[ مساعدات لأهالي الحديدة - فرانس برس ]
ينتظر أهالي الحديدة ساعة الصفر لبدء المعارك في مدينتهم. بعضهم نزح إلى مناطق أخرى آمنة، في وقت فضل آخرون البقاء. ووضعوا سيناريوهات للصمود في حال بدء المعارك، محاولين الاستفادة مما عانته المدن الأخرى
بات سكّان مدينة الحديدة الساحليّة على يقين من وصول الحرب إلى مدينتهم، في ظلّ توقعات بقدوم قوّات التحالف العربي إلى المدينة، ما دفع بعضهم إلى النزوح في وقت قرر آخرون البقاء.
يأخذ سكان الحديدة في الاعتبار ما عاناه أهالي مدينتي عدن وتعز من مآسٍ قبل سنوات قليلة، خلال تحريرهما من جماعة أنصار الله الحوثيين. وتعدّ ظروف الحديدة مشابهة لمدينة عدن إلى حد كبير. في الأيام الأخيرة لعمليّة تحريرها التي استمرّت ستّة أشهر، كانت هناك غارات جوية كثيفة، نحو 200 غارة يومياً، عدا عن الاشتباكات المستمرة في الشوارع، واتخاذ قناصين مواقع عدة.
ولعلّ أهم التحديات التي تجعل السكان عاجزين عن حماية أنفسهم أثناء الحرب، هو عدم توفّر المال وقد حُرم الأهالي من الرواتب لعام ونصف العام، وانعدمت مصادر أخرى للدخل، مثل صيد الأسماك، وهي مهنة معظم فقراء المدينة، بسبب مخاطر الصيد في ظل القصف من طرفي الحرب، إضافة إلى وضع الحوثيّين عدداً كبيراً من الألغام البحرية.
وعلى الرغم من أن أعداداً كبيرة من سكان الحديدة نزحوا إلى مناطق مختلفة، إلا أن نسبة لا بأس بها أيضاً آثرت البقاء. وما زال آخرون يدرسون إمكانيات النزوح ويأملون حدوث اتفاق سياسي قبل وصول المواجهات إليهم. ساعة الصفر قد تأتي في أية لحظة، لا سيما مع سرعة وصول قوات الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي إلى أطراف المدينة وبعض المرافق الحكومية والمواقع العسكرية خلال أيام العيد. ويبدو أنّ البعض وضع خططاً استعداداً لها.
أولئك الذين يعيشون في بيوت مستأجرة ولديهم من المال ما يكفي يميلون إلى حزم أمتعتهم والرحيل عن المدينة. أما الذين يملكون مساكنهم، فيخطّط الذكور منهم للبقاء فيها لحمايتها من أي اقتحام واستخدامها كمواقع للقناصة وبالتالي تدميرها أو نهب محتوياتها، على أن ينتقل الأطفال والنساء إلى مدن أو قرى أكثر أمناً، أو يعودون إلى مناطقهم الأصلية، علماً أنهم يملكون القليل من المال.
يعرف سكان الحديدة أنّ من سيبقى في مسكنه سيواجه تحديات كثيرة، منها تأمين المأكل والمشرب خلال فترة الاشتباكات. هذه المدينة الفقيرة جداً لا تكثر فيها الأسواق ومقدمو الخدمات، ومن سيعرض شيئاً للبيع سيرفع قيمته أضعاف أسعاره الأصلية. لذا، لجأ عدد كبير من المقتدرين إلى تخزين ما يكفيهم من غذاء ومياه والاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية.
في السياق، ينصح بعض الناشطين الحقوقيين الأهالي، لا سيما القاطنين في أطراف المدينة، النزوح فوراً قبل أن ترتفع أسعار النقل وتقل فرص النزوح أو تغلق منافذ المدينة. يقول الناشط يحيى عبدالله إن النزوح الممكن اليوم قد يكون مستحيلاً غداً، إما لعدم توفر وسائل النقل أو المشتقات النفطية أو ارتفاع الأسعار.
"إذا كانت كلفة انتقال الأسر من الحديدة إلى محافظة ريمة المجاورة تصل إلى 20 ألف ريال يمني (نحو 80 دولاراً) اليوم مثلاً، ستكون بعد أيام 60 ألف ريال (نحو 240 دولاراً)، وهو مبلغ كبير لا تستطيع أسر كثيرة تأمينه". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن بدل انتقال الأسر من مكان إلى آخر "سيكون مرتفعاً جداً. الأمر فرصة ثمينة لسائقي سيارات النقل والأجرة لاستغلال ظروف الناس الهاربين من الموت في ظل غياب السلطات الرقابية".
وتسبّب تقدّم القوات العسكرية التابعة للحكومة الشرعية من جهة الخوخة جنوباً بتوقف معظم الأعمال الإنسانية وتوفير الخدمات العامة التي هي على علاقة وثيقة بحياة وصحة السكان الذين يعانون من الفقر المدقع.
وتؤكّد مصادر عاملة في المجال الإنساني لـ "العربي الجديد" بأن "المنظمات تسارع الإعلان بأن أنشطتها مستمرة في محافظة الحديدة هذه الأيام للترويج المضلل أمام مموليها، غير أن الحقيقة أنها تعمل في المناطق الآمنة وشبه الآمنة في مناطق أخرى ضمن محافظة الحديدة وليس داخل المدينة، وأكبر برهان على ذلك الحصار الذي تعرض له سكان مدينة تعز لأشهر طويلة، في الوقت الذي لم تجرؤ المنظمات حتى على التصريح بوجود حصار".
ويعدّ عدم توفر المياه إحدى أهم المشاكل التي تواجهها الأسر في الحديدة. ويحرص سكان المدينة على تعويض ما تفقده أجسامهم من سوائل بسبب الحر الشديد، والاستحمام للتخفيف من الحر، والوقاية من الأمراض. وهناك تخوف من توقف تشغيل شبكات المياه بسبب احتمال توقف المنظمات الدولية عن توفير الوقود وأجور عاملي مؤسسة المياه أو ضرب مرافق تزويد المياه أو الخزانات العامة، تماماً كما حدث في مدينتي تعز وعدن في عام 2015، ومؤخّراً في ثلاث مديريات في محافظة الحديدة. أما الكهرباء، فهي غير متوفرة منذ نحو أربع سنوات، ما يجعلهم يعيشون ظروفاً صعبة خلال فترة الصيف الحار.
الأسر الأفضل حالاً لا تمتلك المكيفات بل المراوح في أفضل الظروف، والتي لا تقيهم الحر الشديد. والأشخاص الذين اعتادوا الخروج من منازلهم هرباً من الحر، لن يكونوا قادرين على الخروج تجنباً لرصاص الاشتباكات.
ويرتفع احتمال تعرّض أهالي المدينة لأمراض خطيرة مثل الكوليرا وحمى الضنك والملاريا والإسهالات من جرّاء تسرّب مياه الصرف الصحي إلى أسطح الشوارع، بسبب تفاقم مشكلة الصرف الصحي أثناء الحرب.
وتقع مدينة الحديدة غرب اليمن على ساحل البحر الأحمر، وتمثل الشريان الرئيسي لمدن اليمن بما نسبته 75 في المائة من احتياجات كافة سكان البلاد من السلع والمواد الغذائية. وقد ارتفعت أصوات المنظمات الدولية مؤخراً اعتراضاً على وصول الحرب إلى المدينة، خشية تعطّل خط الإمداد الإنساني والتجاري وتفاقم الوضع الإنساني للحديدة، والتي تعد أكثر المحافظات اليمنية بؤساً وفقراً.