[ أطفال نازحون من الحديدة في باحة مدرسة حكومية (الجزيرة نت) ]
في سبيل البحث عن حياة بعيدة عن دوي القذائف وأزيز الرصاص، وخشية من التعرض لصاروخ "خاطئ" أو قذيفة انحرفت عن مسارها، يبحث عشرات الآلاف من أبناء الحديدة "غرب اليمن" عن مكان آمن، مع اتساع المعارك الدائرة جنوب المدينة بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، ومليشيا جماعة الحوثيين.
وبينما تفر مئات الأسر من مناطق القتال، يواجه النازحون معاناة أخرى بمناطق سيطرة الحوثيين بارتفاع أسعار إيجارات المباني السكنية، كما يُرفض السماح لهم بدخول عدن "العاصمة المؤقتة" والتي تقع تحت سلطة الحكومة الشرعية.
وعلى الرغم من وجود الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته بمدينة عدن، فإنهم يعجزون عن استقبال وتوفير أماكن للنازحين، بل تعدى الأمر إلى قيام جنود مدعومين من الإمارات -على حواجز التفتيش المحيطة بعدن- بمنع دخول النازحين القادمين من الحديدة.
أميرة أحمد تقول للجزيرة نت إنها أُجبرت مع عدد من الأسر على البقاء في العراء لأكثر من يومين على مدخل عدن، وتلقت الشتائم من قبل جنود في نقطة تابعة لما يسمى "الحزام الأمني" وهي قوة تتلقى توجيهاتها من القوات الإماراتية باليمن.
وتضيف "بعد كل معاناتنا سمح لنا بالدخول، وكأننا ندخل إلى دولة أخرى، وليس إلى عاصمة اليمن المؤقتة".
وعلى غير المتوقع، خرج رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر بمنشور على صفحته في فيسبوك، طالب فيه بالسماح بدخول النازحين القادمين من الحديدة، وهو ما اعتبره ناشطون بالتواصل الاجتماعي مثيرا للسخرية، وأنه يحول رئيس الحكومة من موظف حكومي كبير لناشط حقوقي.
معاناة الهروب
نازح آخر -طلب عدم الكشف عن اسمه- يروي للجزيرة نت معاناة البحث عن مكان للنزوح، قائلاً "تركت منزلي في الحديدة، أنا وأسرتي، وكنا حينما نمر بالقرب من جوار مدرعات أو عناصر الحوثيين نشعر بالرعب، خوفاً من استهداف مقاتلات التحالف التي تنتشر في شوارع المدينة".
يُشار إلى مقتل ستة مواطنين وإصابة 11 آخرين في قصف استهدف عربة للحوثيين، مما تسبب في احتراق حافلة تقل نازحين كانت بالقرب من مكان القصف جنوب مدينة الحديدة في 26 يونيو/حزيران الماضي.
ويضيف النازح أنه تفاجأ مع عشرات الأسر الأخرى النازحة إلى صنعاء بارتفاع أسعار النقل وإيجارات الشقق السكنية بشكل مبالغ فيه.
ويقول عبد العليم طاهر للجزيرة نت إن تكلفة المقعد للشخص الواحد على متن حافلة أو سيارة، من الحديدة إلى صنعاء، ارتفعت إلى عشرين ألف ريال يمني (45 دولارا) أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه سابقاً، إضافة إلى ارتفاع الإيجارات حيث وصلت سعر الشقة المفروشة في صنعاء إلى ستمئة ألف ريال شهرياً (1300) دولار.
وأشار المواطن النازح إلى أن الكثير من الأسر لجأت إلى مدارس حكومية بصنعاء، وقدمت مبادراتٌ شبابية الفراشَ والبطانيات، في وقت غابت المنظمات الدولية والعاملة في مجال الإغاثة عن استقبال النازحين.
وتقول مصادر غير رسمية إن نحو ثلاثين ألفا من سكان مدينة الحديدة اضطروا للنزوح إلى محافظات صنعاء وإب وذمار.
تحذيرات
في الأول من يوليو/تموز الجاري، قال بيان لمنظمة الصحة العالمية، إن حالات النزوح من مدينة الحديدة (غرب البلاد) شكلت عبئاً كبيراً على المرافق الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي بالمجتمعات المضيفة، مع تضرر إمدادات المياه المحلية جراء الصراع، مما يزيد من خطر الإصابة بالكوليرا والأمراض المنقولة عبر المياه خصوصاً في ظل لجوء السكان لمصادر المياه غير الآمنة.
ونشرت مليشيا الحوثي عناصرها في فنادق مبان مرتفعة وعربات عسكرية داخل الأحياء السكنية، وقامت بحفر الأنفاق والخنادق داخل أحياء مدينة الحديدة ووضعت سواتر ترابية وألغاما أرضية مما ضاعف من نزوح المدنيين.
وحذر الناشط الحقوقي صلاح القرانه من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية بسبب تدهور الوضع الصحي بالمدينة، خصوصاً مع ارتفاع نسبة النازحين من مناطق القتال إلى داخل الحديدة.
وقال في تصريح للجزيرة نت إن الكثير قد يصابون بمجاعة لعدم توفر الطعام والمياه الصحية والملبس النظيف، في ظل انتشار النازحين في مدارس داخل المدينة وبقائهم في العراء، موضحاً أن الوضع الراهن يتطلب إغاثة عاجلة.
وأوضح أن الإحصاءات التي قام بها مع عدد من الناشطين في مجال الإغاثة تشير إلى نزوح مواطنين من 28 قرية ومنطقة في الحديدة إلى داخل المدينة فقط بعيداً عن الذين نزحوا إلى محافظات أخرى.
وأشار القرانه إلى أن هناك أسرا اضطروا للبقاء في مناطقهم لأن حالتهم المادية لا تسمح بالنزوح إلى صنعاء أو بعض المحافظات المجاورة.
ودعا المنظماتِ الدوليةَ إلى التحرك العاجل لإنقاذ النازحين قبل تفاقم المشكلة قائلاً "نسمع ضجيجاً من تلك المنظمات لكن للأسف لم تتحرك على أرض الواقع، ولم تقدم أي مساعدات تذكر. الوضع يزداد مأساوية والعالم يتفرج".