لا تَقبرُونِي..
لا أَستطِيعُ المَوتَ وَحدِي
لا أُطِيقُ النَّومَ تَحتَ الأَرضِ
إِنَّ النَّومَ تَحتَ الأَرضِ
أَثقَلُ مِن قَذَائِفِ مَوطِني
وأَمَرُّ مِن أَرَقِ السُّجُونِ
حَلَّفتُكُم باللّهِ
بالإِسلامِ
بالقرآنِ
باللَّفظِ الحَنُونِ
وبكُلِّ ما يُحكَى ويُحلَفُ باسمِهِ
لا تُطفِئُونِي بالتُّرابِ وتَرحَلُوا..
أَنَا لَم أَزَلْ طِفلًا..
دَمِي ما احْمَرَّ بَعدُ
ولا رَأَتْ عُمرًا عيونِي
فَعَلَامَ تَرتَقِبُونَ إِغماضِي
وصُفرَةَ وَجْنَتِي
كَي تَرحَلُوا _إِن غِبتُ_ دُونِي!
لا تَقبِرُونِي..
أُمِّي سَتُوقِظُنِي غَدًا
فَبِدَايَةُ العامِ الجَدِيدِ قريبةٌ
وأَنا أَنَامُ مُبكِّرًا
لِأَكُونَ أَوَّلَ مَن يُسَلِّمُ بالنَّشِيدِ علَيكُمُ
وعلى الوَطَنْ
لِي مَقعَدٌ في الفَصلِ
يَرْقُبُ عَودَتِي
وحَقِيبةٌ تَحتَ الوِسَادَةِ
مَنهَجُ العامِ القَدِيمِ بها
يَحِنُّ إِلَى الجَدِيدِ معي
غَدًا سَأُعِيدُهُ
وأُعِيدُ لُعبَةَ صاحِبي
وسَأَشتَرِي كُرَّاسَةً لِلرَّسمِ
أَرسمُ مَوطِنِي شَجَرًا وأَنهارًا بها
ومَنَازِلًا مَحفُوفَةً بالوَردِ والأَلحَانِ
خَالِيَةً مِن البَارُودِ والأَشلاءِ
والمَوتِ الجُنُونِي
لا تَقبرُونِي..
مَن سَوفَ يُقنِعُ مَقعَدِي في الفَصلِ
أَنِّي مُتُّ
مَن سَيُعِيدُ لُعبَةَ صاحِبي
ويُغَيِّرُ الكُتُبَ القَدِيمَةْ!
مَن سَوفَ يَرسمُ مَوطِنِي بَعدِي
إِذا ما غِبتُ
عَن يائِي
وعَن مِيمِي
ونُونِي!
لا تَقبِرُونِي..
لا تَحجُبُوا خَدَّيَّ عَن أُمِّي
ولا تَضَعُوا التُّرَابَ عَلَيَّ
إِنْ ذَبُلَت غُصُونِي
أُمِّي سَتُوقِظُنِي بِقُبْلَتِها
وتَغسِلُ كُلَّ هذا المَوتِ عَن جَسَدِي
بِخَمْسِ سَنَابِلِ
وتُعِيدُ أَنفاسِي إِذا ما اصْفَرَّ وَجهِي
واستَقَرَّ دَمِي بحُنجُرَتِي
وبَرْدِ أَنَامِلِي
ومَفَاصِلِي
وتَقُولُ لِلأَيَّامِ: كُونِي
فَتُفِيقُ ثانِيَةً جُفُونِي
لا تَقبِرُونِي..
لا تُخرِجُونِي مِن حَيَاتِي
قَبلَ إِدرَاكِي لِماذا مُتُّ
أَو ماذا فَعَلتُ بكُم
وأَعرِفُ قاتِلِي
وأَمُوتُ حَيًّا فِي سُكُونِي
لا تَقبِرُونِي..