[ موظفة أمام رزم من الريالات في البنك المركزي اليمني (محمد حويس/فرانس برس) ]
تقدم أحمد إلى أحد البنوك اليمنية في صنعاء لسحب مبلغ مالي من رصيده كي يتمكن من إسعاف زوجته التي تعرضت لوعكة صحية شديدة، لكنه فوجئ بأن البنك رفض سحب أي مبلغ، ليعود إلى البيت خاوي اليدين، وهو يعض أصابع الندم لأنه أودع فلوسه في البنك الذي بات فعلياً تحت سيطرة جماعة أنصار الله "الحوثيين".
يقول أحمد (الذي فضل عدم ذكره اسمه كاملاً) لـ"العربي الجديد": ذهبت إلى بنك سبأ الإسلامي الذي أودعت فيه أموالي، وكنت أريد سحب جزء من المال من رصيدي، لكني لم أستطع سحب أي مبلغ بحجة أن البنك المركزي يحتجز لهم مبالغ بالمليارات، وأنه يمنع إطلاق أو صرف أي مبالغ من الودائع، وخاصة ودائع قبل 2018". ويضيف أحمد: "لم أستطع سحب أي مبلغ مالي لأقوم بإسعاف زوجتي المريضة إلى المستشفى، واضطررت أن أبيع قطعة أرض أملكها لأتمكن من علاج زوجتي، خاصة أني لم أتعود أن أستلف أو أطلب المساعدة من أحد".
فوضى البنوك
يتابع أحمد بحسرة: "للأسف أصبحنا في عهد الفوضى في ظل سيطرة الحوثيين الذين سيطروا على البنوك وعلى ودائع المودعين فيها، فهذه حقوقنا لكنها أصبحت مصادرة، وللأسف، لا توجد جهة تنصفنا، خاصة أن من يدعون أنهم سلطة الأمر الواقع هم المسؤولون عن إيقاف سحب ودائعنا المالية بالبنوك".
حال أحمد هو حال الدكتورة في جامعة صنعاء فاتن عبده، التي ظهرت في مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تشتكي بألم من عدم قدرتها على سحب مبلغ مالي من رصيدها في البنك كي تسافر إلى القاهرة لاستكمال علاجها.
وقامت جماعة أنصار الله "الحوثيين" بالسيطرة على البنوك في صنعاء، وألزمتها بعدم سحب ودائع المودعين فيها، ما جعل المودعين يواجهون أزمة تتعلق بمصادرة حقوقهم المالية في البنوك، في ظل عجزهم عن سحب أي مبلغ مالي من أرصدتهم.
إجراءات غير قانونية تمارسها جماعة الحوثي، لكنها ترى أنها من خلال هذا الإجراء تحافظ على سعر الصرف في مناطق سيطرتها والذي يساوي 535 ريالاً مقابل الدولار، كما أنها تخشى من سحب العملة الصعبة من مناطق سيطرتها، وبالتالي حدوث انهيار وتضخم اقتصادي. وكان المودعون في بنك اليمن الدولي نظموا في مايو/ أيار الماضي احتجاجاً أمام مقر البنك، غير أن جماعة الحوثي عززت البنوك بحمايات عسكرية، ومنعت هذه الاحتجاجات التي تأتي في ظل أزمة في السيولة المالية تعانيها مناطق الحوثيين، خاصة في ظل امتناع الجماعة عن صرف رواتب الموظفين منذ سبتمبر/ أيلول 2016.
ويبلغ حجم الودائع المحتجزة لمواطنين من عملاء البنوك نحو 4.5 مليارات دولار، وفقاً لتقرير عن التطورات المالية الصادر عن وزارة المالية الموالية للحوثيين، ولا يتضمن الرقم الودائع الخاصة بالمؤسسات والشركات الحكومية. واتهم محافظ البنك المركزي في عدن أحمد غالب المعبقي جماعة الحوثيين بتدمير القطاع المصرفي والمالي، وطبع عملة معدنية جديدة، وتجميد ومصادرة حسابات المواطنين بسبب معارضتهم سياساتهم القمعية.
ويعتمد الحوثيون في سياستهم على وجود المقار الرئيسية للبنوك في صنعاء، حيث رفضت العديد من البنوك التجاوب مع دعوة البنك المركزي في عدن لنقل مقارها الرئيسية إلى عدن، ما اضطر محافظ البنك المركزي في عدن لإلغاء تراخيص ستة بنوك هي: التضامن، واليمن والكويت، واليمن والبحرين الشامل، والأمل للتمويل الأصغر، والكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، واليمن الدولي.
المودعون في هذه البنوك في المناطق المحررة دعوا إلى سحب ودائعهم منها خوفاً من مصادرتها نتيجة الصراع القائم في الملف الاقتصادي بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وحكومة الحوثيين في صنعاء.
تداعيات سحب الودائع
المحلل الاقتصادي ضيف الله سلطان قال لـ"العربي الجديد" إن الحوثيين منعوا المواطنين من سحب الودائع الخاصة بهم من البنوك، وذلك لأنه في حالة قيام المواطنين بسحب ودائعهم فسيؤدي ذلك إلى انهيار الاقتصاد في مناطق الحوثي وارتفاع أسعار العملات الأجنبية، بسبب ارتفاع تداول العملة في أيدي المواطنين بعيداً عن استخدام القطاع المصرفي، ما يودي إلى انهيار القطاع المصرفي تماماً، والذي ليست لديه السيولة الكافية لتسليم كافة ودائع العملاء حقيقة، وذلك لطبيعة عمله في القروض، أي نقص السيولة في النظام المصرفي وزيادة معدلات الفائدة، وانخفاض الثقة بالنظام المصرفي".
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أنه "في حال انخفاض السيولة المالية في البنوك، يصبح من الصعب على الحكومات الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ مشاريعها وبرامجها التنموية، أي في حال انهيار القطاع المصرفي، سوف يؤثر ذلك سلباً على مصالح البنك المركزي بصنعاء المعتمدة على طبيعة أعمال المنشآت المالية والبنوك من القروض وفوائد القروض وغيرها".
وأضاف المحلل الاقتصادي أن سحب الودائع يؤدي إلى عدم قدرة الحوثيين على السيطرة على التضخم، وذلك عن طريق تقليل النقود المتداولة، أي كلما كانت النقود متداولة وقل الوعي المصرفي عند الناس، وزاد عدم ثقتهم وخوفهم من البنوك، زاد سعر صرف العملات المحلية مقابل العملات الصعبة". وتحدث المحلل الاقتصادي عن سبب آخر لمنع الحوثيين سحب العملاء ودائعهم من البنوك، وهو خوفهم من هروب وانتقال كبار التجار من المناطق التي تحت سيطرتهم إلى مناطق سيطرة الشرعية، ونقل العملة الصعبة، وبالتالي انهيار القطاع المصرفي.