[ نازحون في مأرب ]
تمثل محافظة مأرب (شرق) أكثر محافظات اليمن استيعاباً للنازحين منذ العام 2015، إذ بلغ تعدادهم أكثر من مليوني جزء منهم يعيش في مخيمات موزعة في مديريات المحافظة، منها 197 مخيمًا فقط في أربع مديريات تضم أكثر من 55 ألف أسرة؛ والذين يعيشون أوضاعًا معيشية صعبة للغاية، إذ يفتقدون لأبسط الاحتياجات الأساسية كمياه الشرب النظيفة ودورات المياه، بل أحيانًا تكون دورة المياه الواحدة لأربع أسر، وفي أوقات كثيرة لا يتوفر الماء والغذاء الكافيان؛ مما يتسبب في انتشار الأمراض والأوبئة في ظل افتقار معظم المخيمات لخدمات صحية كافية (…) وهو الوضع الذي يتفاقم في فصل الشتاء مع البرد القارس مع افتقاد المخيمات لأبسط الاحتياجات في بيئة صحراوية مناخها قاس (…) واقع هذه المخيمات يزداد سوءًا حتى بات حاليًا ينذر بكارثة إنسانية وشيكة، كما حذر تقرير حديث صادر عن الوحدة التنفيذية للنازحين هناك.
ويحتل اليمن المرتبة الخامسة في قائمة أكثر دول العالم من حيث عدد النازحين داخليًا. وتسببت الحرب المستعرة هناك منذ ثماني سنوات بنزوح داخلي لـ 4.3 مليون نسمة، يعاني الكثير من التشرد والجوع ويفتقدون إلى الاحتياجات الضرورية، ما يضاعف من معاناتهم في ظل تجاهل المنظمات الإنسانية لتوفير احتياجاتهم الكافية.
تبدأ المأساة من موقع المخيمات؛ فعلى صعيد الموقع وحسب نتائج تقرير المسح، فإن 95 بالمخيمات في المديريات الأربع (مدينة مأرب، مأرب الوادي، رغوان، حريب) تقع في أراض رملية وزراعية على مجاري الأودية، ما يجعلها في الصيف أكثر عرضة للسيول والفيضانات، خصوصًا أن 88 بالمئة من المخيمات لا تحتوي على أنظمة مناسبة لتصريف مياه الأمطار والسيول، ونتيجة لهذا تعرضت هذه المخيمات لأضرار ومخاطر خلال السيول والفيضانات الأخيرة في يوليو/تموز الماضي، بالإضافة إلى معاناتها صيفًا من الحرارة الشديدة.
أما في فصل الشتاء، ونتيجة البرد القارس الناتج عن المناخ الصحراوي في ظل افتقار معظم النازحين لملابس وأغطية وخيام مناسبة للوقاية من البرد القارس (…) فالحال يصل إلى إعلان وفيات نتيجة أسباب منها البرد القارس. وتسببت موجات الصقيع والبرد القارس بمزيد من المعاناة في المخيمات باعتبارها تتكون من خيام مهترئة ومآو متهالكة لا تحمي ولا تقي من البرد؛ كما لا تحمي الأجساد من الصقيع؛ وهي أجساد ضعيفة لا تحتمل المعاناة، ولاسيما مع نقص حاد في مستلزمات المأوى والمواد الإيوائية وإمدادات الغذاء والدواء ولوازم الشتاء، خاصة أن مناخ محافظة مأرب قاس مع طبيعة صحراوية شديدة الجفاف والبرودة خلال فصل الشتاء، حيث تنزل درجات الحرارة إلى 2 تحت الصفر؛ الأمر الذي يجعل النازحين عرضة لآثار البرد لاسيما مع افتقادهم لأبسط الاحتياجات. وحذر تقرير الوحدة التنفيذية للنازحين بمأرب من كارثة تبلغ ذروتها لدى سكان المخيمات لاسيما مع فقد بعض السكان حياتهم بسبب البرد، وفق التقرير، الذي يؤكد أن البرد القارس تسبب منذ ديسمبر/كانون الأول وحتى مطلع يناير/كانون الثاني في وفاة ستة نازحين داخل المخيمات متجمدين من البرد، منها ثلاث حالات وفاة لأطفال حديثي الولادة في ظل ما تعانيه الأسر النازحة من أوضاع متردية اقتصاديًا في المخيمات.
ما يُضاعف من المعاناة أن أعداد النازحين تزاد كل عام، وبالمقابل تنقص المساعدات الإنسانية المقدمة، وحسب التقرير لا تستجيب معظم المنظمات الإنسانية للمناشدات الإغاثية لمخيمات النازحين إلا بعد وقوع الكارثة، مما ينذر بمؤشرات خطيرة قد تؤدي بوقوع حالات وفاة أكثر بسبب البرد بين النازحين، الذين يفتقدون لأبسط الاحتياجات بما فيها وسائل التدفئة ومواد الإيواء، والملابس الشتوية؛ وهو واقع يزداد سوءاً يوماً بعد آخر مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وعلى الصعيد الصحي، تعاني المنشآت الطبية من قلة الكوادر الطبيعة ومحدودة الدعم وشحة العقاقير الطبية اللازمة في ظل الضغط على المراكز الصحية القليلة، وغير قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من المرضي.
وتشهد مخيمات النازحين ظروفًا صحية سيئة تنعكس حتمًا بشكل سلبي على حياة معظم الناس وصحتهم؛ إذ تنتشر الأمراض التنفسية والجلدية على نطاق واسع بين النازحين، علمًا أن برامج وخدمات العيادات المتنقلة التي تقدم الرعاية الصحية الأولية توقفت عن النزول في كثير من المخيمات في ظل ادعاءات نقص التمويل؛ مما أدى إلى انعدام شبه كامل وتوقف الرعاية الطبية والصحية والتغذوية للنساء الحوامل والأطفال؛ وهذا مؤشر ينذر بكارثة وشيكة، حسب ما ورد في التقرير الذي أطلعت عليه «القدس العربي».
كما كشف التقرير أن 62 ٪ من سكان المخيمات المديريات الأربع هم من الأشخاص الأكثر ضعفًا في التركيبة السكانية، ما يفاقم المشكلة الإنسانية لتوفير احتياجاتهم الضرورية بما فيها احتياجات الشتاء (…) وكشف التقرير افتقار معظم النازحين ومعظمهم من النساء والأطفال والعجزة، إلى أبسط الاحتياجات الشتوية، ما يضاعف من معاناتهم وينذر بكارثة تشمل كل المخيمات في المحافظة.
وأظهرت نتائج المسح أن عدد الاطفال الذكور كأرباب أسر بلغ 1317، والفتيات كأرباب أسر 212، والأطفال الذكور غير المصحوبين عددهم 2795، وكبار السن غير المصحوبين 530، وعدد النساء الأرامل 2403، والنساء المطلقات 966، ونساء تعول أسر 6160، والحالات المرضية المزمنة 1715، والحالات المرضية الخطيرة 458، والحالات ذوي الإعاقة الذهنية 472، والحالات ذوي الإعاقة الجسدية 1869، ووفقًا للمسح فإن وجود هذا العدد من حالات الضعف في التركيبة السكانية للمخيمات يفاقم المشكلة الإنسانية في المخيمات، لاسيما أن المسح كشف على صعيد الخدمات الصحية أن 139 مخيمًا تتلقى خدمات صحية بواسطة عيادات متنقلة وقريبة من مرافق صحية، بينما عدد المخيمات التي لم تتلق الأسر فيها أي خدمات هو 58 مخيمًا؛ وهو ما يفاقم المعاناة الإنسانية لسكان المخيمات خصوصًا في فصل الشتاء.
وحسب الاحتياجات الملحة، أظهر المسح أولوية احتياجات الأسر النازحة في مخيمات محافظة مأرب، وتصدر المأوى الانتقالي والمواد الإيوائية كأولوية في كافة المخيمات، تليها الحاجة لتبديل الخيام وتوفير البطانيات بنفس الدرجة (…) مما يؤكد أهمية الحاجة إلى توفير مساعدات شتوية عاجلة. وأظهرت النتائج أن 132 مخيمًا وما نسبته 64 ٪ من المخيمات لا تتواجد فيها خدمات الحماية، وقد وجد أن هذه المخيمات تتركز فيها حالات الضعف.
وحسب الأمم المتحدة، فأن أكثر من 17.8 مليون شخص في اليمن، بما في ذلك 9.2 مليون طفل، يحتاجون إلى خدمات المياه المأمونة والصرف الصحي والنظافة.
وتؤكد المنظمة الدولية أن النظام الصحي في اليمن هش للغاية: 50٪ فقط من المرافق الصحية تعمل، مما يترك 21.9 مليون شخص دون الحصول على الرعاية الصحية الكافية.