مقبل نصر غالب في حلقته الأولى يتحدث عن ذكريات عن الدور المصري والزخم الثوري والمركز الإسلامي
- تعز ـ خاص الخميس, 10 مارس, 2022 - 09:00 صباحاً
مقبل نصر غالب في حلقته الأولى يتحدث عن ذكريات عن الدور المصري والزخم الثوري والمركز الإسلامي

[ تحدث مقبل نصر عن عدة أحداث في تعز ]

بداية عام 1966م عدتُ مع والدي من عدن إلى تعز، وكانت عدن في قمة الزخم الثوري ضد الاستعمار البريطاني (برع يا استعمار من أرض الأحرار).

 

كانت الرحلة شاقة حيث تنقطع في كرش، وممنوع أن تخرج السيارة نحو تعز، كما منع الاستعمار وصول السيارات من الشريجة إلى كرش، وعلينا مواصلة الطريق مشيا على الأقدام إلى الشريجة، ومنها إلى الراهدة، حيث رقدنا في الراهدة وتوجهنا الصباح إلى تعز.

 

في تعز شد انتباهي الزخم الثوري ضد الرجعية والاستعمار والإمبريالية، مظاهرات ومسيرات، ورفعت حينها شعارات مثل:" لا رجعية ولا استعمار لا استرليني لا دولار".

 

دوريات الجيش المصري تجوب الشوارع، وليس فيها سوى شارعين مسفلتين، شارع جمال من باب موسى إلى صالة، وشارع 26سبتمبر، وبعض الطرق الفرعية نحو القصر الجمهوري والمجمع الحكومي والسفارات، ونحو المستشفى الجمهوري.

 

كانت الشوارع والمحلات مزينة بصور المشير عبدالله السلال وجمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، كما هي في عدن تماما، وكنا نهتف عاش عبدالناصر والسلال، وهناك صور لينين وماوتسونغ وكيم ايل سونغ وجيفارا وبعض الكتب من مؤلفاتهم ومؤلفات عنهم توزع مجانا.

 

السلال يلقي خطابا بحضور عبدالناصر في تعز

 

وهناك نقاش بين الشباب عن الماركسية والقومية، الاشتراكية العربية والاشتراكية العلمية، أما التيار الاسلامي فكان خافتا، في وقتها كنتُ في سن الثالثة عشر.

 

شد انتباهي ونحن نلعن أمريكا وجود مشروع مياه مدينة تعز (مشروع كندي التذكاري وهو هدية الشعب الأمريكي إلى الشعب اليمني) ومشروع الطرقات الأمريكي، مثل شق طريق صنعاء تعز، وطريق المخاء والراهدة، وسياراته الأمريكية تجوب الشوارع، والنقطة الرابعة الأمريكية تشتغل بحرية كاملة.

 

المشير عبدالحكيم عامر

 

كان يزعجني في الليل قناديل الكهرباء، لا تختلف عن سراج أمي في القرية، وصفارة الإنذار الساعة 11 ليلا بداية اليسك، وهي كلمة تركية تعني ممنوع التجول حتى الصباح يوميا، واستمرت عدة سنوات.

 

تعليم في تعز

 

قررت الجلوس في تعز، طالما أن دخول المدرسة الحكومية لا يحتاج شهادة ميلاد كما هو في عدن، والدراسة مجانية، وهناك قسم داخلي للطلاب الفقراء يأكلون وينامون على حساب الدولة.

 

كان هذا القسم مكون من سبعة طوابق، اسمه دار الناصر، لكني لم أستطع دخوله لكثرة الطلاب فيه، والمنحدرين من إريان والنادرة وضواحي تعز، حاولت عدة مرات مع مدير القسم الأستاذ عبدالرؤوف نجم الدين (فلسطيني الجنسية) فقرر صرف أربع حبات كدم في اليوم، ثم استعنت بمدير المدرسة الأستاذ خالد محمد سعيد، وعلمت أن هناك طلاب يحضرون مواعيد الطعام ويباتون خارج القسم، فقررت أن أكون منهم، وأبيت في محلات أصحاب القرية.

 

تفاجأت أن المرحلة الابتدائية ست سنوات وليست أربع سنين مثل عدن، ولازم أبدأ من الصف الرابع، لأن العام الدراسي قد انتصف كي أدخل الصف الخامس في العام الذي يليه.

 

مسيرات وخطابات

 

نتيجة الفراغ كنت أشارك في المسيرات والمناسبات والاحتفالات، حضرتُ افتتاح مدرسة الشعب الصناعية، حيث قص الشريط رئيس الجمهورية المشير عبدالله السلال إيذانا بافتتاحها، وألقى خطابا ألهب حماس الموجودين، وحضرت له خطابا في ميدان الشهداء، وكان أحد المواطنين يصرخ: (يا سلال الشيخ شل حقي البقري) رد عليه السلال: (جني إحنا في قضية شعب وأنت في البقري حقك، كم سعر الشيخ حقك رصاصة ببقشتين).

 

موكب الرئيس جمال عبدالناصر في تعز

 

وحضرت له خطابا في جامع المظفر بعد صلاة الجمعة قال فيه (إن الإمامة لن تعود لحكم اليمن، ولو عادت الشمس من المغرب)، كما حضرت خطابا لأحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب، وهو يطالب بريطانيا أن ترحل من الجنوب، ومرة أخرى خطاب الممثل الشخصي لعبدالناصر على صبري الخولي يشيد بجبهة التحرير ونضالها ضد الاستعمار في الجنوب.

 

كانت تعز كلها مع جبهة التحرير، وإذاعة تعز جبهة كاملة ضد الاستعمار ببيانات وأناشيد وتهديد وتنديد (شعب الجنوب الحر قم لبي النداء.. ناضل لتتحرر)، السلام الوطني كان نفس السلام المصري الله أكبر فوق كيد المعتدي، والكتب الدراسية كلها مصرية، ونشيدنا في طابور الصباح:

 

باسم هذا التراب سوف نثأر يا أخي

 

يوم تروى الأرض من دمي ودمك يا أخي

 

ويشبع الطير من لحمي ولحمك يا أخي

 

جاءت إجازة نصف السنة فقررت أن أقضيها في القرية مع الوالدين، أحتاج أن أمشي يوما كاملا من الصباح إلى المساء، كي أصل القرية، لعدم وجود طريق للسيارات، وفي القرية كنت أسمع صوت المدفعية بوضوح من جهة مدينة العدين، بسبب خلاف بين الدولة والشيخ علي بن محسن باشا، انتهت الحرب بهروب الشيخ، ومقتل ابنه الكبير قائد.

 

المركز الإسلامي

 

المركز الإسلامي الذي أسسه الدكتور قاسم غالب وزير التربية والتعليم، في شارع جمال كان يقوم بنشاط التوعية والتثقيف، وفيه نخبة مصرية تقيم ندوات في المساجد بين المغرب والعشاء، ومن شدة التفاعل في لعن الملك فيصل والسعودية كنا نصفق داخل الجامع تصفيقا حارا.

 

الإخوان المسلمون مازال دورهم سري في تأسيس الخلية الأولى برئاسة الأستاذ عبده محمد المخلافي مدير مدرسة الثورة الكويتية الواقعة في رأس منطقة الجحملية، وعبدالمجيد الزنداني كان مدرسا في الثانوية وآخرين.

 

عبده محمد المخلافي

 

بدأ دور المركز الإسلامي يبرز بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967م حيث تعين عبده محمد المخلافي مدير عام التربية والتعليم في محافظة تعز، وانحسر الدور المصري، وورث المركز الإعلامي باعتباره تابعا للتربية، وبدأ نشاط الإخوان داخل هذا المركز، والقيام بندوات في المساجد بين المغرب والعشاء.

 

وقام المخلافي بتأسيس مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في ساحة مدرسة الثورة الثانوية، حيث اقتطع لها مساحة مناسبة، وجمع تبرعات البناء، وبدأت تشتغل في تجويد القرآن وتحفيظه.

 

يتبع في الحلقة القادمة.


التعليقات