تناقضات صادمة.. ماذا يعني الاعتراف الأمريكي بشرعية الحوثيين؟ (تحليل)
- عبد السلام قائد الإثنين, 28 يونيو, 2021 - 07:27 مساءً
تناقضات صادمة.. ماذا يعني الاعتراف الأمريكي بشرعية الحوثيين؟ (تحليل)

[ لوحت الولايات المتحدة بإعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية ثم اعترفت بهم كطرف شرعي ]

لم يكن الاعتراف الأمريكي الأخير بـ"شرعية جماعة الحوثي" في اليمن مجرد خطأ في التعبير استدعى توضيحا من الخارجية الأمريكية زاد أن أكد الاعتراف ولم يلغِه، وإنما يعكس محددات السياسة الخارجية الأمريكية وتعاملها مع صراعات المنطقة وعلاقتها بالأطراف الرئيسية فيها، بينما التناقض الظاهري في المواقف الأمريكية من بعض أطراف الصراع يعكس صعوبات التوفيق بين مقتضيات التحالف التاريخي مع بعض حكومات دول المنطقة والمحددات الرئيسية للسياسة الخارجية التي ترتكز على مبدأ "الفوضى الخلاقة" كأسلوب وحيد لديمومة صراعات المنطقة وتعميق العداوات بين أطرافها، على أن تبقى صراعات مُسَيطرا عليها وألا يطال ضررها المصالح الأمريكية مباشرة.

 

- مواقف متناقضة

 

في 2 مارس الماضي، ألمح المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ، في المؤتمر الصحفي الذي عقد عبر الإنترنت للحديث عن إدراج اثنين من قادة جماعة الحوثي في قوائم الإرهاب، إلى إمكانية إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. وقال إنه "فيما يتعلق بتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، فنحن باستمرار نقيّم الوضع والسلوك، وعلى استعداد لاتخاذ أي خطوات مناسبة استجابة للسلوك"، مؤكدا أن الولايات المتحدة لديها أدوات ضغط وأنها غير راضية عن هذه الإجراءات من الحوثيين (الهجوم على مأرب) والتي لا تتماشى مع المجتمع الدولي.

 

وفي 24 يونيو الجاري، قال ليندركينغ -في ندوة للمجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية- إن الولايات المتحدة تعترف بجماعة الحوثي طرفا شرعيا في اليمن ومجموعة حققت مكاسب. وأضاف: "إنني تحدثت في مناسبات عدة عن شرعية الحوثيين، وأكدت أن الولايات المتحدة تعترف بهم طرفا شرعيا، والجماعة حققت مكاسب كبيرة، ولا أحد يتمنى إبعادهم خارج الصراع، ولذا فعلينا التعامل مع هذه الحقائق".

 

وفي اليوم التالي، 25 يونيو، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن تعترف كبقية المجتمع الدولي بحكومة اليمن المعترف بها دوليا حكومة شرعية وحيدة، وأضافت الوزارة أنه ثمة تقارير إعلامية خاطئة بشأن التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ بشأن الحوثيين.

 

وذكرت الخارجية الأمريكية -في تغريدات على تويتر- أنه "لا يمكن إبعاد الحوثيين من الصراع عبر التمني فقط، ويجب التعامل مع الحقائق على الأرض"، وأوضحت الوزارة أن "الحوثيين يسيطرون على الناس والأراضي في اليمن، غير أنهم بحاجة إلى أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من أي عملية سلام في اليمن".

 

إذن، ما الذي تغير منذ أن لمح ليندركينغ إلى إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية في بداية مارس الماضي، ثم إعلان الاعتراف بشرعيتهم في 24 يونيو الجاري؟

 

- توقيت الاعتراف ودلالاته

 

يأتي الاعتراف الأمريكي بشرعية جماعة الحوثي في وقت فشلت فيه الجماعة في السيطرة على محافظة مأرب، بعد خمسة أشهر من معارك دامية تجري وقائعها على أسوار المحافظة، تكبدت خلالها المليشيات الحوثية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وأصبح خيارا الانسحاب من المعركة أو مواصلتها كلٍّ منهما أمرّ من الآخر بالنسبة للحوثيين، فالانسحاب يعني الاعتراف بالهزيمة وما قد يترتب عليها من ارتدادات عكسية عليهم، والاستمرار يعني مزيدا من الاستنزاف والخسائر والانهيار المعنوي لمقاتلي الجماعة وقادتها.

 

ولذا فإنه لا يستبعد أن الاعتراف الأمريكي بشرعية الحوثيين الهدف منه منحهم دفعة معنوية جديدة تعوض انهيارهم المعنوي وخسائرهم المؤلمة على أسوار محافظة مأرب، ضمن إستراتيجية واشنطن القائمة على الحفاظ على بقاء الجماعات الطائفية المسلحة فاعلة والحيلولة دون القضاء عليها، لاستخدامها في مهام آنية أو مؤجلة، أقلها ابتزاز الدول النفطية الحليفة بذريعة حمايتها من الأعداء، والإبقاء على الإقليم في حالة من "الفوضى الخلاقة" التي تعيق استقرار دول المنطقة وتنميتها، وتضمن تفوق إسرائيل عليها في جميع المجالات، ودرء أي مخاطر أمنية تهددها من خلال جعل سلاح الدول العربية والإسلامية موجها نحو بعضها بعيدا عن إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة.

 

وبما أن الولايات المتحدة حريصة على بقاء الجماعات الطائفية (الشيعية) فاعلة في صراعات المنطقة وتفاعلاتها، لتخلق منها بؤر توتر مزمنة، فإن الاعتراف الأمريكي بشرعية الحوثيين يهدف أيضا إلى ابتزاز الحكومة اليمنية الشرعية والسعودية لتقديم تنازلات كبيرة للحوثيين، ليس لإنقاذ جهود السلام المتعثرة التي تقودها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ولكن لضمان بقاء الحوثيين طرفا فاعلا في معادلة الصراع أو دولة داخل الدولة، وهو ما أكده بشكل غير مباشر توضيح الخارجية الأمريكية بشأن تصريحات المبعوث ليندركينغ، بالقول إنه "لا يمكن إبعاد الحوثيين من الصراع عبر التمني فقط، ويجب التعامل مع الحقائق على الأرض، والحوثيون يسيطرون على الناس والأراضي في اليمن".

 

كما أنه لا يمكن إغفال ما يتضمنه الاعتراف الأمريكي بشرعية الحوثيين من ابتزاز واشنطن للرياض بشأن صفقات التسليح، فالاعتراف يعكس توجهات الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة القائمة على التهاون بالخطر الذي تشكله إيران على السعودية ودول الخليج كافة، ويصل الأمر أحيانا إلى إلغاء صفقات سلاح مع السعودية، التي تتجه بدورها لعقد صفقات سلاح مع روسيا، فيزعج ذلك واشنطن، وبنفس الوقت فالسعودية لا تثق بالحليف الروسي، وتستغل واشنطن ذلك بالسماح لإيران ومليشياتها بممارسة دور في المنطقة يدفع السعودية ودول الخليج للتمسك بتحالفاتها معها واستمرار التواجد العسكري الأمريكي في أراضيها، وهو تواجد الهدف الرئيسي منه السيطرة على منابع النفط وحماية أمن إسرائيل من خارج أراضيها، بينما تتكفل دول الخليج بدفع تكاليف تلك الحماية.

 

- صدمة كبيرة

 

لقد شكل الاعتراف الأمريكي بشرعية الحوثيين صدمة كبيرة للحكومة اليمنية الشرعية والشعب اليمني والحكومة السعودية أيضا، ومنبع الصدمة ليس لأن ذلك الاعتراف قد يترتب عليه تغير إستراتيجي في معادلة الصراع، ولكن لأنه كان انقلابا صريحا من قِبَل واشنطن على الأعراف السياسية والقوانين والدساتير التي تجرّم الانقلابات العسكرية على السلطات المنتخبة وتضع عقوبات رادعة بحق من يقودون الانقلابات ومحاكمتهم عسكريا وتصل العقوبات أحيانا إلى الإعدام، كما أن الاعتراف الأمريكي بشرعية الحوثيين يجعلها ثاني دولة تعترف بهم بعد إيران، وهي بذلك تضع نفسها في خانة واحدة مع دولة لطالما صنفتها ضمن "محور الشر"، وأحد أسباب ذلك دعمها للجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية التي تنتهج العنف والقتل وسفك الدماء لتحقيق أهدافها.

 

فضلا عن ذلك، فإن الاعتراف الأمريكي بشرعية الحوثيين يؤسس لظاهرة غير معهودة في الأعراف السياسية والدبلوماسية، ولا يقتصر الأمر على شرعنة الانقلابات العسكرية فقط، وإنما يطال ذلك تشجيع جماعات العنف والإرهاب على الانقلابات العسكرية والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح إذا كان ذلك سيفضي إلى صالحها والاعتراف الدولي بها، كما أنه يعد تعديا سافرا على سيادة الدول وقوانينها ودساتيرها التي تجرّم الانقلابات العسكرية.


التعليقات