تصاعد التوتر بشكل حاد بين إسرائيل وجماعة الحوثي في اليمن، في أعقاب سلسلة من الضربات الإسرائيلية المكثفة والأكثر تدميراً، والتي استهدفت أحد الموانئ النفطية في الحديدة ومحطتين لإنتاج الطاقة الكهربائية شمالي صنعاء وجنوبها.
جاء ذلك رداً على استمرار الحوثيين في إطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيَّرة على إسرائيل، كما حدث في الساعات الأربع والعشرين الماضية بعد قصف استهدف مدينة تل أبيب بصاروخين بالستيين، واستهدف أيضا ما يقول الحوثيون إنها "أهداف بحرية مرتبطة بإسرائيل".
هذه التحركات الحوثية تظهر تجاهلاً واضحاً من قبل الجماعة لأهمية الضربات الأمريكية المتكررة على مواقع ضمن مناطق نفوذها، كان آخرها مقر قيادة السيطرة والتحكم في مبنى وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء.
كما تتزامن تحركات الحوثيين مع عدم اكتراثهم بتهديدات إسرائيل "النارية" بتوجيه ضربات أشد قوة لهم، بعد أن أقرت الحكومة الأمنية المصغرة خطة للرد على هجماتهم.
وقد وصف وزير المالية الإسرائيلي وعضو الحكومة الأمنية المتشدد، بتسلئيل سموتريتش، الحوثيين بأنهم "الذراع الوحيدة في محور إيران التي لم تختبر ثقل ذراعنا"، وتابع قائلا: "أقترح على الجميع الانتظار".
فهل يشير استمرار الحوثيين على هذا النهج إلى تجاهلهم للخطط التي تُرسم ضدهم؟
الإجابة هي: لا.
جماعة الحوثي المدعومة من إيران أقرت في الآونة الأخيرة بأنها تمر بمرحلة خطيرة و"تحتاج إلى رفع مستوى اليقظة والشعور بالمسؤولية تجاه المؤامرات الخبيثة"، بحسب القيادي في الجماعة، عبد الكريم الحوثي، خلال اجتماع أمني مع بعض القيادات الموالية لهم.
وقال حسين العزي، وهو قياديٌ آخر في الجماعة، بشكل أوضح إن "أمريكا وإسرائيل قررتا التصعيد وبالتأكيد ستضطر اليمن للتحول من جبهة مساندة إلى جبهة حرب طويلة الأمد" على حد قوله، فماذا وراء مثل هذا الخطاب؟
أولاً: يبدو أن الجماعة تسعى إلى إظهار نفسها على أنها ليست ذراعاً لإيران، بل تمثل اليمن المنقسم.
ثانياً: يحاول الحوثيون ملء الفراغ في "محور المقاومة" بعد هزيمة حزب الله وسقوط نظام الأسد في سوريا.
ثالثاً: تعمل الجماعة على ترسيخ فكرة أن ما تقوم به، هو استمرار لنصرتها للفلسطينيين في قطاع غزة.
لكن السفير اليمني لدى المغرب، عز الدين الأصبحي، لا يتفق مع هذا الطرح ولا مع حديث الحوثيين عن "جبهة حرب طويلة الأمد" ويرى أن "بروز قضية غزة كان فرصةً ذهبية، لتظهر الجماعة الدينية الحوثية ذات الرؤية المذهبية المنغلقة فجأةً بخطاب إعلامي ثوري بروح القومية والعروبة اللتين لم تكونا ضمن قاموسها".
ويضيف الأصبحي: "يظل الأمر محل نزاع الأجنحة، بين رؤيةٍ مذهبيةٍ زيديةٍ ترى نفسها في العمق ليست مع نظرية الولي الفقيه والاثناعشرية السياسية، وتيارٍ متنامٍ لشبابٍ أكثر تأثراً بخط طهران تقوده حركة مسلحة شابة بحاجة لدعم إيران وخبراتها. نعم هناك خلاف مذهبي عميق، ومع ذلك يمكن أن نلمس تراجع التيار التقليدي وتقوية تيارٍ غالبٍ يتبع الدولة العميقة في طهران بكل تعقيداتها".
خياران أحلاهما مر !
من الواضح أن الجماعة اليوم في مأزق حقيقي وأمام خيارين أحلاهما مرٌ.
الخيار الأول هو الاستمرار في تحالف تام ووثيق مع إيران طالما ظلت بحاجة له، وهو أمر قد يضعها أمام مخاطر كبيرة من الخارج المصمم هذه المرة على إضعافها بقوة.
أما الخيار الثاني فهو التراجع عن مواجهة الغرب وإسرائيل والاكتفاء بدعم طهران لتعزيز سلطتها في الداخل اليمني المختلف معها والمتربص بها، ويأمل في أن يساعده أي ضغط عسكري أو سياسي خارجي عليها في تسهيل مهمة المواجهة معها.
يتصاعد الدخان والنيران من مقر محطة توليد الكهرباء المركزية حزيز في محافظة صنعاء باليمن في لقطة الشاشة هذه المأخوذة من مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في 19 ديسمبر/ كانون أول 2024.
خيارات
يبدو أن الحوثيين يستبعدون خيار الحل السياسي السلمي مع خصومهم بشكل قد يجنبهم كل تلك المخاطر، بينما قد يقبل به بعض مناوئيهم اليمنيين.
ويقول وزير النقل اليمني السابق، صالح الجبواني: "نحن نبحث عن سلام نصنعه بأيدينا لا عن سلام تصنعه لنا مصالح الدول الكبرى لأنه حينها سيكون سلاماً مجتزءاً - كسلام استوكهولم – يضيع الانتصار من بين أيدينا، ولكن إذا شبت نار الحرب فيجب أن نشعلها نحن وننتصر بأيدينا وليس بأيدي إسرائيل والولايات المتحدة" منعاً للتحول من "الارتهان الإقليمي إلى الأجنبي".
وفي نهاية المطاف، وفي ضوء كل تلك المعطيات، يبدو أنه من المرجح أن يظل المشهد لدى معظم الخبراء والمهتمين، مرشحاً لمزيدٍ من التعقيد، فمركز جماعة الحوثيين وواقعها مختلفٌ إلى حدٍ كبير عن بقية أذرع إيران الأخرى. حيث أُجبر حزب الله اللبناني على القبول باتفاق بين لبنان وإسرائيل لوقف إطلاق النار، بينما سقط نظام الأسد في سوريا بأيدي المعارضة المدعومة من قبل تركيا، وفي العراق أكد مسؤولون في بغداد أن "زمن الثنائية بين الدولة والمقاومة قد ولّى، و"أن الحكومة تدرس بجديةٍ طلبات لتفكيك سلاح الفصائل الشيعية الموالية لإيران.
وفي حين تنكفئ إيران اليوم على نفسها، لا يبدو أن جماعة الحوثيين تخشى أو تكترث لكل ذلك، حتى لو تعرضت لأي ضربات عنيفةٍ من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل وما تخلفها من نتائج، كما ترى أن المعسكر المناوئ لها في الداخل، يعاني من التفكك والضعف أمامها، ولم يعد يلقى الدعم العسكري ذاته الذي كان يتلقاه من قبل ما يعرف بتحالف دعم إعادة الشرعية، الذي تقوده السعودية.