11 قصة حرب.. "صراع" ورش الكتابة ينعش جمود الثقافة في صنعاء
- الجزيرة نت الاربعاء, 08 يناير, 2020 - 10:20 صباحاً
11 قصة حرب..

[ المتدربون مع الأديب الأهدل بصنعاء (مؤسسة رموز للفنون) ]

ضمن برنامج "كتابات" الذي تبنته مؤسسة رموز للفنون والتنمية الثقافية بصنعاء، في الآونة الأخيرة، وبدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، احتفى الوسط الأدبي اليمني يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 بصدور كتاب "صراع" وهو نتاج ورشة إبداعية في كتابة القصة أقيمت في يونيو/حزيران الماضي، تولى التدريب فيها الروائي والكاتب اليمني المعروف وجدي الأهدل.

 

على مدى أسبوعين، تلقى 11 من كُتّاب القصة الشبان في اليمن حصصا مكثفة، وكان على كل واحد منهم أن يكتب قصة في لحظة اختبار وتحد إبداعي، إيذانا بتشكل ملامح جديدة للأدب القصصي في اليمن.

 

هذه الورش التي تشهدها صنعاء تأتي ضمن مبادرات استثنائية لمؤسسات وناشطين أرادوا كسر رتابة مشهد ثقافي لم يكن بحالة من التعافي، بل إنه يعيش ذروة انهياراته في ظروف الحرب والمجاعة والنزوح والويلات، التي أنهكت اليمنيين للعام الخامس على التوالي، ولا مفر منها حتى بمعول الكتابة.

 

يقول الأهدل إن الورشة كشفت النقاب عن مواهب واعدة من جيل كتاب القصة الشبان، لديهم استعداد داخلي للإبداع. وأضاف "بعض المتدربين أظهروا موهبة أعلى مني حينما كنت في مثل أعمارهم، وأتحدث هنا عن الموهبة الفطرية والاستعداد الداخلي للإبداع".

 

وفي حضور وهيمنة الحرب ومآسيها وتداعياتها السوداوية غير المباشرة على الحياة والناس، ينوه الأهدل بموضوعات القصص الـ 11 التي أنتجها المتدربون، مشيرا إلى أن خطة التدريب ركزت على حصص القراءة، والعمل الجماعي، وأساليب التحفيز، وبالتالي حدث تطور حقيقي في مستوى القصص التي كتبت.

 

وأضاف "أخبرت المتدربين أن القصص ستذهب إلى المطبعة، وأن عليهم تقديم عمل جيد يليق بأسمائهم، وهذا كان حافزا إضافيا لهم للتجويد وبذل أقصى ما لديهم".

 

منصات بديلة

 

يقول رئيس مؤسسة "رموز" إيبي إبراهيم إن استهداف تدريب أدباء مبتدئين على الكتابة الإبداعية يأتي على طريق بناء جيل جديد من الكُتاب الهواة في ظروف الحرب، موضحا أن كتاب "صراع" من تصميم لمياء السنفي ويقع في 75 صفحة.

 

ويشير إيبي -في حديثه للجزيرة نت- إلى سعي مؤسسة رموز في السنوات المقبلة إلى توفير منصات تعليمية بديلة للأدباء والفنانين وبخاصة الشباب، وذلك من خلال مشاريع ثقافية هادفة عبر ورشات العمل، وجلسات النقاش والتدريب والمعارض ...إلخ.

 

أخطاء البدايات

 

عن أهمية مثل هذه الورش، يؤكد الأهدل أنها تصقل الموهبة الفطرية للكاتب الشاب وترشده إلى أخطاء البدايات مثل الولع بالإسهاب، واستخدام الجمل الطويلة، وعدم دقة الألفاظ في الوقوف على المعاني التي يرمي إليها... إلخ.

 

وينوه بـ "ميزة جيدة للمؤلف الشاب الذي يلتحق بورشة للكتابة" تتمثل في عرض نصوصه على جماعة من الأقران المماثلين له في الاهتمامات الإبداعية، ويناقش معهم عمله ويستطلع رأيهم فيه، فيعدل هذا ويحذف ذاك، وربما أضاف ما يوضح ويزيل اللبس، وغير ذلك من الملاحظات المهمة التي يندر أن يحصل عليها خارج هذه الورش.

 

كيس أسود

 

اعتبرت أحلام المقالح (من محافظة تعز) الورشة فرصة ذهبية لها، وقالت إنها كانت محظوظة بحضورها. وكانت قد بدأت الكتابة عام 2011 محررة بصحيفة الجمهورية الصادرة من مدينة تعز.

 

تقول للجزيرة نت إن الورشة أعادتها لشغف الكتابة بعد انقطاع طويل "بسبب وقع الحرب على الروح" في حين كانت القصة التي كتبتها بعنوان "كيس أسود" أول تجربة لها في كتابة القصص الطويلة.

 

"اسم مستعار"

 

وقدم إسماعيل مشرعي (30 عاما) من مدينة الحديدة (غربا) ليلتحق بورشة الكتابة في صنعاء، التي قال عنها إنها مبادرة نوعية تزامنت مع استعداده لخوض غمار تجربته الروائية الأولى.

 

ويقول للجزيرة نت "خرجت من ورشة الكتابة أكثر قدرة على تقييم منجزي السردي السابق، وتلمس احتياجات مشروعي الأدبي وتطويره، صرت الآن جاهزا لرواية قصتي للعالم. أسهمت في الورشة بقصة عنوانها اسم مستعار".

 

وتحكي القصة عن التشظي والضياع الذي يعيشه فتى عصامي مجهول النسب يجد نفسه مضطرا لاستخراج بطاقة هوية وجواز سفر للسماح له بالسفر لإكمال دراسته بالخارج، وهناك -بعد الحصول على الجنسية- يقرر تمزيق أوراقه القديمة، ويُغرِقُ في تأملها تتناثر أمامه في الهواء ويتمتم في سره: مكتوب عليّ أن أعيش دون هوية حقيقية!

 

البحث عن قصة

 

سرّاء عبد الرحمن الهادي فتاة في بواكيرها الإبداعية، تقيم بمدينة صنعاء منذ مجيئها إلى الحياة قبل عقدين ونيف. بدأت الكتابة عام 2016، وفي العامين الأخيرين اتجهت لكتابة المحتوى والسيناريو.

 

تقول عن الورشة "تجربة منعشة ونقطة تحوّل بالنسبة إليّ". وتضيف أن هذه الورش تساعد الكتّاب وخصوصا المبتدئين في معرفة هويتهم الأدبية وتدفع بهم إلى الخوض في أعماق التجربة.

 

وتتابع "قبل ورشة الكتابة لم نك نجد مكانا للغوص في عالم الأدب والحديث عن أسراره، بينما خلال أسبوعين وبوجود روائي مطّلع وذي خبرة هو وجدي الأهدل، استطعنا أن ننعزل قليلا عن أيامنا المعتادة وبدأنا نبحث في دواخلنا عن قصص، ثم نستكشف قدراتنا في صياغتها وإمكانياتنا في نقد قصص الآخرين ومشاركتهم الآراء والأفكار".

 

وتختم بأن الورش "كانت فرصة للتعرف على نفسي أولا كقاصّة، والتعرف أيضا على مهارات زملائي وأفكارهم وكتاباتهم الأدبية وما ينتج عن اختلاف الأساليب من جمال".

 

إحياء مشهد منهار

 

ورشة مؤسسة رموز هي الثانية التي يدرب فيها الأهدل في مجال "كتابة القصة" سبقتها ورشة درب فيها وجدي عام 2018، نظمها نادي القصة اليمني، توجت بإصدار كتاب بعنوان "وميض متجدد" احتوى قصصا لـ 15 من الكتاب الشباب.

 

هذه الورش التي تشهدها صنعاء تأتي ضمن مبادرات استثنائية لمؤسسات وناشطين أرادوا كسر رتابة مشهد ثقافي لم يكن بحالة من التعافي، بل إنه يعيش ذروة انهياراته في ظروف الحرب والمجاعة والنزوح والويلات.

 

وبدأ كل متدرب الكتابة من الصفر، بدءا باختيار فكرة للقصة التي يعتزم كتابتها خصيصا للورشة، ثم مناقشة الأفكار القصصية جماعيا. ووفقا للأهدل "خلال أيام الورشة كان المتدربون يقرؤون قصصهم ويتلقون الملاحظات ويشتغلون عليها، ثم يعيدون قراءتها من جديد بعد التعديل وهكذا دواليك حتى وصلنا جميعا إلى الرضى عن القصص".

 

"جحيم" في قريتي

 

ينحدر نور الدين الشرِجي (27 عاما) من قرية نائية تابعة لمديرية قعطبة بمحافظة الضالع. يقول للجزيرة نت "ورشة الكتابة هي أجمل حدث عشته عام 2019، فعالية مهمة كسرت جمود المشهد الثقافي، وربما كنت سأقضي أربعة أعوام في تعلم ما تعلمته من المدرب الروائي وجدي الأهدل في 14 يوما".

 

ويضيف "حملت قصتي عنوان "في قريتنا جحيم" وتتحدث عن معاناة سكان قرية عاشوا حربا بطابع أدبي، تتمحور أحداثها حول شاب عالق وسط منزله داخل القرية، عجز عن النزوح، شاهد عبث الجنود في قريته، تمر عليه أيام قاسية لتنتهي به الحال في ملجأ يضم المئات من النازحين، عاش معهم مأساة حقيقية في ملجأ أشبه بقبو مظلم.

 

ظلام ودماء

 

الزبير حسن كاتب شاب في بداية عقده الثالث. سافر بين أودية وجبال تمتد من قريته بمحافظة حجة وصولا إلى ورشة الكتابة الإبداعية في صنعاء. وكانت أول مغامرة له مع الكتابة عام 2016.

 

يقول للجزيرة نت "في الورشة تفتحت براعم أفكاري". ويضيف بأن أهم ما استفاده من التدريب "مقومات القصة القصيرة وبناؤها من مختلف الجوانب بحيث تصبح متصلة ومتناسقة كالجسد الواحد".

 

أما قصة الزبير المعنونة بـ "ظلام ودماء" فتحكي عن يوميات فتاة تخرجت أمها في كلية الطب وهي الآن تعالج نساء القرية. لكن الأب ما زال ينظر إلى عمل المرأة على أنه خروج عن الدين.. الأب المتوحش يقرر أخيرا تدمير كل شيء.

 

ديوان الفن

 

أوضح رئيس مؤسسة رموز أن من بين خمسمئة طلب تلقوه -تفاعلا مع إعلان التسجيل لورشة كتابة القصة- تم اختيار 11 متدربا فقط، اختارتهم لجنة تحكيم مستقلة من الوسط الأدبي تضم في عضويتها كلا من الأديبين زيد الفقيه وابتسام المتوكل، وفق معايير أهمها أن يكون المتدرب قد نشر قصة أو أكثر مع مراعاة التوزيع الجغرافي لأكثر من محافظة ومدينة.

 

وفقا لإبراهيم "بدأ نشاط المؤسسة في أغسطس/آب 2018، وقبل ذلك عرفت مبادرتنا باسم (مبادرة ديوان الفن) وتسعى لتطوير حركة الأدب والفن المعاصر في اليمن".

 

ويختم بأنهم يتمنون أن يجدوا العام الجاري جهةً ما تمول طباعة كتاب "صراع" بالإنجليزية، في حين يعملون حاليا على مشاريع تنفذ في فترات قصيرة.


التعليقات