[ مبعوث بريطاني يزور البدر في كهفه بجبال حجة إبان الستينات ]
كشفت وثائق أرشيفية بريطانية وإسرائيلية، رفعت عنها السرية مؤخراً، حجم التعاون بين آخر حكام المملكة المتوكلية اليمنية الإمام "محمد البدر"، وبين (إسرائيل) وبريطانيا، إبان المواجهات التي خاضها ضد الجمهوريين في ستينات القرن الماضي.
وتكشف الوثائق، عن تحليق طائرة إسرائيلية في 31 مارس/آذار 1964، أثناء الليل في سماء اليمن، حيث أتمت عملية إنزال مظلي ناجح لأسلحة لجنود الإمام "البدر"، لمواجهة قوات الجمهوريين المدعومة من الرئيس المصري حينها "جمال عبدالناصر".
وحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن قوى إقليمية مثل السعودية والأردن، إلى جانب بريطانيا التي تخوفت على مصالحها في اليمن، قد انزعجت من التدخل المصري في عهد "عبدالناصر" لتأييد الجمهوريين، الأمر الذي أغراها بدعم البدريين.
وقالت الصحيفة، إن بريطانيا توجهت لـ(إسرائيل) للمساعدة في تموين مؤيدو الإمام، عبر المظلات، للمتحصنين في جيوب جبلية، دون أي منفذ بحري، ووافقت (إسرائيل) على طلبها، مؤكدة أن دولة الاحتلال لعبت دورا في الحرب القديمة والحالية في اليمن، إلا أن لم تتحدد طبيعة الدور الذي لعبته في الحرب الحالية.
تفاصيل جديدة
وأوضحت الصحيفة، في تقرير أعده الكاتب "يوغف الباز"، أنه في 26 سبتمبر/أيلول 1962، نفذت زمرة عسكرية انقلاباً ضد الإمام الزيدي "محمد البدر"، الذي ورث قبل أسبوع من ذلك كرسي والده المتوفي.
وتبين فيما بعد أن الإمام نجح في الهرب، وجمع حوله جيشا من القبائل المخلصة له، وهدد وجود الجمهورية الشابة، وهو ما دفع تلك الزمرة لطلب مساعدة "عبدالناصر"، الذي بدروه قام بإرسال عدة كتائب مختارة من المشاة إلى اليمن.
وتسبب تدخل مصر في اليمن، حسب الصحيفة، في خوف شديد لدول عربية مثل السعودية والأردن، ودول غربية لها مصالح في المنطقة، لا سيما بريطانيا التي سيطرت على عدن، موضحة أن "الخوف من الناصرية دفع تلك الدول لدعم الإمام البدر".
وفي حين أن السعودية والأردن ساعدا "البدر" في التموين والتمويل بصورة مكشوفة نسبياً، اتبع البريطانيون سياسة ضبابية مقصودة، عبر استغلال خدمات شركة مرتزقة بملكية الكولونيل "ديفيد سترلينغ"، مؤسس وحدة النخبة في بريطانيا "إس إي إس"، من أجل أن تنفي بريطانيا الرسمية أي تدخل.
وفي مارس/آذار 1963، وسط تعادل لميزان القوى والجمود العسكري، حيث كل طرف تحصن في مواقعه، توجهت بريطانيا لـ(إسرائيل)، التي كانت في تلك الفترة معزولة نسبياً، للمشاعدة، لتوافق الأخيرة، لمواجهة "عبدالناصر"، الذي كان يعد الزعيم الأخطر في المنطقة.
عملية روتب
وحسب الصحيفة، ففي صيف 1963، جرت بريطانيا اتصالات مع الملحق العسكري الإسرائيلي في لندن حينها العقيد "دان حيران"، وبحثت معه مساعدة (إسرائيل) للإمام، ليصل مبعوث بريطاني إلى (تل أبيب) للقاء "موشيه ديان"، الذي رغم أنه كان وزيراً للزراعة، إلا أن له صلاحيات وله ذراع طولى في الأمن.
ثم التقى المبعوث البريطاني مع رئيس الموساد "مئير عميت"، ويقنعهما بالعملية التي سميت في الجيش الإسرائيلي بـ"عملية روتب".
في 31 مارس/آذار 1964، وحسب الصحيفة العبرية، أثناء الليل، حلقت طائرة نقل إسرائيلية في سماء اليمن، برئاسة الطيار المقدم "آريه عوز"، ليلقي مظلات التموين، المقدرة بـ12 صندوقاً من الخشب مملوءة بالوسائل القتالية.
أما الذخيرة والمعدات الطبية فشقت طريقها بهدوء عبر المظلات نحو الأرض.
نجاح الإسقاط عزز ثقة الطرفين، ونتيجة لذلك وخلال السنتين التاليتين، قامت (إسرائيل) بـ 13 طلعة جوية في سماء اليمن، استهدفت تسليح البدريين.
ولكن بسبب حساسية الأمر كان يجب الحفاظ على السرية التامة، باستثناء عدد قليل من القيادة العليا الملكية، لم يعرف باقي الأشخاص من هي الدولة المزودة، حتى للسعودية لم تكشف هوية حليفتها خشية أن يرفعوا أيديهم عن دعم الإمام "البدر".
خطة مرفوضة
في يونيو/حزيران 1965، ومع تضرر البدريين من هجمات الجمهوريين مدعومين من القوات المصرية، اقترح البريطانيون خطة جريئة، تتلخص في قيام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف قواعد المصريين في صنعاء والحديدة، لكن رئيس الأركان الإسرائيلي "إسحق رابين" ورئيس الحكومة "ليفي أشكول منعا" ذلك.
في أغسطس/آب 1965، حسب الصحيفة، تم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق نار بين مصر والسعودية بمشاركة ممثلين يمنيين من الطرفين.
في أعقاب ذلك توقفت السعودية عن تموين جيش الإمام بمن فيهم المرتزقة، الذين بدورهم حاولوا معارضة سوء المصير، ولكن في النهاية اعترفوا بوضع الهدنة.
وفي مايو/أيار 1966، توجهوا لـ(إسرائيل) من أجل تأجيل القطار الجوي، ورغم محاولات تجديد التدخل (التي شملت أفكاراً مثل إرسال مرتزقة أمريكيين إلى اليمن بدعم من "إسرائيل" وتدريب عسكري للإمام في التخريب على الأراضي اليمنية)، وحتى جس نبض ملك السعودية "فيصل بن عبدالعزيز"، بشأن إلقاء المعدات جواً في فبراير/شباط 1967، فإن الطلعات لم تستأنف تماماً، حسب الصحيفة.
حرب مشابهة
الكاتب الإسرائيلي "يوغف الباز"، قال في مقاله إن حرب اليمن في 2015، مثل أختها في الستينيات، تعبر عن ميزان القوى المعقد في الشرق الأوسط.
وأضاف: "وخلافا للوصف بأن الحرب في اليمن هي حرب شيعية – سنية، فهذه المرة الصورة الإقليمية معقدة أكثر، تمثل ميوعة التحالفات السياسية وموازين القوى في الشرق الأوسط، فالأصدقاء القدامى يتحولون بين عشية وضحاها إلى أعداء، ومصالح باردة تختلط مع ولاءات قبلية وعمليات ثأر قديمة".