[ التايمز: أزمة البحر الأحمر تذكّر بالسويس 1956 ]
قال المعلق روجر بويز، في مقال بصحيفة “التايمز”، إن أزمة البحر الأحمر تذكّر بأزمة السويس في منتصف القرن الماضي. لافتاً إلى أن الأمن كان مشدداً أكثر من اللازم في دافوس بسويسرا، وربما “لأن فلساً وقع” (أي فهموا ما كان عليهم فهمه من قبل) بالنسبة للنخبة الاقتصادية: أصبحت العولمة عقيدة المؤتمر في مرمى الهدف. وحقيقة أن الحرب في كل مكان، وتنتشر في معظم المنطقة، ومحولة كل نقطة اختناق بحرية إلى محور خطر محتمل، إغلاق نقل الحبوب الأوكرانية إلى الدول النامية. ثم هناك الخطر الدائم من الحشود البحرية الصينية في آسيا.
ولا يعني أن المشاركين في دافوس يعيشون، منذ نصف قرن، في فقاعة ثلجية، فهم يلوكون الحديث عن أثر الحرب في الشرق الأوسط على أسعار النفط والإرهاب، واستثمروا في الطائرات الخاصة، بحيث يستطيعون الطيران بأمان إلى جبال الألب بدون خوف من الاختطاف، وعبّروا عن قلق من الأنظمة المراوغة التي تسيطر على المصادر المعدنية العالمية.
وزير الدفاع البريطاني: العالم يتحوّل من عالم ما بعد الحرب الباردة إلى عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية
إلا أن هذا العام مختلف، فعالم دافوس المقام بعناية بدأ يفهم أن الحوثيين في اليمن يحتفظون باقتصاد العالم في أيديهم، مقابل فدية، من خلال ضرب القوارب العابرة لمضيق باب المندب.
وزادت كلفة نقل سفن الحاويات والسفن التجارية من آسيا إلى أوروبا، وحوّلت طرقها إلى رأس الرجاء الصالح. وزادت أسعار التأمين للمرور عبر البحر الأحمر.
وتحدث تجار الجملة عن نقص في المواد، ولا تزال هناك قدرة فائضة، وإنْ قليلة، في أسواق النفط والحاويات، لكن الإشارات كثيرة عن تفاقم الأزمات التي قد تقود إلى أزمة سياسية وتحولها إلى ركود اقتصادي، فالاقتصاد الألماني ينكمش، وقد يتبعه الآخرون.
وتتخمّر أزمة البحر الأحمر منذ وقت طويل، وهناك نقص في الماء والنفط في اليمن، وهو بلد فاشل منذ سنين.
وكان نقطة انطلاق لعائلة بن لادن، أرضاً طبيعية للتجنيد لابنها الضالّ أسامة. ولوقت، بدا الفرع اليمني مستقبل “القاعدة”. فقد كان مدفوعاً بالغضب والمهندسين الذي تعلّموا كيفية تفجير الطائرات.
وبعد ذلك ضربَ وليُّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، اليمن بالطائرات، لكنه فشل في تحويله إلى بلد جارٍ موال. ولم تهزم القنابل التي أمطرت الحوثيين الذين دعمتهم إيران. ولم تكن أثرى دولة في العالم العربي قادرة على تدجين أفقرها.
فقد طور الحوثيون قدراتهم العسكرية التي دعمها “الحرس الثوري الإيراني” ومدربون من “حزب الله”، وشنّوا أسراباً من الطائرات ضد المنشآت النفطية السعودية. وهذا يفسر سبب عدم انضمام الرياض للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين في البحر الأحمر، وتأمين التجارة فيه، وقناة السويس.
لقد عاد الحوثيون، ولكن حكماء دافوس والجميع قرروا تجاهلهم، فدماغ دافوس له مدى تذكّر تاريخي قصير. فهل يتذكرون السويس 1956؟ معظمهم لم يكونوا ولدوا حين ذلك. وكانت تلك الأزمة مهمة في تغيير خطوط الصدع لعالم كان في مرحلة انتقالية.
وبدأت عندما أمّمَ جمال عبد الناصر قناة السويس لتشديد الحصار على إسرائيل، وأصدرت بريطانيا وفرنسا تحذيراً نهائياً له، وخاصة أن القناة هي أقصرُ طريق من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي، وجزءٌ من سلاسل الإمداد الاستعمارية، لكنه رفض وأغرق سفناً. وتم الضغط على فرنسا وبريطانيا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حيث تراجعتا.
الكاتب: كان اليمن نقطة انطلاق لعائلة بن لادن، أرضاً طبيعية للتجنيد لابنها الضالّ أسامة. فقد كان مدفوعاً بالغضب والمهندسين الذي تعلّموا كيفية تفجير الطائرات
وكانت أزمة الخمسينات هي أزمة متقاطعة، وإعادة تشكيل الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، ولم يتدخل أحد عندما سحقت الانتفاضة الهنغارية، في عام 1956، إلى جانب حرب باردة بين الدول العربية، وتصاعد في القومية العربية، والتوتر الدائم بين الدول العربية وإسرائيل.
لكن الموازاة بين العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وتلك الأزمة ليست تامة، وتعتمد على من سينتخب للرئاسة الأمريكية.
وإذا حدثت حربٌ باردة، فإنها ستكون في ظل دونالد ترامب، وقد تكون بين واشنطن وبكين. ولو حدث، ستكون نقطة الاختناق البحري هي مضيق ملقة. ولكن أزمة البحر الأحمر، تترك أثرها على التجارة الصينية مع أوروبا. وظهر الرئيس الأوكراني، فولدومير زيلينسكي، يوم الثلاثاء، في دافوس، حيث ناشد الغرب باتخاذ خطوات قوية ضد النفط الروسي.
ومعضلة زيلينسكي هي أنه يطالب الغرب بإلحاق آلام اقتصادية ضد روسيا، وتقديمها، في الوقت نفسه، كقوة منكمشة يمكن التغلب عليها. ولا يزال المشاركون في دافوس قلقين حول ما سيحدث حالة فتح المجال فلاديمير بوتين المجهض لشيء أسوأ من هذا.
ومثل هنغاريا 1956، يمكن للغرب أن يحرف نظره ويقبل أن أوكرانيا تنتمي بطريقة أو بأخرى لعالم التأثير الروسي.
أما التوتر بين الدول العربية وإسرائيل، فليس سهلاً، ولا يمكن مقارنته بعام 1956، والكثير يعتمد على الطريقة التي ستستخدم فيها إيران أخطبوطها، وجماعاتها الوكيلة التي استخدمتها طهران للمواجهة وممارسة الضغط على إسرائيل والداعمين لها.
وقال غرانت شابس، وزير الدفاع البريطاني، في خطاب له هذا الأسبوع، إن العالم يتحوّل من عالم ما بعد الحرب إلى عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية. وهو أمر يستحق المناقشة على قمة جبال سويسرا.