[ مسلحون قبليون على حدود البيضاء (عبد الله القادري/الأناضول) ]
أيقظت دماء امرأة يمنية، أقر الحوثيون بقتلها مطلع شهر رمضان في محافظة البيضاء، نخوة عشرات القبائل التي دفنت رأسها في رمال النزاع اليمني منذ سنوات، وتخلّت عن دورها المعتاد كشوكة ميزان لأحداث عصيبة شهدها البلد منذ عقود.
منذ اجتياح صنعاء أواخر سبتمبر/أيلول 2014، نجح الحوثي في تفكيك القبيلة، وتوّجت أحداث 2 ديسمبر/كانون الأول 2017 نهاية دراماتيكية لقبائل طوق صنعاء، التي عمل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح على "تسمينها" باعتبارها صمام أمان له، لتتركه يلاقي مصيره المأساوي بعد عجزها عن تلبية دعوته لما عُرف بـ"انتفاضة صنعاء".
وطيلة السنوات الماضية استباح الحوثيون القبائل اليمنية من صعدة وحتى البيضاء وحوّلوها إلى مجرد خزّان يمدّهم بالمقاتلين فقط، لكن يبدو أن قبائل البيضاء في طريقها لرد الاعتبار، بعد أن أصبحت الوحيدة التي تقول "لا"، في وجه بطش الحوثيين المستفحل منذ 5 سنوات.
وتحوّلت البيضاء، وهي محافظة شمالية قارعت نظام الأئمة الذي ينحدر منه الحوثي لسنوات طويلة، إلى محور اهتمام الشارع اليمني بشكل عام خلال الأيام الماضية، بعد اتهامها الحوثيين بـ"هتك الأعراض"، وتهديدها بقتالهم في حال عدم رفع أذاهم عن بلداتهم النائية.
وتعود القصة إلى نهار الرابع من رمضان الحالي (27 إبريل/نيسان الماضي)، حين نفّذ الحوثيون حملة أمنية واسعة على مديرية الطفه للقبض على من يصفونهم بـ"الدواعش"، وهي تهمة اعتادت الجماعة إلصاقها بكل طرف يناهضها أو يرفض الإذعان لها منذ سنوات. ووفقاً لمعلومات "العربي الجديد"، فقد أقدمت قوات حوثية على محاصرة منزل مواطن يُدعى حسين الأصبحي، بهدف اعتقاله، إلا أنه قاومهم بسلاحه الشخصي ليتمكن من الفرار إلى جهة غير معلومة، ليداهم الحوثيون المنزل بعد توقف إطلاق النار ويقوموا بتفتيشه. ووفقاً لمصادر قبلية، لم يكن في المنزل ساعتها سوى فتاة تُدعى جهاد الأصبحي، وهي زوجة أحد أبناء صاحب المنزل، فقامت العناصر الحوثية بفتح النيران عليها وقتلها على الفور.
ويُتهم المسؤولون الأمنيون، الذين تعيّنهم جماعة الحوثي على المحافظات تحت مسمى "مشرفين"، بارتكاب انتهاكات مختلفة تتغاضى القبائل عن غالبيتها تجنباً للبطش، لكن يبدو أن دماء جهاد الأصبحي كانت بمثابة الشرارة للانتفاض على ممارسات الحوثيين.
ولجأ أهالي الضحية إلى الزعيم القبلي البارز ياسر العواضي، باعتباره شيخاً لبلدة "آل عواض" في مديرية ردمان، طالبين الحماية من الرجل الذي فضّل الاعتكاف في مسقط رأسه منذ اختفائه الغامض عقب مقتل رفيقه علي عبدالله صالح. وخلافاً لباقي القضايا التي دُفنت لأنها لم تخرج للعلن، استغل العواضي، وهو الأمين العام المساعد لحزب "المؤتمر الشعبي العام"، حضوره الكبير في موقع "تويتر"، في تحويل دماء جهاد الأصبحي إلى قضية رأي عام، ومن هناك توعّد الحوثيين بقتالهم إذا لم يرفعوا مسلحيهم خلال 3 أيام.
أجبر التهديد الذي أطلقه العواضي جماعة الحوثي على الإقرار بمسؤوليتها عن قتل جهاد الأصبحي، ومن أجل ذلك أوفدت لجنة من صنعاء إلى البيضاء للصلح القبلي في مسعى منها لاحتواء القضية، وقالت إنها بتوجيه مباشر من زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي.
اللجنة الحوثية، التي ضمّت قيادات بارزة على رأسها الأمين العام لمكتبها السياسي فضل أبو طالب، ونائب وزير خارجية الجماعة حسين العزي، حاولت إنهاء القضية بمعزل عن العواضي، إذ زارت شيخاً قبلياً آخر موالياً لها، وأرجعت أسباب القتل إلى "سوء فهم"، كما عرضت 5 بندقيات كلاشينكوف كرد اعتبار للقبيلة أو ما يُعرف بـ"التهجير".
حاولت اللجنة دفن القضية بإشهار وثيقة صلح لم تتطرق إلى معاقبة الجناة، لكن الشيخ العواضي أعاد القضية إلى مربع الصفر، بإعلانه أن سلطنة عُمان دخلت في خط الوساطة وطلبت منه مهلة إضافية للحوثيين، لافتاً إلى أنه بعد التشاور مع أولياء الدم ومشايخ المنطقة، قرروا "إكراماً للأشقاء في السلطنة منح المهلة الجديدة التي طلبوها، لكن الأيادي على الزناد وكل القبائل في متاريسها".
وعلى الرغم من اتهامه من قبل قيادات الحوثي بالسعي من أجل تفجير حرب تخدم الشرعية، إلا أن العواضي أعلن مراراً رفضه أي دعم يقدّمه التحالف السعودي أو الجيش الوطني، واكتفى بدعوة قبائل البيضاء لمساندته والتصدي لأي تعزيزات حوثية تصل من صنعاء إلى المنطقة.
وعلى الرغم من التفاف قبائل جديدة حول دعوة العواضي، إلا أن جماعة الحوثي رفضت تقديم تنازلات وتسليم الجناة لمحاكمتهم، وساق المفاوض الحوثي في اللجنة، حسين العزي، جملة من المبررات لجريمة القتل، وقال إن جهاد الأصبحي قُتلت "في ظروف ملتبسة"، وزعم أن أهلها أبلغوهم أنها كانت قد شاركت في الاشتباكات وحملت السلاح ضد عناصرهم الأمنية. لم يكتفِ القيادي الحوثي بذلك بل اتهم أهلها بأنهم عناصر في تنظيم "القاعدة"، وزعم أن الحملة الأمنية كانت تتعقب الإرهابيين الذين فروا إلى بيت جهاد الأصبحي باعتبار زوجها أو قريبها أحد تلك العناصر المطلوبة.
وحتى يوم أمس الإثنين، استطاعت قبائل البيضاء إحراج الحوثيين وتحقيق نصر معنوي غير مسبوق، لكن على الأرض قد يكون الوضع مختلفاً في حال قررت جماعة الحوثيين إرسال حملة عسكرية تقمع انتفاضة القبائل، ولها سوابق متعددة في التعامل مع ذلك كما حصل أخيراً في حجور بمحافظة حجة.
وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن جماعة الحوثيين تستعد لإيفاد لجنة تضم أسماء جديدة من صنعاء للقاء الشيخ ياسر العواضي، الذي تجاهلته اللجنة السابقة، في مسعى منها لاحتواء معركة تقرع طبولها بشكل كبير، ويتوافد المقاتلون للانخراط فيها من قبائل البيضاء ومأرب.
وتحشد قبائل في محافظات مأرب والجوف والبيضاء وشبوة وأبين، لمساندة قبائل آل عواض في انتفاضتها ضد الحوثيين. كما أكدت قبائل مراد وعبيدة في مأرب تلبية "نداء النابي والنكف القبلي" (نداء تطلقه القبائل للتحشيد والنفير) لقبائل البيضاء، وحشدت أفرادها إلى جبهات البيضاء، في الوقت الذي أعلنت فيه قبائل باكازم والعوالق والحارثي وبن هلال في أبين وشبوة مساندتها لقبائل البيضاء، كما أعلنت قبائل يافع عن بدء تحشيد بالتنسيق مع قبائل آل حميقان والزاهر في البيضاء لتفعيل الجبهات دعماً لقبائل آل عواض والأصبحي. في المقابل، وعلى الرغم من أن بعض الوجاهات القبلية تسعى لتخفيف التصعيد، فإن الحوثيين يعملون أيضاً على حشد قواتهم من ذمار وصنعاء وإب إلى البيضاء لشن عملية عسكرية.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة الشرعية والجيش الوطني حيال التوتر الحاصل في البيضاء، لكن مستشار الرئيس اليمني أحمد عبيد بن دغر، أعلن الوقوف مع ياسر العواضي ومناصريه رفضاً للظلم، لافتاً إلى أن جريمة قتل جهاد الأصبحي ليست سوى واحدة من جرائم الحوثيين ومتصلة بتاريخ ممتد من جرائم نظام الأئمة باليمن. وقال بن دغر، على "تويتر"، ليل الأحد الماضي "يجب أن يكون الجيش جاهزاً لدعم الانتفاضة، ودعم الشيخ ياسر إذا طلب الدعم، والله ما هُزم الحجوريون إلا لأننا لم نكن مستعدين لدعمهم... تذكروا أن هناك عدواً واحداً هو الحوثي، فلنوحد الصفوف لهزيمته".
وخلافاً لمعركة حجور في حجة، يشعر الحوثيون أن معركة البيضاء ستكون مختلفة في حال انفجرت شرارتها رسمياً، نظراً لتواجد الجيش الوطني بالقرب من معاقل الشيخ العواضي، وبالإمكان الالتحام في جبهة واحدة يشارك فيها أيضاً الطيران السعودي. وقال مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" إن "الجيش الوطني يتواجد بالفعل في مركز مديرية قانية التي تشرف على قبائل "آل عواض"، وإذا ما طلب الشيخ العواضي التدخل، ستكون هناك خطوط إمداد رئيسية من مأرب ومقر قوات التحالف إلى مناطق المواجهات".