[ الكاتب الصحفي أحمد الشلفي ]
من فوائد الحجر المنزلي وكورونا أنه فتح مخزن الذكريات ويبدوأنه لايريد أن يغلق.. بل إن هذه الفترة منحتنا وقتا إضافيا للهدوءوالكتابة والتفكير وقل أن تجد هذا في أي فترة من فترات عمرك .. لأنك في حجر إجباري.
سأكتب اليوم عن مواقف حدثت لي خلال فترة عملي في الجزيرة باليمن مع علي عبدالله صالح شخصيا ومجموعة نظامه وخاصة فريقه الإعلامي وأقصد سكرتيره الصحفي عبده بورجي ورئيس التوجيه المعنوي للقوات المسلحة علي الشاطر.
هذا الأخير استقبلني في مكتبه عام 2006م بعد أن اتصل بي طالبا الحديث إلي ووافقت على ذلك.
توجهت إلى مكتبه في التوجيه المعنوي بصنعاء وهناك ايضا مكاتب صحيفة 26سبتمبر وفي الجوار مكتب آخر ل عبده بورجي ولم أدخل مكتبه هذا إلا في بدايات ثورة 2011م مع الزميل أحمد زيدان مراسل الجزيرة آنذاك الذي ابتعث ليغطي أحداث الثورة بصنعاء.
أعود ل علي الشاطر في مكتبه فقد سلم علي بكل احترام وأبلغني أن الرئيس غاضب .. وطبعا أنا لم أكن أعرف بعد هذه الكواليس ولاعلاقات الصحفيين بالرئاسة والجهاز الإعلامي وسألته مم غضب الرئيس .
قال إن تقريرا لي بثته الجزيرة حول الفقر عرض اليمن بشكل سيء سواءكان ذلك في الصور أو في المعلومات وقدكان الرجل يقصد أحد تقاريري بث في برنامج مراسلو الجزيرة الذي كان يقدمه محمد خيري البوريني ثم قدمه الزميل عبدالسلام أبومالك وهو تقرير مدته اثناعشرة دقيقة ويعرض بشكل موسع الفقر في اليمن والدرجة التي وصلت إليها الإوضاع الإقتصادية وأحوال الناس في البلاد.
لا أتذكر كيف انتهى اللقاء لكني اذكر جيدا بأنني كنت اعتمد على أمرين رئيسين في لقائي بأي فرد من السلطات في ذلك الوقت فقدكنت أعبر بلباقة عن احترامي لبلدي وفي نفس الوقت أتمسك بمهنيتي وخصوصية عملي ولكن بلياقة شديدة .
كان عمري آنذاك خمسة وعشرون عاما عندما بدأت العمل مراسلا في الجزيرة2004م وهذه المرحلة العمرية من أجمل مراحل العمر لصحفي تدرج في العمل الصحفي منذ البداية ففي الإعدادية حين كنت بتعز بدأت العمل في الجمهورية الصحيفة وكنت أكتب في يوميات الجمهورية ثم انطلقت لأجري حوارات واستطلاعات وبينهما اشتهرت كشاعر تسعيني ولا أنسى في فترات تعز مساهماتي في المجلات العربية المعروفة عبر صندوق بريد في مكتب البريد بتعز.
وخلال تلك الفترة كنت أساهم بقوة في مهرجانات تعز الشعرية والخطابية كشاعر عمود قبل أن أنتقل لكتابة الشعر الحديث .
بعدها انتقلت للعمل في مجموعة هائل سعيد كإعلامي أيضا واستمر ذلك عامان ونصف ثم انتقلت لصنعاءلأعمل فترة قصيرة في وكالة الأنباءاليمنية التي كان يرأسها الصديق نصرطه مصطفى.
علي عبدالله صالح
وعبرت عن خيبة أملي من التعامل الإداري والمالي فيها حيث كنت أعمل في المجلة الاقتصادية التابعة لها .
بعدها التحقت بصحيفة الثورة محررا ثقافيا وكان يرأسها العزيز علي ناجي الرعوي وللأمانة فقد كانت فترة رائعة .
وخلال عملي في الثورة الصحيفة بدأت العمل في التلفزيون بالصدفة المحضة وكان مدير التلفزيون آنذاك الصديق عبدالغني الشميري الذي تعرفت عليه بعد دخولي الفضائية اليمنية وهناك عملت على برنامج تلفزيوني ثقافي كان الزميل عبدالله الحرازي أحد معديه .

وانتقلت للجزيرة بعدتجاوزي اختبارات مكثفه على يد فريق قدم من الدوحة أجرى اختبارات مع عدد من الصحفيين والمراسلين آنذاك وكانت تجربة جميلة.
المهم لم تكن الجزيرة عملا سهلافأنا أقل الصحفيين احتكاكا بالعمل الأخباري الميداني حينها لكني تجاوزت الامتحان بمجموعة الخبرات التي اكتسبتها سواء في التلفزيون أو العمل الصحفي ومنذ ذلك الحين أعني التحاقي بالعمل كمراسل للجزيرة في صنعاء لم أعرف لراحة البال معنى أما في اليمن فقد كنت أعيش حالة رعب خائفا أترقب ففي بداية عملي 2006 فوجئت بتسجيل مكالمة هاتفية مع عائلتي وزعت على عدد من الصحفيين أحدهم الأخ جمال عامر الذي وصلته المكالمة واتصل بي وقلت له دعنا نسمعها معا عبر الهاتف.
وطبعا وصلت نسخة منها للمركز الرئيسي للقناة في الدوحة وبغض النظر عن أهمية مادار في المكالمة لأنه غير مهم ولكن كان المقصود إحراجي ورغم أن الجزيرة وأنا تجاوزنا هذا الأمر إلا أنني اعترف لأول مرة بأن ماحدث نال مني نفسيا لأبعد حد وبلاحدود.
العميد علي الشاطر مدير التوجيه المعنوي الاسبق
وجدت نفسي أطيل الآن دون قصد مع أني كنت أريد الدخول في الموضوع والخروج منه بسرعة.
المهم أريد أن أقول أنني كنت آخذ عملي كمراسل ميداني في قناة كالجزيرة على محمل الجد فتأثير الجزيرة له فعل السحر عند المواطن وعند الرئيس والحكومة وكم كنت أشعر بالسعادة عندما أجد إعجاب الناس ومحبتهم وفي المقابل غضبهم واستيائهم.
كانت الجزيرة في أوج عطائها وتقدمها وكانت وحيدة وبلامنافسين وكان تأثيرها رهيب وجباروكم ساهمنا آنداك في إصلاح أوضاع وتغييرها وكم رن هاتف عبده بورجي سكرتير صالح الإعلامي محتجا على خبر أو تقرير قائلا إن الرئيس يقول كذا وكذا.
كنت لبقا وكنا نسمع وعادة لانتجاوب إلا مع ماقديكون صحيحا .
لكن وبعد أن تكالبت الأحداث على نظام صالح الحراك الجنوبي ،والحوثي ،والمعارضة ،كانت علاقتنا تسوء بالنظام وكانت فترات من الاعتقالات والاحتجازات والإساءات في الصحف لاتنسى .
ثم تطورت الأمور من ذكر الجزيرة بالسوء في الإعلام إلى ذكر الصحفي بالإسم وهذا بالطبع يثير الرعب.
كل هذا في ظل تخاذل من قبل الزملاء واقصد الصحفيين اليمنيين والنقابة تحديدا مع الإحترام لجميع الزملاء.
وهناك حكايات وقصص كثيرة سأذكرها في حينها إن شاء الله.
عبده برجي السكرتير الصحفي لصالح
عام 2009م كانت آخر لقائاتي الشخصية بعلي عبدالله صالح فقد التقيته في دار الرئاسة بصنعاء بعد دعوة من قبل مدير المراسم أعرفه جيدا لكن نسيت اسمه الآن .
أعددت تقريرا يومها عن استعراض عسكري في شارع السبعين .. كان صالح حاضرا فيه وألقى خطابا هاجم فيه الحوثيين وكانت طبيعة العرض العسكري مخصصة للقول بأن الجيش اليمني جاهز للرد على الحوثيين بحسب ما أتذكر.
كان صالح في مأزق فعلي ،علاقته مع المعارضة متعسرة بعد انتخابات2006 م التي وقفت فيها المعارضة ضده ولديه مشاكل في الجنوب وحرب صعدة السادسة التي يتقدم فيها الحوثيون.
اتصل بي مدير المراسم يلومني على التقرير الجريء والقوي ثم حددلي موعدا مع صالح وأعتقد كان الوقت في الظهر.
انتظرت طويلا... وأتذكر حينها أنني وقت الإنتظار التقيت عبد القادر هلال رحمه الله وعلاقتي به كانت جيدة.
وجدت صالح في خيمته الصغيرة التي تتوسط دارالرئاسة بصنعاء كان بجانبه عبدالله البشيري ثم التحق بنا علي الشاطر بعد أن ناداه صالح لتسجيل طلباتي التي أمليتها عليه.
لايظهر لك الرجل أية عدوانية في البداية لكنه لم يكن يفعل مع كثير من الصحفيين كما يفعل معنا .
فقد كان يشتم كثيرا من الصحفيين على الملأ وهذا طبع معهود فيه.
بدأ الحديث طويلا عن القناة والحكومة والقطرية، وقال :إنه يعرف ان الخطأ من المركز الرئيسي في الدوحة وأنه يثق بالصحفيين اليمنيين وبعد فصل طويل من الكلام قال إن سلطات قطر تحقد عليه.
ولم ينس في آخر اللقاء أن يذكرني بأنني يمني وأن قطر والجزيرة لن تنفعني.
وسألني لو الجزيرة استغنت عنك من بيشغلك غيري ياإبني؟
فقلت له بهدوء:أنت الرئيس ووالد الجميع .
وحين عرفت أن الحديث بدأ يخرج عن إطاره بدأت بالقول إن الجزيرة ايضا ليست ملزمة بعرض وجهة نظركم لأن وزراءك والمسوؤلين يمتنعون عن الظهور في القناة .
استدعى علي الشاطر وأملى عليه بعض التعليمات وطلب منه التواصل معي وانتهى الحديث عند هذا الحد.
عندما غادرت دار الرئاسة في منتصف سبتمبر2009م شعرت بمدى الضعف والوهن الذي أصاب صالح ونظامه وقلت في نفسي لقدأكمل الرجل دورته ويبدو أن شيئا ما سيحدث ومنذ ذلك الوقت حتى2011م لم يعرف صالح ونظامه الهدوء وازدادت الأمور سوءا.
هناك لقاءات أخرى مع صالح بعضها طريف وهناك مواقف ومخاوف وذكريات سأتذكرها حين يكون الوقت مناسبا وأعلم ان كثيرا من زملائي لديهم الكثير من الذكريات!