[ مركز "كارنيجي": الإمارات في اليمن تموضع لا انسحاب ]
قال مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط إن الإمارات العربية المتحدة عمدت إلى خفض عدد قواتها في اليمن، لكنها أبقت الفريق الأوسع نفوذاً في جنوب البلاد.
وأضاف مركز كارنيجي في تقريره الأخير والذي حمل عنوان " الإمارات في اليمن.. تموضع لا انسحاب" إن خفض الإمارات لجنودها في اليمن يمحنها إيجابيات عدة -بحسب المركز - فهو يمنحها حرية المناورة سعياً لبلوغ أهدافها السياسية في اليمن، عبر الاستعانة بقوى محلية تتحرّك بالوكالة عنها، ويؤمّن لها أيضاً هامش مناورة في ما يتعلق بالحوثيين وإيران، كما أنه يُجنِّبها التداعيات الأسوأ لما يدور على الأرض في اليمن، في حين يساهم في خفض أعداد الضحايا في صفوف القوات الإماراتية، مع ما يترتب عن ذلك من منافع على المستوى الداخلي.
ووفقا لمعلومات مركز كارنيجي، فإن تقارير ذكرت أن المسؤولين في النظام الملكي السعودي تدخلوا شخصياً، لثني المسؤولين الإماراتيين عن المضي قدماً بتنفيذ قرارهم، لكن يبدو أن الإمارات قررت التحرّر من القيود التي يفرضها عليها التحالف.
وبحسب التقرير، فمنذ انطلاق العمليات العسكرية في آذار/مارس 2015 على أيدي قوات التحالف العربي، اختلفت الإستراتيجية الإماراتية عن الإستراتيجية السعودية، إذ إن الهدف السعودي الأساسي كان إضعاف الحوثيين من أجل تسليم مقاليد السلطة من جديد إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترَف به دولياً، وتوسيع نفوذ الرياض، وتحسين الأمن عند الحدود السعودية-اليمنية.
يقول المركز: "أما الإماراتيون، فقد سعوا إلى كسب النفوذ في المناطق الساحلية اليمنية وفي جنوب البلاد، بهدف تعزيز حضورهم عند خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، باتجاه القرن الأفريقي".
وأشار إلى أن التصدعات المتزايدة بين السعودية والإمارات بالدولتَين دفع إلى تعزيز حضورهما في المحافظات المنقسمة سياسياً وغير الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين، حيث أقامت كل منهما تحالفات مع الفصائل اليمنية واستخدمتها لتحقيق أهدافها.
بحسب وجهة النظر الرسمية للقادة الإماراتيين، انتهت الحرب في اليمن قبل فترة من الزمن. هذا ما أعلنه بوضوح ولي عهد أبو ظبي، الأمير محمد بن زايد (الذي يتولى فعلياً إدارة السياسة الخارجية الإماراتية بعد تردّي صحة أخيه، رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد)، في تغريدة له عبر موقع تويتر في حزيران/يونيو 2016. فقد غرّد قائلاً ما مفاده أن اليوم وجهة نظرنا واضحة: انتهت الحرب بالنسبة إلى جنودنا؛ نراقب الترتيبات السياسية ونعمل على تمكين اليمنيين في المناطق المحرَّرة.
يضيف التقرير: "لقد سعت الإمارات بصورة أساسية إلى التأثير في الأحداث في جنوب اليمن بهدف إضعاف حكومة هادي ومنعها من الوقوف في وجه الأهداف الإماراتية في المنطقة"، مشيرا إلى أن الإماراتيين يقدمون الدعم للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يُعتبَر من التيارات الانفصالية الأساسية في جنوب اليمن، ويدعمون المطالب التي يرفعها من أجل تحقيق استقلال الجنوب.
وأشار التقرير إلى أنه وبعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على أيدي الحوثيين في كانون الأول/ديسمبر 2017، ساعدت الإمارات طارق صالح، نجل شقيقه، لإنشاء وحدات عسكرية في الساحل الغربي اليمني. ويخوض المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات طارق رسمياً قتالاً ضد الحوثيين، لكنهما يرفضان الاعتراف بشرعية هادي.
يمضي التقرير: "لقد درّبت الإمارات نحو 90 ألف جندي تُسدّد لهم أيضاً رواتبهم، وتحصل من خلالهم على قوة برّية فاعلة تستخدمها بمثابة وسيلة لممارسة النفوذ العسكري والسياسي".
علاوةً على ذلك، يقول مركز كارنيجي: "أقدمت الإمارات في الآونة الأخيرة على توحيد جميع القوات العسكرية في غرب اليمن، بما في ذلك القوات المتمركزة في مدينة الحديدة المرفئية، تحت قيادة طارق صالح. وسعت على ما يبدو إلى تعزيز سيطرتها على القوات في المنطقة لمنع أي تصعيد عسكري".
ووفقا للمركز، فإن مصدرا مقرَّبا من الحوثيين أشار إلى أنهم توصلوا إلى تفاهم مع الإمارات لتجنُّب اشتداد القتال في غرب اليمن، وإلا كان الحوثيون استهدفوا الموانئ والمطارات الإماراتية بالطريقة نفسها التي استهدفوا بها الموانئ والمطارات السعودية. يُشار في هذا الصدد إلى أن الإمارات لم تتعرض حتى تاريخه للهجمات من الحوثيين، على الرغم من أن مصادر موالية للحوثيين زعمت أن التنظيم طوّر مركبات جوية مسيّرة يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، ما يعني أنها قادرة على الوصول إلى الإمارات.
وقال التقرير إن "السلوك الإماراتي في غرب اليمن يُسلّط الضوء على أن السلطات الإماراتية تُركّز بصورة أساسية على جنوب اليمن والمنطقة الساحلية، ولا تُبدي اهتماماً كبيراً بما يجري في المنطقة الواقعة شمال البلاد. وبما أنه ليست للحوثيين بدورهم مصلحة استراتيجية في جنوب اليمن، أفسح ذلك المجال أمام التوصل إلى تسويات بينهم وبين الإماراتيين. فالإمارات ترى أنه لم يعد منطقياً أن تُورّط نفسها في القتال للسيطرة على مناطق تعتبرها هامشية لمصالحها الأوسع نطاقاً".
وحول الأزمة المستفحلة بين الولايات المتحدة وإيران. يشير التقرير إلى أن البراغماتية الإماراتية أيضاً تجلت في حرص أبوظبي على تجنُّب أي تصعيد مع طهران. وكان ذلك واضحاً على وجه الخصوص عندما قامت إيران أو مجموعات موالية لها باستهداف أربع ناقلات نفط على مقربة من الفجيرة في أيار/مايو الماضي. وفي حين خلصت الإمارات وسواها إلى أن "دولة" ما تقف على الأرجح خلف الهجمات، حرصت على عدم توجيه اتهامات مباشرة إلى إيران بتنفيذ الهجمات.
وخلص مركز كارنيجي في تقريره إلى أن خفض الإمارات عدد قواتها في اليمن سيؤدي هدفاً آخر أيضاً، فقد يساهم في تحسين صورة الإمارات في وقتٍ اتهمتها المنظمات الإنسانية الدولية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن.
يقول التقرير: "تتصاعد صيحات الاستهجان الدولية بسبب الأوضاع الإنسانية في البلاد، حتى إن الكونغرس الأميركي يسعى إلى حظر مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج، ولذلك، من شبه المؤكّد أن الإمارات تعتبر أن خفض حضورها على الأرض سيجعلها أقل عرضة للمساءلة على خلفية الكارثة التي حلّت في اليمن".