[ أحمد الشلفي يواصل سرد ذكرياته.. بشائر الربيع(2) ]
قبل أن أعود لصنعاء في بداية يناير2011م كان الناس غاضبين من طريقة تغطية قناة الجزيرة لمظاهرات صنعاء المطالبة بإسقاط النظام.
كانت توكل كرمان وخالد الآنسي وعبدالباري طاهر وأحمد سيف حاشد وسامية الأغبري وأسماء كثيرة لا أتذكرها الآن من أوائل من خرجوا للتظاهر ضد النظام ولاحقا بدأت جامعة صنعاء وطلابها فيما سمي بعد ذلك بحركة 15 يناير الطلابية وكانت الشرارة الحقيقية هي المظاهرات التي كانت تنطلق من أمام النصب القريب من بوابة جامعة صنعاء وتتحرك باتجاه شوارع صنعاء.
كان الأمن في البداية يلاحق المتظاهرين ويقوم باعتقالهم في سيارة الشرطة ويضرب بعضهم بالهراوات ثم يفرج عنهم لاحقا.
مراسل الجزيرة أحمد زيدان
ومرة اعترض رجال أمن بلباس مدني مظاهرة في شارع حدة أو قريبا منه وفرقها واعتدى على الصحفية سامية الأغبري وأدخلت إلى المستشفى بعد إصابتها برضوض وفقدانها الوعي.
وكعادة قناة الجزيرة في تغطية الأحداث وخاصة أحداث المظاهرات والمسيرات أن تتبع الخبر لاأن تسبقه أعطت القناة الحيز المناسب بحسب ما يحدث على الأرض وبدأت عاصفة الإنتقادات حول تغطية القناة لفعاليات المظاهرات اليمنية تأتينا من كل حدب وصوب وزعم كثيرون أن القناة متواطئة مع النظام ولم يكن الأمر كذلك بالطبع فالمظاهرات كانت في ذلك الوقت بالعشرات ولا تصل لمرتبة إفراد تغطية واسعة.
كتبت توكل كرمان في ذلك الوقت عشرات الرسائل والمقالات حول تغطيتنا وضعفها وطالبتنا جميعا بالإسم وطالبت القناة بإعطاء المظاهرات ما تستحقه.
مراسل الجزيرة عبدالحق صداح
كان المتظاهرون جميعا غاضبون من طريقة تغطيتنا أما السلطات فقد جن جنونها لقد كنت أتلقى عشرات الرسائل بالتهديد بالقتل والموت وخطف أبنائي والشتم البذيء جدا لعائلتي لدرجة أني اعتقدت بأن هناك غرفة خاصة مهمتها فقط الإتصال بي ولازلت حتى اللحظة احتفظ بعشرات الأرقام التي كانت تتصل وترسل الرسائل في ذلك الوقت للتخويف والتهديد.
زد على ذلك أنني كنت ذات مرة على سطح المكتب في شارع الزبيري بصنعاء أقوم ببث مباشر حول الأحداث وسمعت إطلاق رصاص تجاهنا ومرة قتل أحد الموظفين في عمارة مقابلة لنا بسبب إطلاق الرصاص العشوائي.
لاحقا كانت السلطة ترسل مسلحين مدنيين لمحاصرة المكان ومحاولة اقتحام العمارة التي كان مكتبنا فيها في الدور العاشر وهي عمارة السعيد.
أما أكبر حدث شهدته تلك الفترة فكان في الثالث والعشرين من يناير حين اعتقلت السلطات اليمنية توكل كرمان في أول حادثة اعتقال سياسي لامرأة في اليمن.
الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان وزوجها محمد اسماعيل النهمي
اعترض مسلحون توكل وزوجها محمد إسماعيل النهمي أثناء عودتهما في وقت متأخر من الليل من منزل عبدالوهاب الآنسي الأمين العام لحزب الإصلاح وأودعت في سجن النساء.
كانت توكل تحاول إقناع الآنسي بأنه حان الوقت لأن ينخرط حزب الإصلاح في المظاهرات ضد النظام ولم يكن الحزب ولا أحزاب اللقاء المشترك قد قررت ذلك بالفعل وخلال اللقاء كان الآنسي يقنعها بالتريث والهدوء لأن النظام غاضب منها.
أصبحت تلك الحادثة نقطة فاصلة تدل على نفاد صبر النظام وعلي عبدالله صالح وكان على هذا الحدث أن يكون الأبرز في الإخبار فما إن أصبح عنوانا رئيسيا في الأخبار بالجزيرة العربية والإنجليزية حتى صار عنوان العالم كله.
أطلقت السلطات سراح محمد النهمي الذي تحدث حول طريقة الخطف .
لم تمر ساعات حتى كان عندي شريط مصور لتوكل وهي في السجن بعد أن تمكنت رفقيتاها بشرى حسن وأفراح الأكحلي من زيارتها والتقاط بعض الصور من خلف القضبان.
قمنا ببث الصور فور وصولها وتناقلتها وسائل الإعلام وأصبحت السلطات في موقف ضعيف جدا وتنادت المؤسسات الحقوقية والقبائل اليمنية تدين الفعل الشائن للنظام اليمني الذي يخرق الأعراف اليمنية ويسيء للمجتمع اليمني.
في اليوم التالي وتحت الضغط الكبير أفرج عن توكل وسط احتفاء كبير بذلك وهنا بدأ تحول حقيقي في مسار المظاهرات فالإفراج عنها هو كسر لهيبة النظام واعتقالها شكل فكرة لدى الجميع عن حالة ثورة تتشكل والقمع هو عنوان لبداية أية ثورة.
كنا ثلاثة مراسلين الزميلين سعيد ثابت مدير المكتب وحمدي البكاري وأنا، وفي تلك الفترة ربما في أواخر يناير أو بداية فبراير قررت القناة إرسال الزميلين عبدالحق صداح وأحمد زيدان إلى مكتب اليمن للتغطية بعد أن تصاعدت الأحداث وفقد النظام صوابه فقد كان القمع للمظاهرات يوميا وأخرج النظام مظاهرات مناوئة للمتظاهرين السلميين وكانت تحدث صدامات بسبب ذلك واستمر المسلحون المدنيون يطاردون المتظاهرين في كل مكان وبدأت تحدث إصابات بين المتظاهرين وكان تغطيتنا تتصاعد بالتدريج بحسب الأحداث على الأرض.
كانت شاشات العالم كلها تنقل أحداث الثورة المصرية ثورة الخامس والعشرين من يناير على مدار الساعة وكان الثوار في كل بلد يتعلمون من بعضهم وكانت ثورة مصر ملهما لكل الثورات العربية في بداياتها.