني، قائدًا للمنطقة العسكرية الثانية، بعد تحرير مدينة المكلا في 21 مايو/أيار 2016، وكلاهما من أبناء هذه المحافظة(4)
 

2. اتساع جغرافية الشرعية
 

تمكن الجيش الوطني في اليمن في 23 يناير/كانون الثاني، وبدعم من التحالف العربي، من اقتحام مدينة المخا غرب محافظة تعز (جنوبي غرب البلاد)، وفرض السيطرة عليها وعلى مينائها الإستراتيجي. 
 

وتعني السيطرة على ميناء المخا قطع شريان إمداد رئيسي عن الحوثيين وقوات صالح، حيث كانت تهرب عن طريقه الأسلحة والمعدات العسكرية، كما أنها ستؤدي إلى تخفيف معاناة أهل تعز وفتح متنفس جديد لهم.
 

في سبتمبر/أيلول 2016، بدأت المنطقة العسكرية الثالثة بمأرب، تنفيذ عملية عسكرية وُسِمت بـ"نصر-2"، هدفت إلى فتح جبهة جديدة باتجاه العاصمة صنعاء، عبر منطقة صرواح الواقعة غربي مارب، وقد تمكن الجيش في أكتوبر/تشرين الأول، من السيطرة على قطاع من الطريق المؤدية إلى المركز الجديد لمدينة صرواح، ومهبط طائرات ترابي، وعدد من المواقع الجبلية المحيطة، التي كان الحوثيون يتمركزون فيها، لكن التقدم توقف بعد مقتل قائد المنطقة، اللواء عبد الرب الشدادي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016(5)
 

حتى الآن (منتصف ديسمبر/كانون الأول 2016)، تشهد المواقع المحيطة بصرواح، مواجهات عنيفة، واستهدافات مدفعية مركزة من قبل الحوثيين والجيش الموالي لهم، في محاولة لاستعادتها، مستغلين حالة الجمود في نشاط الجيش الوطني المرابط في هذه الجبهة؛ بعد مقتل قائدها السابق. 
 

في أغلب مديريات الجوف المحررة، لا تنقطع المواجهات العنيفة بين الطرفين، ومع ذلك يحقق الجيش الوطني تقدمًا مستمرًّا، تتسع معه رقعة الأرض المحررة، خصوصًا في مديريات: المتون، وخب الشعف، والغيل، والمصلوب. أما مدينة الحزم (مركز المحافظة)، فتتعرض لقصف صاروخي بشكل دوري(6)، وتبدو الحال أقل من ذلك في بعض المحافظات، كتعز، والبيضاء، وشبوة، وصنعاء. 

أحدث التطورات الميدانية، يتركز في صعدة، معقل الحوثيين؛ فحتى 20 ديسمبر/كانون الثاني 2016، حقَّق الجيش الوطني فيها تقدمًا لا بأس به، لكنه على قدر كبير من الأهمية؛ إذ قد يدعم ذلك فتح جبهات أخرى فيها، تتسع معها مساحة المناطق المحررة، وتتطور المعركة جنوبًا، التي لن تكون، بطبيعة الحال، ككل المعارك؛ فصعدة بالنسبة للحوثيين، لا تقل أهمية عن صنعاء، إن لم تكن الأهم. يوضح الجدول (1) تلك التطورات. 
 

جدول (1): التطورات الميدانية لدى الجيش الوطني بجبهة صعدة
 

الجبهة

الموقع

ملاحظات

صعدة

  • كتاف-البقع
  • منفذ علب
  • مندبة
  •  مديرية. حُرِّر بعض مناطقها.
  • منفذ بري مع السعودية. حُرِّر كاملًا.
  • منطقة تتبع مديرية باقم وتبعد عنها 10كيلومترات. حُرِّرت كاملة

 3. تآكل القادة الميدانيين
 

لم يكن مقتل قائد المنطقة العسكرية الثالثة وقائد اللواء 13 مشاة، اللواء عبد الرب الشدادي، مجرد حادثة استهدفت حياة ضابط من حاملي الرتب الكبيرة، بل مثَّل خساره فادحة قلَّما يوجد لها نظير في مستوى القيادة الميدانية للجيش الوطني، فلقد أثَّر رحيله في الأداء القتالي لجبهة صرواح، بل أصبحت مهددة بالسقوط مرة أخرى. 
 

في جبهة صرواح ذاتها، وبعد شهر ونيف، خسر الجيش الوطني الرائد صالح الضحياني، أحد قادة كتائب اللواء 312، الذي قاد في أكتوبر/تشرين الأول 2015 معركة شرسة تمكَّن بها من الاستيلاء على معسكر كوفل بصرواح، ثم لحق بهما بعد أقل من شهر، في جبهة ميدي بحجة، العميد صالح الخياطي، قائد اللواء 83 مشاة. 
 

ثانيًا: التطورات في جانب تحالف الحوثيين وصالح 
 

شهد جانب الحوثيين وحلفائهم، خلال الأشهر الأخيرة من العام 2016، تطورات عسكرية مختلفة، من أهمها ما يلي: 
 

1. تنامي القدرات الصاروخية
 

لعبت الصواريخ الباليستية، التي أطلقها الحوثيون، دورًا بارزًا في مجريات الحرب الدائرة، كما عُدَّت أحد أهم التطورات المؤثرة في مسارها؛ حيث فرضت حالة تهديد دائمة لدى خصومهم، وألحقت بهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. وقد أظهر الحوثيون براعة في التخطيط لها وتوظيف استخدامها منذ وقوعها بأيديهم في نهاية يناير/كانون الثاني 2015؛ حيث قاموا بسحب البعض منها إلى صعدة(7)؛ لمواجهة المملكة السعودية في الظرف الذي يستدعي ذلك. وقد حققت ظروف الحرب الراهنة ذلك الهدف، بعد أن كانت مجرد مخاوف تتوجس منها السعودية ودول الجوار الأخرى، التي صنفتها آنذاك كتهديد باليستي للمنطقة(8)
 

بشيء من التفصيل، يمكن بيان القدرات الصاروخية للحوثيين والجيش الموالي لهم، وفقًا للتوصيف التالي:
 

‌أ. مسرح العمليات الداخلي
 

كانت، ولا تزال، جبهات القتال بمحافظة مأرب ومركز المحافظة نفسها، أكثر المناطق تعرضًا لهجمات هذه الصواريخ؛ بسبب احتضانها القيادات العسكرية والسياسية الممثِّلة للسلطة الشرعية، وترسانة سلاحها الضخم، لكن أغلب تلك الهجمات أُحبط بواسطة منظومة الاعتراض الصاروخية باتريوت، فيما أحدثت حالات فردية منها نتائج فادحة، كان أبرزها استهداف معسكر التداوين بمنطقة صافر، بواسطة صاروخ توشكا أرض-أرض، أُطلق من منطقة بيحان بمحافظة شبوة، في سبتمبر/أيلول 2015، الذي أودى بحياة خمسة وأربعين جنديًّا إماراتيًّا، وخمسة جنود بحرينيين، وعدد من اليمنيين. 
 

‌ب. مسرح العمليات الحدودي
 

كثَّف الحوثيون هجماتهم الصاروخية على أهداف عسكرية واقتصادية داخل الأراضي السعودية، لحملها على التوقف عن الحرب، ووقف الهجمات الجوية(9)، والتخلي عن الرئيس هادي، بالدخول في مفاوضات مباشرة دونه. بل أجبروا، بهذا التكتيك، سلطات المملكة على إفراغ المناطق الحدودية من سكانها؛ ما ترتب عليه تداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية، علاوة على الخسائر البشرية الناجمة عن سقوط المقذوفات الصاروخية الصغيرة غير القابلة للاعتراض. 
 

لعل من نافلة القول الإشارة إلى أن السعوديين استغلوا واقعة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه منطقة مكة المكرمة في أكتوبر/تشرين الأول 2016(10)، استغلالًا معنويًّا، لإثارة الرأي العام العربي والإسلامي تجاه الحوثيين، وقد تحقق لهم ذلك فعلًا، أما الصواريخ فلم يتوقف إطلاقها. 
 

‌ج. مسرح العمليات البحري
 

لا يكاد أسبوع يمر إلا ويعلن الحوثيون استهدافهم سفينة حربية معادية في البحر الأحمر، ومع ذلك لم يكشف التحالف حقيقة هذه الادعاءات(11)، باستثناء واقعة استهداف السفينة الإماراتية "سويفت"، بصاروخ مضاد للسفن، أثناء مرورها بالقرب من مضيق باب المندب، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2016، الذي أحدث فيها أضرارًا جسيمة. وقد برَّر الحوثيون ذلك، بأن السفينة رُصِدت وهي تمارس نشاطًا معاديًا، فيما قال الإماراتيون: إن السفينة مدنية وتقوم بمهمة ذات طابع إنساني(12)
 

آخر نشاط للحوثيين في المسرح البحري، استهداف مدمرتين أميركيتين بهجومين صاروخيين منفصلين، عندما كانتا مبحرتين في المياه الدولية قبالة الساحل اليمني في البحر الأحمر، في أكتوبر/تشرين الأول 2016(13)، وقد رجَّح خبير عسكري أميركي أن تكون هذه الصواريخ إيرانية الصنع، وتسربت إلى أيدي الحوثيين عن طريق التهريب(14). كما نشرت وول استريت جورنال في تقرير لها أن هذه الصواريخ هي نفسها التي يستخدمها حزب الله اللبناني(15)، وكإجراء انتقامي ردَّت المدمرات الأميركية، بعد يومين من آخر استهداف، بصواريخ كروز توماهوك، على مواقع رادارية تقع في رأس عيسى وذي باب(16)
 

2. جسر فجوة القيادة
 

مثَّلت واقعة هجوم طيران التحالف على سرادق عزاء بصنعاء، في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2016، نكبة عسكرية غير مسبوقة في هذه الحرب، قصمت، بلا هوادة، ظهر الجيش الموالي للحوثيين، وللرئيس السابق علي صالح، فتوسعت معها الفجوة القيادية الحاصلة في هذا الجيش مسبقًا؛ التي تسبب فيها انشقاق بعض القادة وكبار الضباط بالتحاقهم بالجيش الوطني، وكذا فقدان الكثير منهم في المعارك. 
 

كما حصدت الغارات الجوية على الجبهات عددًا من القادة والخبراء في المهام الخاصة ومكافحة الإرهاب، مثل: العقيد حسن الملصي، الذي كان أحد القادة الشباب في القوات الخاصة، والخبير في مكافحة الإرهاب؛ حيث استُهدف في منطقة نجران الحدودية أواخر سبتمبر/أيلول 2016. ويوضح الجدول (2) ملمحًا من تلك الفجوة. 
 

الجدول (2): الفجوة القيادية التي أحدثتها غارة جوية على سرادق عزاء
 

م

الاسم

الرتبة

الوحدة

المنصب

1

علي الجائفي

لواء

الاحتياط العام

قائد الاحتياط

2

أحمد ناجي مانع

لواء

هيئة التدريب

رئيس الهيئة

3

علي الحمزي

عميد

لواء 63

قائد اللواء

4

عبدالملك العرار

عميد

اللواء الرابع (احتياط)

قائد اللواء

5

علي الذفيف

عميد

اللواء التاسع

قائد اللواء

 في خطوة متأخرة لجسر جانب من هذه الفجوة، وفي إطار تقاسم السلطة بين الحوثيين وصالح، أقر المجلس السياسي الأعلى(17) تشكيل حكومة إنقاذ في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، التي حملت معها وزير دفاع جديد ذا خلفية كبيرة في إدارة الصواريخ الباليستية، هو اللواء محمد العاطفي، قائد مجموعة ألوية الصواريخ وقائد اللواء السادس فيها، التي لعبت دورًا بارزًا في هذه الحرب، ويُتوقع أن يتطور هذا الدور، في ظل تعطل قدرات المواجهة الجوية الأخرى منذ الأيام الأولى للحرب(18)
 

كما أصدر المجلس قرارًا بتعيين القائد الميداني لدى جماعة الحوثيين، عبد الكريم الغماري، رئيسًا للأركان. ويعد الغماري أحد المشاركين، بفاعلية، في الانقلاب وفي حروب التمرد الستة بصعدة (2004-2010) إبَّان حكم الرئيس صالح. كما عمل عضوًا في اللجنة الأمنية، التي شكَّلها الحوثيون بعد الإعلان الدستوري، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس هادي في منزله بصنعاء في فبراير/شباط 2015(19)
 

في خطوة قطعت كل الشكوك حول رجل وُصف بـ"دينامو الانقلاب"، عيَّن المجلس السياسي الأعلى، اللواء يحيى الشامي(20)، مستشارًا للقائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يعد أحد أبرز المراجع العسكرية الحوثية، وخبيرهم الاستراتيجي منذ أن كان محافظًا لصعدة. وفيما يبدو أن هذه الخطوة هدفت إلى إخراجه من دائرة العمل في الظل إلى دائرة العمل العلني، ليمارس من موقعه الجديد دورًا مطورًا للدور الذي لعبه المشرفون الحوثيون في التحكم بقرارات المسؤولين الحكوميين بعد الانقلاب، وهو دور "محرِّكو الدُّمى"، حسب توصيف ألكسندر مترسكي، في تصويره الكيفية، التي أدار بها الحوثيون البلاد منذ سبتمبر/أيلول 2014(21)، خاصة أن شَغْله هذا المنصب تزامن مع مغادرة نجله منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة بوزارة الدفاع؛ ليُعيَّن وزيرًا للنقل. 
 

إعادة ضبط موازين القوى 

 

يوصف الصراع في اليمن بأنه "متخم بجماعات ومصالح متعارضة"(22)، ولا شك في أن التطورات العسكرية، التي وقعت على طرفيه، أثَّرت في هذه القوى والمصالح المحركة لها؛ فبرزت معها قوى ثانوية في إطار القوى الرئيسة، وأحدثت ترتيبًا جديدًا لبعضها، فضلًا عن دخول بعض القوى الخارجية بشكل عرضي. وسيجري بيان ذلك، في إطار طرفي الحرب، على النحو التالي: 
 

1. طرف الرئيس هادي وحلفائه 
 

تشي انتماءات وخلفيات القادة المشمولين بقرارات التعيينات القيادية، بأن الرئيس هادي، بدأ تقوية مركزه العسكري داخل تحالف الشرعية؛ لإدراكه، بعد تجربة انقلاب 2014، أنه واقع بين متضادين، هما: جناح ثورة فبراير/شباط 2011 الشمالي، وجناح الحراك الجنوبي (السِّلمي)، رغم أنه يواجه بهما تهديدين آخرين، هما: تحالف الانقلابيين، وفصائل الجماعات الإرهابية (القاعدة وداعش). 
 

كما أنه بوضع مناطق عسكرية بوحداتها القتالية القوية، في قبضة موالين له، يكون قد ضمن قوة مكافئة لمواجهة أيٍّ من تلك الأجنحة، وتخلَّص بموجب تلك القرارات من قادة يُحتمل أن يكونوا مصدر تهديد له. 
 

يأتي جناح ثورة فبراير/شباط، المتمركزة أغلب قوته في الشمال، مجسِّدًا القوة الحقيقية الرافضة للانقلاب، والقاعدة الأقوى والأوسع لشرعية الرئيس هادي، وفقًا لثوابت وطنية مشتركة، ومصالح متشابكة؛ فهو يقدِّم قواعده وقادته في جبهات القتال وجبهة الإعلام. وهو خليط من تيارات الإسلام السياسي، والتيارات القومية، واليسارية، والعصبيات التقليدية؛ كالوجاهات القبلية.
 

يمثِّل الفريق، علي محسن صالح، المحور العسكري لهذه القوة، وقد جاءت عودته إلى المشهد العسكري، بقرار من الرئيس هادي في يناير/كانون الثاني 2016، عبر منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فنائب لرئيس الجمهورية، في إبريل/نيسان 2016، وإعلانه تفعيل عضويته في حزب المؤتمر الشعبي، بعد أن حُيِّد عن المشاركة في إدارة العمليات العسكرية، التي دارت في مناطق الجنوب؛ فمثَّلت هذه العودة بؤرة جذب لبعض مراكز القوى القبلية والعسكرية والسياسية، من الشمال ومن الجنوب كذلك، خاصة محافظتي شبوة وحضرموت، وأخذت مواقعها في الجيش والشرطة والقضاء.
 

أما الحراك الجنوبي (السِّلمي)، فيمكن أن نميزه في جناحين، هما: جناح الحراك الذي يشارك الرئيس هادي فكرة بناء الدولة الاتحادية، في إطار مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وهنا، يكاد الرئيس هادي، نفسه، أن يكون حراكيًّا من هذا الجناح، ومعه الكثير من القادة العسكريين، الذين أسند إليهم قيادة مراكز عسكرية وسياسية. أما الجناح الثاني؛ فالحراك المتماهي، صوريًّا، مع الرئيس هادي، فيما مشروعه الحقيقي دولة الجنوب المستقل، التي يخفق علمها في المدن والطرقات والمؤسسات الحكومية في المحافظات الجنوبية. 
 

يمكن أن يعبَّر عن الجناح الأول بمحافظ حضرموت، اللواء أحمد بن بُريك، رغم براغماتيته، التي قد تقوده إلى أيِّ طرف في أي تحولات عنيفة في الصراع الدائر. وأما الجناح الثاني، فيمكن أن يعبَّر عنه بقائد المنطقة العسكرية الثانية، اللواء فرج البحسني، الذي لا تزال آثار حرب صيف 1994 متجذرة في ذهنيته؛ فهو حراكي اشتراكي، ولا يجد غضاضة في إثارة مسائل تشي بتوجهه هذا(23)، مع ملاحظة أن ضرب المثل بالرجلين فرضته حدود هذه الورقة. 
 

2. طرف الحوثيين وحليفهم صالح
 

لا يزال الحوثيون هم القوة الأولى المهيمنة على المناطق الواقعة خارج سيطرة الرئيس هادي؛ فهم من يسيطرون على مؤسسات الدولة، ويديرون الحرب، ويتحكمون بملف الحدود، ويتصدرون المفاوضات. كما استطاعوا الحفاظ على ذلك من خلال شبكة من المصالح المشتركة، استأثرت العصبية المذهبية والمناطقية والسلالية على الجانب الكبير منها، في تولي المناصب المدنية والعسكرية، وفي منح الامتيازات الاستثمارية، بل وفي قيادة ميليشياتهم، مكوِّنة بذلك قوى ثانوية دافعة لقوتهم الأولى، التي تتمثَّل بجماعة "أنصار الله".
 

يظل الرئيس السابق، علي صالح، حليفًا سياسيًّا، ومع ذلك لا يمكن تجاوز ثقله المضمَر في كيان الدولة، التي يسيطر عليها حلفاؤه الحوثيون؛ فحزبه (المؤتمر الشعبي العام) منتشر في كل مفاصلها، ومقاتلوه وأنصاره يشاركون في مختلف الجبهات(24)، وقد كان هذا الحضور أحد القوى، التي دفعت الحوثيين نحوه مؤخرًا، فكوَّنا معًا المجلس السياسي الأعلى، ثم حكومة الإنقاذ، التي وضع كل منهما فيها ثقله السياسي والعسكري والقبلي؛ بحيث آلت حقيبة الدفاع إلى الحوثيين، وحقيبة الأمن إلى صالح، وهما قوتان فاعلتان، ولا يمكن الفصل بين وظيفتيهما في الوقت الراهن، لذلك؛ ستتعارض مصالحهما بتعارض الوظائف والتوجهات، ويتشظى هذا التحالف. 
 

أما العصبيات المنبوذة، فتُطل كأحد محركات الصراع الدائر، ومؤطراته العنيفة، التي تحاول، عبثًا، أغلبية النخب المثقفة وزعامات القوى إنكاره. وقد ظهرت في هذه الحرب، وبشكل حاد، أنماط عصبيات مختلفة. فمثلما أن تحالف الرئيس هادي لا يخلو من عصبية مناطقية أو مذهبية أو عنصرية، ظهرت ضمن بعض التعيينات في المناصب القيادية العسكرية والسياسية، كتعيينه قادة المناطق والألوية من الجنوب ومن محافظة أبين تحديدًا، أو من انتماءات مختلفة لحلفائه السياسيين، بل إنه ليقع كثيرًا في زلات لسانه، حين يشير إلى صراعه مع الحوثيين بنبرة طائفية مستفزة(25)
 

أما صالح فلم يستطع إخفاء تحيزه المناطقي، مع أنه عادة ما ينادي بنبذ العصبيات، ولا أدل على تحيزه، وصفه الرئيس هادي في مكالمة مسربة بـ"صاحب أبْيَن" (26) في إشارة إلى مسقط رأسه، وهو بهذا يجسِّد نفسه كمحور يستدعي إليه كل من يشاركه الانتماء الجغرافي والمذهبي، ولم يفته استغلال إحلال اللواء طيمس (من أبين) محل اللواء الحليلي (من صنعاء)، ونقل اللواء 37 إلى مأرب؛ ليذم بهذا العمل الرئيس هادي وحلفاءه، واصفًا القرار بأنه تحضير لانقسام وتشرذم البلاد على أساس شمال وجنوب، والتهيئة للاقتتال بين زملاء الجندية. ولو فرضنا، جدلًا، صدق مخاوفه، فإن إثارة نعرة العصبية المناطقية بهذه الطريقة، لا تقل تعريضًا وإثارة لعصبية الجغرافيا عن وصفه الرئيس هادي بـ "صاحب أبين"(27)
 

أما الحوثيون فيغرقون في العصبيات قولًا وممارسة، ويبرز ذلك في تعيينهم مستشار القائد الأعلى، وتعيين رئيس الأركان، على أساس سلالي ومذهبي، وفي تمكين إخوة وأقارب زعيم الجماعة الحوثية من قيادة بعض الوحدات العسكرية والأمنية والاستخبارية والعسكرية التعبوية، للدرجة التي يمكن معها القول: إن جماعة أنصار الله (الحوثيين) جماعة تحركها عصبيتان رئيسيتان، هما: العصبية السلالية والمذهبية. 
 

في الفضاء الأوسع لهذا الصراع، تبرز قوة أو قوى أخرى عابرة للحدود، وهي قوى خارجية تتطلع إلى توسيع نفوذها، ونعني بذلك الولايات المتحدة وإيران. فمع استهداف الحوثيين مدمرتين أميركيتين بصواريخ يُرجَّح أنها إيرانية الصنع، يتجلى المشهد أكثر، وقد يزداد تعقيدًا، خاصة بعد التدخل الأميركي المباشر الذي جاء ردًّا على إطلاق تلك الصواريخ، من خلال استهداف مواقع رادارية عسكرية يمنية في مناطق سيطرة الحوثيين، وفيما كان الجدل يدور حول مصدر صواريخ الحوثيين تلك، كان الإيرانيون يعبِّرون عن حاجتهم المستقبلية إلى إنشاء قواعد بحرية قبالة السواحل اليمنية(28)
 

المسارات المحتملة للحرب 

 

يمكن تصور التداعيات والتأثيرات المحتملة للتطورات السابقة على الحرب الدائرة، في ضوء ما تُشكِّله قدرات الحوثيين الصاروخية والقوى الأخرى المساعدة، من تهديد واستدامة للحرب على المناطق الحدودية السعودية والمجال البحري الغربي والمناطق اليمنية المحررة بيد القوات الشرعية، وما ستسهم به القدرات البشرية الناشئة عن التغييرات القيادية لدى الطرفين في إدارة تفاعلات الحرب، وكذا ما تثيره الأراضي المحرَّرة من فرص ومخاطر، وموقف الطرف الآخر إزاء كل منها، وذلك وفقًا للآتي: 
 

1. قدرات الصواريخ الباليسيتية ومكافحتها
 

تمثِّل الصواريخ الباليستية، بالنسبة للحوثيين والجيش الموالي لهم، السلاح المقابل لطائرات التحالف، لكن هذه المقابلة تظل قاصرة مع محدودية مداها وانعدام أية وسيلة دفاع جوي تعترض الطائرات، مثلما تعترض منظومة باتريوت هذه الصورايخ في مسرح العمليات البري والبحري (حالة المدمرات الأميركية). 
 

مثلما لعبت هذه الصواريخ دورًا في تغليب إرادة المفاوض الحوثي على السعوديين وغيرهم، فإنه قد يضاعف هذا الدور، فيدفع ذلك إلى التصعيد واستمرار الحرب، لذلك؛ يفترض أن يقابل هذا الأمر بوسائل المكافحة المختلفة من قبل الأطراف الأخرى المتأثرة. 
 

2. تأثير الاستحداثات القيادية 
 

يُفترض أن تعمل عناصر جسر الفجوة القيادية في طرف الحوثيين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على مضاعفة قدراتهم الصاروخية والعمليات الأخرى المساعدة، بكفاءة وفاعلية، فيما يفترض أن تكون القدرات البشرية للجيش الوطني ومسانديه جاهزة لمواجهة ذلك والتفوق عليه. 
 

3. الأراضي المحررة والغرائز المتناقضة 
 

تُحرك الأراضي المحررة بيد الجيش الوطني غريزتين متضادتين لدى طرفي الحرب، لذلك؛ يفترض أن يكون الحوثيون والجيش الموالي لهم، ماضين في استعادة هذه الأراضي، ومستعدين للدفاع عن الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم، فيما يفترض أن يكون الجيش الوطني مستعدًا للدفاع عن تلك الأراضي والتقدم لكسب المزيد منها. 
 

بناء على العوامل الثلاثة السابقة، يمكن تصور التأثيرات المحتملة للتطورات أو انتفائها، من خلال فرضيتين، هما:
 

  • استمرار التهديد والحرب


تقوم فرضية استمرار تهديد الصواريخ والحرب، على قدرة عناصر جسر فجوة القيادة لدى الحوثيين، في إطار المنظومة الشاملة لإدارة الحرب لديهم، على إدارة الآتي:
 

- تطوير القدرات الصاروخية والقوى الأخرى المساعدة.
 

- التشبث بالأراضي المحقِّقة لكفاءة وفاعلية الصواريخ والعمليات الأخرى، والسعي لاستعادة المناطق المحررة، التي تحقق زيادة تلك الكفاءة والفاعلية. 
 

  • تراجع التهديد مع استمرار الحرب


تقوم فرضية تراجع تهديد الصواريخ مع استمرار الحرب، على القدرات البشرية الجديدة لدى الجيش الوطني، والقوى الأخرى المساندة له، على إدارة الآتي:


- شل القدرة الصاروخية لدى الحوثيين وقواهم الأخرى المساعدة، والحؤول دون تطورها.


- التشبث بالمناطق المحررة، والتقدم لكسب المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، لضمان حرمانهم من تحقيق الكفاءة والفاعلية للصواريخ والعمليات الأخرى واستمرار تقهقرهم. 
 

ملاحظتان 

 
  • في الحالة الأولى (استمرار التهديد مع الحرب): قد تأخذ الحرب بُعدًا دوليًّا أوسع، تخرج معه من قبضة دول التحالف العربية؛ إذ قد يؤدي تكرار هجمات الحوثيين الصاروخية على السفن، سواء كانت تلك السفن حربية أو مدنية أُصيبت خطأ، إلى ردود أفعال عملية مختلفة، يبرز فيها حجم الدعم الصاروخي الإيراني للحوثيين، الذي سيكون ضمن أهدافه السفن الحربية الأميركية، التي أصبحت، وفقًا لتقرير وول ستريت جورنال، "جزءًا من الحرب الساخنة في اليمن"(29).
 
  • في الحالة الثانية (تراجع التهديد مع استمرار الحرب): قد يتراجع تهديد الصواريخ على مناطق الحدود داخل المملكة السعودية، في حال تمكنت قوات الجيش الوطني من السيطرة على محافظتي حجة وصعدة، وسيتراجع التهديد، كذلك، على السفن الحربية أو المدنية في البحر الأحمر، في حال إحراز الجيش الوطني تقدمًا في مناطق الساحل الغربي للبلاد، وإخضاعها لسيطرته، فيحرم الحوثيين من استخدام هذه المناطق لشن الهجمات على السفن، ومنع تدفق الأسلحة المهربة من خلالها إليهم.

 


التعليقات