[ محطة الكهرباء في حضرموت ]
قامت السلطات المحلية في حضرموت بأول إجراء تأميم ضد إحدى المنشآت الخاصة، تحت شعار أنها مملوكة لشمالي.
الإجراء لا ينطوي على أي شكل قانوني، حتى ذلك الشكل الذي قدمته الأنظمة الاشتراكية في الماضي، وخضع اليمن الجنوبي تحت حكمه لأكثر من عقدين. فالتأميم في عهد الدولة الاشتراكية، رغم إجحافه، تعامل مع جميع المنشآت الخاصة على حد سواء دون تحريض مناطقي أو إجراء انتقائي يتمخض عنه ابتزاز لملاك تلك المنشآت، وهو ما أعطاه غطاءً شرعياً لمصادرة أملاك الغير.
وكانت شركة الجزيرة المالكة للمحطة الغازية خرير في بلوك 10 وادي حضرموت تطالب السلطات بمستحقات ثلاث سنوات مقابل ما تبيعه من طاقة.
وبحسب رسالة رسمية بتوقيع مدير عام المنطقة في مؤسسة الكهرباء عبدالقادر الجنيد في 26 مارس الماضي لمحافظ حضرموت، أشار فيها إلى أن مستحقات الشركة منذ يونيو/حزيران 2014 حتى ديسمبر/كانون أول 2016 بلغ حوالي 54 مليون دولار.
وتؤكد وثيقة رسمية بتوقيع اللواء أحمد بن بريك محافظ حضرموت، موجهة لرئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، عن وجود مستحقات قدرها 52 مليون دولار للشركة، مطالباً رئيس الوزراء بسرعة التوجيه لوزارة المالية من أجل سرعة تسديد المبلغ.
ورغم أن المحطة ظلت تعمل خلال السنوات الثلاث دون أن تتسلم مستحقاتها بحسب الوثائق، إلا أن التحريض المناطقي والتعسف الذي مارسته السلطات غيّر مجرى القضية عن وقائعها، ضمن عملية استعداء مناطقي، وانتهاك لأملاك الآخرين.
فإذا كانت العقود غير مرضية للسلطات، فهناك وسائل أخرى مخولة بها الحكومة، سواء لإعادة النظر في تلك الاتفاقيات، دون استثناء، سواء عبر إلغاء كل بنود اتفاقيات الطاقة المشتراة من رجال الأعمال، ليتم إخضاعها إلى معايير تراها أفضل، ودون الاعتداء على أملاك الآخرين.
لكن محافظ حضرموت اللواء أحمد بن بريك، تعاقد مع شركة الأهرام لشراء طاقة كهربائية قدرها 30 ميجاوات يتم توليدها بالديزل، على أن تقوم السلطات بتوفير الديزل للمحطة، كما أن كلفة التعاقد معها أكثر من كلفة محطة خرير الغازية والتي طاقتها الإنتاجية أكبر وتصل إلى 50 ميجاوات، ولا تكلف السلطات أعباء توفير مشتقات حيث تعتمد على الغاز المنبعث من الآبار النفطية، وكان يتم حرقها.
وبحسب ما نشره ناشطون في حضرموت، فإن الطاقة الحقيقية التي يتم توفيرها فعلياً من محطة الأهرام أقل من الطاقة المتفق عليها، اي 16 ميجاوات، وبدلاً من دفع جزء من المبالغ المتأخرة للشركة المولدة للطاقة الكهربائية من محطة خرير الغازية، تم دفعه للشركة الجديدة.
ثم تحولت المسألة إلى حملة تحريض مناطقية، وقبل أيام ظهرت تصريحات نارية لوكيل المحافظة عصام حبريش الكثيري ضد الشركة، وأن كل ما سيتم دفعه فقط 30 مليون ريال.
وقال أحد المهندسين الذين منعوا من دخول المحطة -بحجة أنهم شماليون- إن الكثيري قاد مجموعة مسلحة وأجبر بعض الموظفين على توقيع اتفاق يقضي بأن تدفع السلطات هناك 30 مليون ريال شهرياً، والاتفاقية ليست ملزمة بما أن مالك المحطة لم يوقع، إضافة إلى وجود ممارسات قسرية تخل بأي شكل قانوني لأي اتفاق.
ولا تمتلك السلطة المحلية الحق في اتخاذ أي إجراءات ما لم تكن هناك توجيهات حكومية، ثم ماذا عن بقية المحطات التي تقوم ببيع الطاقة في الساحل والوادي؟
يقول أحد العاملين في الشركة إن عائلاتهم ستفقد مصدر عيشها، وأضاف "نحن لا ذنب لنا مما يجري".
وقام مسلحون يقودهم عصام الكثيري وكيل المحافظة بالاستيلاء على المحطة، ثم ظهر قرار التأميم، وكان الضربة الأخيرة ضد أملاك خاصة، ما زالت تمتلك الحق في مطالبة السلطات والحكومة بحقوقها، أو تسوية قضيتها بما لا يضر المواطنين أو الملاك.
لم يعد الأمر مقتصراً على الملكية، كموضوع اقتصادي شائك، بل يتعداه إلى قضية إنسانية وحقوقية، حيث تعرض عدد من العاملين هناك للمضايقة، وتم منعهم من دخول المحطة لأنهم شماليون، بعضهم -بحسب المعلومات- تم منعهم منذ ثلاث سنوات.
وآخر سبعة مهندسين شماليين غادروا المحطة الغازية تعرضوا للمضايقة وقرروا تركها في مارس/آذار الماضي، لأن القائم بأعمال مدير المحطة محمد باشماخ -حسب قولهم- أخبرهم بأنه تم الاستغناء عنهم، لكن عصام الكثيري وكيل المحافظة أراد الاحتفاظ بهم كرهائن، حتى لا تتوقف المحطة.
وهو ما يؤكد أن السلطات باشرت منذ اللحظة الأولى التدخل في إدارة مشروع استثماري يملكه القطاع الخاص، وقرار التأميم أتى فقط لإكمال ما بدأته السلطات لمصادرة أموال وأملاك آخرين دون وجه حق.
واستخدم الوكيل عصام الكثيري إسطوانة مناطقية، انتشرت عبر مواقع محلية، مثل أن هناك تجيير سياسي لتوقف المحطة، مع أنه -بحسب الوثائق الواضحة- شأن اقتصادي يتعلق بالمطالب المالية، كما أنه أشار إلى أن مهندسين -مثيراً انتماءهم المناطقي- كونهم شماليون، أي أنه مستمر في تحريضه، كونهم غادروا المحطة متعمدين إيقافها، وأتى تصريحه بعد قيامه بإلقاء القبض على أمين توفيق عبدالرحيم باعتباره أحد ملاك المحطة، أثناء تواجده على رحلة في مطار سيئون متجهة للقاهرة.
وإذا كان التأميم في عهد الدولة الاشتراكية قائماً على مزاج الدولة الشمولية، فإنه بذهنية سلطات حضرموت المحلية يقوم على مزاج شخصي.
والسؤال هو ما إن كانت الحكومة ستقوم بواجبها لإيقاف هذا التصرف من قبل سلطات محلية تنهج أسلوب الميليشيات، لا صلة لها بقيم مؤسسات الدولة من قريب أو بعيد.
وتحاول السلطات المحلية إعادة تشغيل المحطة الغازية بعد الاستيلاء عليها، وأعلنت المؤسسة العامة للكهرباء في وادي حضرموت عن خمسة مليون ريال مكافأة لمن يستطيع فك شفرة المحطة التي توقفت عن العمل بعد ما تعرضت للضغوط من قبل والتحريض ذي البعد المناطقي من وكيل المحافظة.