[ إحدى مكاتب مدينة تعز ]
يسرد حسام الحاتمي معاناته في الحصول على الكتب وهو شاب تشكل المطالعة جزء من أهم روتينه اليومي ضمن مجال اهتمامه في مكتبات تعز وأسواق الكتب.
يقول الحاتمي "بالقرب من مسكني في شارع جمال، أحب زيارة المكاتب، لا لأشتري كتباً، بل لزيارة ذلك العالم الذي أحبه وأفتقده، ولقياس مسألتي الثقافة والكتاب بالنسبة لتعز، أجدها كتباً قديمة، لم تعد محل اهتمام الكثيرين خصوصاً، الجيل الصاعد الذي انفتح كثيراً نحو القراءة الشاملة والكتابة الإبداعية والنقدية".
في حديثه لـ "الموقع بوست يضيف الحاتمي "الزائر من هؤلاء لمكاتب تعز لن يجد مراده، وسيخرج متحسراً على الثقافة بتعز، ويتابع "زرت مرة، إحدى المكاتب وقلبت الكتب فيها كثيراً، كان العامل، يأخذني من قسم إلى آخر، قلت له: ما لهذه المكتبة خاوية. جاء عامل آخر: وسألني عما أبحث؟ قلت له: هل معكم كتب المفكر "على عزت بيجوفيتش؟" قال: للأسف! وأخذت أتناقش وأياه لما يقارب الساعة والنصف، عن بيجوفيتش والفكر والثقافة بتعز، وفقدان مكتبة تعز للرواية والكتب الفكرية والأدبية المعاصرة".
اثر الحرب تأثر كل شيء في تعز واليمن عامة، فالحرب لا تدع شيء كما هو، وذلك الكتب والثقافة، أحد الأشياء التي نالت نصيباً كبيراً من خراب الحرب، وفي تعز خصوصاً، حيث كانت رائدة في هذا المجال.
طفرة ثقافية
محمود، مالك متجر كتب ورقية في تعز يرجع لـ "الموقع بوست" سبب اختفاء العناوين الجيدة من المكتبات إلى قلة اهتمام أصحاب المكاتب بتجديد الفكر وعنواين الكتب المميزة، حيث يرى أنه أصبح اليوم ما يهمه تاجر الكتب هو كيف يكسب المال وليس كيف يعطي ثقافة ذو قيمة لمجتمعه، بينما تحولت غالبية المكتبات إلى بيع القرطاسية.
وعن مدى إقبال القراء على شراء الكتب يشير إلى أنه لم يعد يوجد سوى قله قليلة ممن يرتادون المكتبات، الأمر الذي يراه من وجهة نظره يعزى لأسباب كثيرة.
ويسرد معوقات توفير الكتب الجيدة ومنها "الأزمة والحرب وقلة رأس المال وأن توفير كل ما يحتاجه القراء يحتاج إلى رأس مال كبير في الوقت الذي لا يستطيع الفرد اليمني توفير قوت يومه، لذلك عند قلة رأس المال نهتم بتوفير الكتب المطلوبة فقط والتي لها اقبال كالقراطاسية والمصاحف كذلك".
يشير إلى أنه لا يوجد أي قيود لمنع من دخول بعض الكتب تفرضها السلطات الحاكمة في نطاق الحكومة في عدن ولكن يتحدث عن ارتفاع الضرائب التي فرضتها الحكومات على الكتب كما يؤكد على أن من المفترض أن تقوم الحكومة بدعم الثقافة في اليمن والكتاب عن طريق تخفيض الضرائب عليها.
في السياق ذاته يقول محمود إن الكتب ارتفعت أسعارها نتيجة لارتفاع أسعار الصرف والعملات مقابل العملات الاجنبية، اضافة إلى ارتفاع الضرائب المفروضة والرسوم التي تأخذ في شركات ومكاتب نقل البضاعة وزيادة أسعار الأوراق والكتب في دور النشر خارج البلاد.
ويلفت النظر إلى أسباب أخرى عملت على تقليص سوق الكتاب من قبيل زيادة جهل المجتمع والفرد بأهمية المطالعة وانشغال الفرد بأشياء أخرى إلى جانب البطالة في البلاد، كل ذلك يؤدي إلى تدهور الاهتمامات وخاصة الاهتمامات الثقافية وهذا ما نلاحظه واضحا في السنين الأخيرة، إضافة إلى وجود عامل الإنترنت.
القرطاسية بديلا عن الكتب
وبحسب استطلاع على المكتبات المتاحة في مدينة تعز فإن الكتب التي يقبل عليها القراء هي كتب المقررات الجامعية الكتب الدينية كالمصاحف ثم تأتي الروايات وكتب التنمية البشرية والكتب السياسية والتسويق في علوم الإدارة.
يرى عيبان السامعي وهو باحث في علوم الاجتماع أن شهدت سنوات الحرب ولا سميا (2016-2019) ازدهار كبير في بيع الكتب على الأرصفة في الشوارع.
ويضيف أن تلك الكتب المعروضة في الشوارع كانت منهوبة "طبعاً كانت أغلب الكتب التي يتم بيعها منهوبة من مراكز ثقافية ومقرات منظمات حقوقية ومدارس ومكتبات منزلية تعود ملكيتها لشخصيات معروفة".
ويشير بقوله: "هناك بعض الأشخاص ممن لديهم مكتبات شخصية قرروا بيعها مقابل الحصول على المال بعد أن سلبت منهم الحرب كل شيء وأصبحوا تحت خط الفقر".
الحرب والوضع المعيشي
وينهي السامعي حديثه لـ "الموقع بوست" بالقول:" استطيع أن أؤكد لك أن أكثر من نصف محتويات مكتبتي الشخصية التي يتجاوز عدد عناوينها ال(1500) عنوان كانت من هذه الارصفة، فقد اشتريت عدد كبير من الكتب والمجلات النوعية من أرصفة التحرير والباب الكبير".
وبحسب استطلاع "الموقع بوست" عن بائعي الكتب في الأرصفة، يلاحظ اختفاء الكتب الفكرية من الأرصفة مقارنة في سنوات سابقة، إذ أن الكتب المعروضة على الأرصفة هي كتب مناهج دارسية فحسب، أما الكتب الثقافية فهي نادرة وأن وجدت فإنها مخبأة لا تعرض لكساد تجارتها وقلة الطلب عليها".
يقول محمد وهو بائعي الكتب على الرصيف إن كل ما يعرضه من كتب هي مناهج دراسية فقط، لإن الإقبال عليها كثيرا فيما الكتب الثقافية لم يعد يعرضها، لأن الاقبال عليها قل، ويرى أن ذلك يعود لاستحواذ الكتب الإلكترونية يديلا عن الكتاب الورقي.
ويؤكد "حسام الحاتمي" أن الكتاب الإلكتروني ليس بديلاٌ عن الكتب الورقية، فالكتاب الورقي مرهقاً صحيا لعيوننا، وهذا السبب الذي سيجعل من القراء العودة إلى الكتاب الورقي".