[ أفراد من النخبة الحضرمية ]
قالت مصادر إعلامية إن حملة عسكرية من قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيًا وصلت، أمس الأربعاء، إلى جبال المراقشة وموجان في محافظة أبين، وباشرت نشر قواتها في عموم مناطق مديرية أحور الساحلية بغرض تأمين الخط الساحلي الذي يربط محافظة أبين بثلاث محافظات هي عدن وشبوة وحضرموت، وذلك في أعقاب طرد تنظيم القاعدة من جملة مناطق في محافظة أبين وما جاورها، يأتي ذلك بعد أيام من الحديث عن طرد مسلحي القاعدة من محافظة شبوة، وقبل ذلك إعلان تحرير محافظة حضرموت من تنظيم القاعدة في أواخر أبريل/نيسان 2016 الماضي.
حرب بلا ضحايا
تبدو الحرب على تنظيم القاعدة في بعض محافظات جنوب اليمن، والتي تتصدرها دولة الإمارات وأذرعها العسكرية المحلية التي شكلتها، تبدو حربٌ بلا مواجهات عسكرية وبلا ضحايا، وبلا توثيق بالصور، رغم الحديث أحيانًا عن مواجهات وسقوط قتلى وجرحى، بينما تفيد تقارير إعلامية ومصادر محلية بأن مسلحي التنظيم ينسحبون من مواقعهم إلى مواقع أخرى قريبة، وتسيطر قوات محلية على المواقع التي تم الانسحاب منها، أي أن الأمر لا يعدو كونه تغيير مواقع، ويبدو شبيهًا بلعبة الشطرنج.
وبالنظر إلى الخطر الذي يشكله تنظيم القاعدة، فإنه يفترض ملاحقة أفراد التنظيم إلى أوكارهم والقضاء عليهم ما لم يسلموا أنفسهم للسلطات المحلية، وذلك حتى تكون الحرب على التنظيم حربًا حقيقية، وليس مجرد "لعبة شطرنج"، أي انسحاب هذا من موقعه إلى موقع آخر ليحل محله ذاك، وهو ما حصل أخيرًا في محافظتي شبوة وأبين، وقبلها محافظة حضرموت، التي أُعلن عن تحريرها من منتسبي تنظيم القاعدة في أواخر أبريل/نيسان 2016، إلا أن مصادر إعلامية أفادت بأن مسلحي التنظيم انسحبوا من مواقعهم إلى مواقع أخرى في مناطق نائية بذات المحافظة، ولم تحدث أي مواجهات تذكر.
تأجيل للخطر
لا تشكل مطاردة مسلحي تنظيم القاعدة أي أهمية من الناحية العسكرية والأمنية، فالأمر لا يعدو كونه مجرد تغيير مواقع، مع فارق أهميتها فقط، بالإضافة إلى منح مسلحي التنظيم فرص ثمينة لترتيب صفوفهم، واستقطاب أعضاء جدد وتدريبهم، ثم القيام بعمليات إرهابية مباغتة تستهدف الجنود المرابطين في المواقع التي انسحب مسلحو التنظيم منها، وهو ما يعني أن "المطاردة" لمسلحي التنظيم، وليس "الحرب" عليهم، لا تعدو كونها مجرد تأجيل للخطر الذي يشكلونه على الإقليم والدولة والمجتمع.
ويمكن وصف هذه النظرة السطحية للحرب على الإرهاب، بأنها تعكس خللًا في التفكير ونقصًا في الخبرات العسكرية والأمنية للتعامل مع هذا الملف الخطير بالنسبة لدولة الإمارات، التي تتصدر مهمة الحرب على الإرهاب في جنوب اليمن، وذلك لأنه لم يسبق لها التعامل مثل هذا الملف من قبل، لاسيما وأن التنظيم لم يسبق له أن ظهر في دولة الإمارات، وهو ما يفسر نقص الخبرة لدى الإماراتيين للتعامل مع هذا الملف الأمني الخطير.
التوظيف السياسي
كما أن ظاهرة التوظيف السياسي لملف الإرهاب، التي تجيدها مختلف الأنظمة العربية الديكتاتورية لقمع المعارضين وإرهابهم وإسكاتهم وشيطنتهم، أو الزج بهم في السجون والمعتقلات، تبرز بقوة عند التأمل في طبيعة الحرب على الإرهاب في جنوب اليمن، وهذا الأمر يعزز الشكوك حول حقيقة وجود تنظيم القاعدة هناك أصلًا، وهل الحرب المفترضة على الإرهاب هي حرب حقيقية أم مجرد دعاية إعلامية لتحقيق أهداف سياسية؟
ولعل أكثر ما يثير الشكوك أن الحرب على القاعدة في كل محافظة جنوبية يسبقها تشكيل قوات عسكرية من أبناء ذات المحافظة لهذا الغرض، ويتم تدريب هذه القوات على مقربة من المواقع التي يسيطر عليها مسلحو التنظيم بدون أن تتعرض لأي هجمات أو أذى من قبلهم، كما حصل في محافظة حضرموت، التي سبق عملية تحريرها من مسلحي التنظيم، في أبريل/نيسان 2016، قيام الإمارات في أواخر عام 2015 ﺑﺘﺠﻨﻴﺪ ﻭﺗﺪﺭﻳﺐ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺸﺮﺓ ﺁﻻﻑ فرد من أبناء المحافظة ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻹﻋﺪﺍﺩ ﻟﻠﻤﻌﺮﻛﺔ، أطلق عليهم فيما بعد مسمى قوات "النخبة الحضرمية".
وعندما أُعلن عن بدء المعركة ضد مسلحي التنظيم، اختفى مسلحو التنظيم فجأة من مواقعهم، وانتقلوا إلى مواقع أخرى في ذات المحافظة، ولم تلاحقهم قوات "النخبة الحضرمية" أو القوات الإماراتية إلى مواقعهم، واكتفت بملاحقة علماء الدين وخطباء المساجد وبعض الناشطين السياسيين والحقوقيين، وزجت بهم في السجون، وتمارس ضدهم أقسى أنواع التعذيب، وفقًا لتقارير أصدرتها منظمات حقوقية دولية.
ويبدو أن ما حدث في حضرموت سيتكرر أيضًا في محافظتي شبوة وأبين، بعد الحديث عن "مطاردة" مسلحي تنظيم القاعدة في المحافطتين، وسبق ذلك تشكيل ما أطلق عليها قوات "النخبة الشبوانية"، وما ورد في تقارير إعلامية يفيد بقيام هذه القوات المدعومة إماراتيًا باعتقال وخطف بعض الشخصيات في المحافظة، بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة، بدون أي دليل يثبت ذلك، وفي نفس الوقت لم تلاحق هذه القوات مسلحي القاعدة الذين قالت إنهم انسحبوا من مواقعهم إلى مواقع أخرى.
الأهداف الحقيقية
وخلاصة القول، فإن ما تقوم به دولة الإمارات في جنوب اليمن يأتي بدافع تحقيق هدفين رئيسيين: الأول، ترسيخ نفوذها السياسي والعسكري في جنوب اليمن بما يضمن مصالحها، وتصفية المعارضين لهذا النفوذ بذريعة الحرب على الإرهاب.
أما الهدف الثاني، فهو تقديم نفسها لدى دول الغرب، خاصة الولايات المتحدة، بأنها شريك فاعل في الحرب على الإرهاب، لتساعدها في تحقيق تطلعاتها لقيادة الإقليم، وتتغاضى عن سجلها الأسود فيما يتعلق بانتهاكاتها لحقوق الإنسان، بذريعة أن من يتعرضون للتعذيب في سجونها ليسوا سوى إرهابيين، لا يستحقون تضامن المنظمات الحقوقية معهم، أو تعاطف المجتمع المحلي.