[ فرحة عارمة لدى اليمنيين عقب فوز منتخب بلادهم للناشئين بكأس غرب آسيا عام 2021. ]
في "اليمن السعيد" الذي صارت فيه الأخبار السعيدة نادرة بسبب الحرب، تبرز كرة القدم لتنسي اليمنيين ولو مؤقتا مآسيهم. بمشاركاته الخارجية القوية رغم شح الإمكانيات، يهدي باستمرار منتخب الناشئين لجماهيره الفرح ويوحد صفوفهم.
منذ سنوات تعصف باليمن أزمات إنسانية متفاقمة وقتال وتناحر سياسي خاصة عقب انزلاق هذا البلد الفقير إلى الحرب عام 2014. ومن وسط هذا الكم الكبير من الأخبار القاتمة الواردة من اليمن، استطاعت مجموعة من الشباب يلعبون ضمن منتخب اليمن للناشئين تحت 17 عاما، توحيد اليمنيين، على مختلف توجهاتهم، خلفهم.
فاز المنتخب العراقي بلقب كأس الخليج لكرة القدم في نسختها رقم 25 في البصرة، وذلك عقب فوزه المثير على نظيره العماني، في المباراة النهائية للبطولة. وهذا هو اللقب الرابع للعراق في تاريخ مشاركاته في البطولة.
خاض الفريق مباريات ضمن 16 فريقا تنافسوا في بطولة كأس آسيا تحت 17 عاما الشهر المنصرم في تايلاند. ونجح المنتخب اليمني في التأهل إلى ربع نهائي البطولة باحتلاله وصافة المجموعة الأولى خلف تايلاند وبعد فوزه على ماليزيا ولاوس.
وخسر المنتخب اليمني مباراة ربع النهائي عند مواجهته نظيره الإيراني، فيما كان سيعني الفوز ليس فقط التأهل إلى نصف النهائي وإنما تحقيق حلم التأهل إلى نهائيات كأس العالم لهذه الفئة العمرية في إندونيسيا في نوفمبر / تشرين الثاني.
ورغم أن مواجهة الإيرانيين كانت صعبة، وفارق الإمكانيات قدم المنتخب اليمني أداء كرويا قويا قبل أن يخسر بركلات الترجيح بعد انتهاء المباراة بالتعادل السلبي.
ورغم الخسارة، إلا أن أداء المنتخب اليمني الكروي في بطولة تايلاند وفر فرصة لليمنيين للاحتفال والفرح.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يهدي فيها منتخب الناشئين الفرحة لشعب تواق للفرح، فقد فاز قبل عامين منتخب الناشئين ببطولة غرب آسيا للشباب وحينها عمت الاحتفالات كل أرجاء اليمن تقريبا.
كما لقي ذلك الإنجاز الكروي صدى دوليا، حيث انهالت التهاني من مسؤولين أممين ودبلوماسيين غربيين، واعتبر ذلك الفوز وتلك الفرحة الشعبية العارمة من قبل مختلف الأطياف، بمثابة مؤشر على إمكانية توحد اليمنيين في القضايا الخلافية الأخرى.
"كانت تجربة رائعة"
وفي مقابلة مع DW، قال محمد سالم الزريقي، مساعد مدرب منتخب اليمن الشباب، تعليقا على المشاركة الأخيرة، "أنا فخور بهذا الفريق. خضنا مباريات قوية ولولا سوء الحظ، لكنا قد تأهلنا لكأس العالم. لكن الشيء الأكثر أهمية هو التعرف على لاعبي المستقبل".
وكانت المباريات موضع اهتمام من قبل التشيكي ميروسلاف سوكوب، مدرب منتخب اليمن الوطني (الكبار)، الذي حرص على مشاهدة المنافسات في بلده التشيك.
وفي تعليقه، قال سوكوب "كنت أعرف كيف سيكون رد الفعل فيما إذا فاز هذا المنتخب في مباراته ضد إيران. كان سيعطي دفعة قوية للجميع، لكن البطولة كانت تجربة رائعة لمستقبل كرة القدم في هذا البلد وكان المنتخب في حاجة إلى مثل هذه المباريات الصعبة في ظل نقص المباريات داخل البلاد"
يذكران أن المنتخب الوطني اليمني، تحت قيادة سوكوب، خرج من النصف النهائي من دائرة المنافسة في بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم "خليجي 25"، التي أقيمت مؤخرا بمدينة البصرة العراقية.
شح الإمكانيات وندرة المنافسات المحلية
وتجدر الإشارة إلى أن ما حققه منتخب اليمن للناشئين، عكس المنتخب الوطني، يعد إنجازا في ظل تنظيم عدد قليل من المباريات خلال السنوات العشر الماضية جراء الوضع السياسي المتأزم والصراع والقتال منذ عام 2014 عندما سيطر المتمردون الحوثيون بدعم من إيران على العاصمة صنعاء وأطاحوا بالحكومة المعترف بها دوليا. وبعد ذلك تدخلت السعودية التي قادت تحالفا إقليميا في محاولة لإعادة حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي فيما تفاقم الوضع الإنساني مع استمرار الحرب والقتال.
وكان لهذا الأمر الأثر الكبير على عالم الساحرة المستديرة في اليمن حيث قال سوكوب "لا أتذكر آخر مرة لعب فيها المنتخب الوطني على أرضه. الوضع في اليمن بالغ الخطورة ... معظم الملاعب دُمرت جراء الهجمات الصاروخية، لذا لا يوجد الكثير يمكن فعله خاصة وأن اتحاد كرة القدم اليمني ليس ثريا".
وعلى وقع ذلك، يتعين على معظم اللاعبين الاعتماد على بطولات إقليمية قصيرة الأمد أو مباريات ودية متفرقة تجرى في الخارج.
وفي هذا السياق، قال الدولي السابق الزريقي "لقد توقف الدوري اليمني لكرة القدم منذ 2014 بسبب الوضع الأمني وأثر ذلك على مستوى اللاعبين والأندية والمدربين".
ورغم عدم تنظيم مباريات محلية عدة إلا أن الاتحاد اليمني لكرة القدم يعمل بشق الأنفس للمساعدة في بقاء المنتخبات على قيد الحياة فيما طور المدربون أسلوبا جديدا يتماشى مع الوضع الراهن.
وقال سوكوب، فيما يتعلق بالمنتخب الوطني، "لدينا مساعدون في اليمن ونتواصل يوميا مع اللاعبين. ليس من الصعب إيجاد ثلاثة لاعبين لكل مركز عند تدشين معسكر داخل البلاد، لكن هذا العدد ينخفض إلى حوالي 30. وبعد ذلك، يكون هناك معسكر خارج اليمن لنبدأ العمل مع اللاعبين خارج البلاد وداخلها. أقوم بالاتصال باللاعبين المقيمين في الخارج وبعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، تكون هناك فرصة تشكيل فريق مكون من 23 لاعبا".
"طريق طويل" ومستقبل واعد
وتحمل عالم الساحرة المستديرة أسبابا للتفاؤل، إذ رغم قلة المباريات والمنافسات المحلية، إلا أن فريق الناشئين تحت سن 17 عاما قد أظهر قدرته على التنافس مع المنتخبات الأسيوية. وأضاف سوكوب "يثبت ذلك صحة المعايير الفنية الأساسية. وفي حالة تحس البيئة، يمكن أن يصبح اليمن منافسا قوة في آسيا".
من جانبه أشار الزريقي إلى أن استمرار سريان وقف إطلاق النار المبرم العام الماضي، يعد شرطا مسبقا لتحسن عالم كرة القدم، مضيفا "بالطبع سيساعد هذا على عودة كرة القدم".
وأعلن اتحاد كرة القدم اليمني عن تنظيم دوري محلي في وقت لاحق من الشهر الجاري رغم عدم الانتهاء من تحديد الشكل والجدول الزمني والملاعب.
وأضاف الزريقي "نأمل في نجاح الدوري لأنه سوف يساعد اللاعبين على المنافسة بشكل جيد وأيضا سوف يساعد المدربين في اختيار أفضل لاعبي المنتخبات."
وينتظر اليمن تحديا كرويا هاما يتمثل في التأهل لكأس آسيا 2024 تحت 23 سنة التي ستقام في فيتنام في سبتمبر / أيلول فيما سيُجرى إقامة معسكرات تدريب في السعودية ودول جنوب شرق آسيا مع اقتراب انطلاق منافسات المباريات المؤهلة لكأس العالم 2026.
وقال سوكوب: "نعمل جميعا بجد ونأمل أن تظل الأمور مستقرة. إذا كان من الممكن أن يتمتع اليمن بوضع كرة قدم طبيعي، فهناك طريق طويل نسلكه لكننا نخطو خطوات صغيرة."