حقق تطبيق تلغرام نموًا واضحًا منذ إطلاقه قبل سنتين ونصف (تحديدًا يوم 14 أغسطس/ آب 2013)، إذ يصل اليوم وفق أرقام رسمية إلى 100 مليون مستخدم شهرياً، بمعدل 350 ألف مستخدم جديد كل يوم، و15 مليار رسالة بين المستخدمين كل يوم. أرقام قوية لتطبيق مراسلة جديد، ربما لم يكن يعتقد الكثيرون أنه سيبني هذا النجاح الكبير وهو الذي تنافسه تطبيقات أخرى مشابهة، خاصة واتس آب وفيسبوك ماسنجر.
وقد لا يظهر أن تطبيقًا للمراسلة الفورية، يعدّ شيئًا جديدًا بالنسبة للصحفيين الذين يمكنهم عبر تطبيقات عديدة التواصل فيما بينهم أو مع مصادرهم، خاصة وأن تلغرام يشبه كثيرًا واتس آب في تصميمه وعمله، فهو يبحث في قائمة الأسماء المسجلة في الهاتف عمن يستخدم التطبيق ويدخله بالإسم ذاته المسجل في القائمة، وقد يظهر أقلّ خصائص من واست آب، فهو لا يتيح الاتصال الهاتفي عن طريق بروتوكول الانترنت.
إلّا أن التدقيق في هذا التطبيق، يجعل متطابقًا مع عمل الصحفيين في ميزة أساسية، هي الأمان، فهو يتيح مباشرة محادثة جد خاصة تمتاز بأربع خصاص أساسية:
الأولى، هي الاتصال عالي التشفير الذي يجعل المحادثة محصورة تماماً بين طرفين
الثانية، هي عدم ترك أي آثار اتصال على خوادم التطبيق
الثالثة، تدمير الرسائل بعد مرور فترة زمنية معينة
الرابعة، عدم إتاحة إرسال المحادثة لطرف خارجها، مع إمكانية تشفير التطبيق بكود خاص به على الهاتف.
ميزة الأمان جعلت الشركة تراهن بمبلغ 300 ألف يورو لمن ينجح في الوصول إلى رسالة مشفرة، إذ تؤمن الشركة أن تلغرام قادر على إخفاء محتوى المحادثة على الجميع بمن فيهم الشركة ذاتها ومزوّدي خدمات الانترنت.
وكي تسعى الشركة إلى ضمان هذا الأمن التام، تؤكد أنها لن تلجأ أبدًا إلى الإعلانات وأن عائداتها المالية تنحصر في الأسهم، وأن الحلين الآخرين لمشاكلها المادية إن وقعت، هو تبرّع المستخدمين أو إضافة خصائص غير ضرورية بمقابل.
وتمنح ميزة الأمان للصحفيين القدرة على العمل بحرية في وسط إلكتروني تغلب عليه التخوّف من الرقابة والتجسس والملاحقة، خاصة في الدول التي لا تتوّفر فيها حرية صحافة وتتبنى التضييق على الصحفيين. فعكس واتس آب الذي تعرّض لانتقادات واسعة فيما يخصّ ثغرات الحماية وخصوصية المتتبعين، فإن تلغرام لا يزال يحافظ على رهانه الأول بعدم قدرة أي كان التسلّل إلى محادثة خاصة بإيجاد ثغرة للنفاذ.
هناك كذلك ميزات أخرى في التطبيق، منها خلق مجموعات خاصة بأشخاص تصل إلى ألف شخص، وخلق قنوات لبث الأخبار لجمهور واسع غير محدود، وعدم احتياجه لسعة تخزين معيّنة في الهاتف الذكي بما أنه يستخدم نظامًا تخزينيًا خاصًا به على الانترنت يمكن للمستخدم الولوج إليه من أي مكان، وتنصيبه لبرنامج على الحاسوب للاستخدام بنفس خصائص التطبيق، زيادة على ميزات يتشاركها مع بقية التطبيقات الأخرى من قبيل إرسال صور ومقاطع فيديو وملفات مختلفة، والعمل كأداة رسائل نصية وعلبة رسائل إلكترونية في الوقت نفسه.
هذا التطبيق المجاني ومفتوح المصدر الذي أنشأه الأخوين الروسيين دروف، مؤسسا الشبكة الاجتماعية الرسمية في كي، مكّن مجموعة من وسائل الإعلام عبر العالم، من خلق قنوات خاصة لإرسال قصصها بشكل سريع إلى متتبعيها، بحيث تضمن إمكانيات أكبر لقراءتها مما يساهم بانتشارها، بالتالي فوسائل الإعلام تستفيد من أداة جديدة لنشر القصص إلى جانب أدوات النشر في صفحات التواصل الاجتماعي.
وتظهر هنا الميزة الأخرى لتطبيق تلغرام، فهو يتيح للمؤسسة الإعلامية إرسال أخبارها إلى مستخدمين معروفين كما لو أن الأمر يتعلّق بالنشرات البريدية التي تمكّن من حصر الجمهور المستهدف وتضمن إمكانيات أكبر لقراءة القصص عوض الارتكان إلى صفحات التواصل الاجتماعي، خاصة فيس بوك.
ومن الأمثلة على قدرة تطبيق تلغرام، هو مساهمته الفعالة في تغطية أخبار الانتخابات في إيران، فقد أتاح هذا التطبيق للمواقع الإخبارية الإيرانية إرسال أخبارها إلى جمهور أوسع وجديد بسرعة لا تتوّفر في بقية التطبيقات. إذ يتوصل المستخدمون بإشعار على التطبيق من هذه المواقع في حال وجود أيّ جديد، وهي خدمة تعوّض تحميل تطبيق كل موقع على حدة وتفعيل خاصية التنبيهات مع ما يأخذه ذلك من وقت وسعة على الهاتف وصعوبة في تنزيل تطبيقات كل المواقع.
من كل هذا يظهر تلغرام تطبيقًا جديرًا بالتجريب والاستخدام، الأكيد أن أمانه لم يصل درجة الكمال بما أن تقارير إعلامية أشارت إلى دخول السلطات الإيرانية لحساب صحفي على تلغرام بعد إلقاء القبض عليه ومصادرة هاتفه النقال، بيد أن الإمكانيات التي يتيحها من حيث تشفير المحادثات تجعله الأفضل في مجاله للتواصل السري بالنسبة للصحفيين، في عالم إلكتروني أضحت فيه الحاجة ملّحة للخصوصية الشديدة.