استهداف المدنيين في اليمن لا يوقف جهود تمديد الهدنة
- متابعة خاصة الجمعة, 29 يوليو, 2022 - 11:31 صباحاً
استهداف المدنيين في اليمن لا يوقف جهود تمديد الهدنة

[ تظاهر أهالي تعز للمطالبة برفع الحصار (أحمد الباشا/فرانس برس) ]

على الرغم من أن عداد الضحايا في اليمن لم يتوقف خلال الهدنة التي انطلقت في 2 إبريل/ نيسان الماضي لشهرين، قبل تجديدها مرة ثانية حتى 2 أغسطس/ آب المقبل، فإن المساعي تتكثف لتمديدها مرة جديدة، مع بروز انخراط أميركي لافت في هذه الجهود خلال الأيام الأخيرة.

 

غير أن أسئلة تُطرح حول جدوى هذا التمديد تحديداً بالنسبة للمدنيين، مع مواصلة الحوثيين عدم الالتزام الكامل ببنود الهدنة، خصوصاً عبر القصف الذي يودي بحياة مدنيين، إضافة إلى تعمّد إبقاء الحصار على تعز ورفض فتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة.

 

المزيد من الضحايا اليمنيين

 

وخلال الأيام الماضية، شهدت محافظات يمنية عدة سقوط قتلى وجرحى من المدنيين في ظل سريان الهدنة، أكان بسبب القصف المدفعي على المناطق السكنية من الحوثيين ومحاصرتها أم بسبب الألغام التي تحصد أرواح السكان بشكل يومي.

 

وشنّ الحوثيون هجمات مدفعية استهدفت مدنيين، ونالت مدينة تعز النصيب الأكبر، إذ قُتل طفل وأصيب 11 آخرون السبت، 23 يوليو/ تموز الحالي، جراء قصف مدفعي استهدف حي الروضة، وسط المدينة.

 

وفي اليوم التالي استهدف قصف المطار القديم، من دون تسجيل سقوط ضحايا. والثلاثاء الماضي، أصيب طفل بطلق ناري في الجانب الأيمن في منطقة المطار القديم بمدينة تعز. ووفق شهود عيان، فإن القنص مصدره تمركز الحوثيين في المدرجات غربي تعز. كما تم استهداف مناطق سكنية في اليوم نفسه في حي بريد الروضة، وسط المدينة.

 

وفي الوقت الذي لاقت فيه عملية القصف التي استهدفت الأطفال إدانات محلية ودولية واسعة، إلا أنها شددت على ضرورة تمديد الهدنة. وقال المبعوث الأممي في اليمن هانس غروندبرغ، في بيان: "سأستمر في الانخراط مع الأطراف لتمديد الهدنة وتوسيع نطاقها، وللتأكد من أنّ اليمنيين في جميع أنحاء البلاد يختبرون الحماية، وحرية أكبر في الحركة، والأمل الذي من المُفترض أن تؤمنه هذه الهدنة".

 

وأضاف: "كما أنني قلق بشكل خاص لأن هذا الهجوم، وغيره من الهجمات في أماكن أخرى من اليمن، قد وقع خلال الهدنة. لقد عانى أهالي تعز معاناة شديدة خلال سبع سنوات من الحرب، وهم أيضاً بحاجة إلى الهدنة لتحقيقها لهم من جميع جوانبها".

 

كشفت الحكومة عن مقتل 20 شخصاً وإصابة 108 في محافظة تعز فقط بفعل هجمات الحوثيين منذ بدء الهدنة

 

وكشفت الحكومة اليمنية، السبت الماضي، عن مقتل 20 شخصاً وإصابة 108 في محافظة تعز فقط بفعل هجمات الحوثيين منذ بدء سريان الهدنة، مطلع إبريل/ نيسان الماضي، بحسب تصريح صحافي لوزير حقوق الإنسان أحمد عرمان، الذي أكد "أن خروقات الحوثيين للهدنة بلغت 7181 خرقاً، نتج عنها 52 قتيلاً و173 مصاباً في عدد من المحافظات اليمنية".

 

يُذكر أن الهدنة وإضافة إلى أنها تنص على وقف إطلاق النار، فإنها تدعو في بنودها إلى السماح بدخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وتسيير رحلتين تجاريتين أسبوعياً من مطار صنعاء، بالإضافة إلى فتح الطرق بمدينة تعز ومحافظات أخرى، وكل البنود نفذت ما عدا الأخير.

 

حصار قرية خبزة

 

منذ نحو أسبوعين يحاصر الحوثيون قرية خبزة في محافظة البيضاء، وهاجموها بقصف مدفعي أسفر عن مقتل 13 مدنياً. كما أدى القصف إلى تضرر واحتراق عدد من المنازل في القرية، إضافة الى تضرر آبار مياه الشرب ومزارع للمواطنين، وفق ما أفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد". والجمعة 22 يوليو، توصلت وساطة من قبيلة إلى حل لإنهاء حصار القرية، غير أن المعطيات على الأرض أظهرت أن الحصار مستمر.

 

وبدأت جماعة الحوثي حصارها لخبزة في 12 يوليو، بمزاعم تعرّض نقطة أمنية لاعتداء من قبل مسلحين منتمين لتنظيم القاعدة، وفق تصريح المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة الحوثيين عبد الخالق العجري.

 

ونفت مصادر قبلية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، اتهامات جماعة الحوثي، واعتبرت التهم الموجهة لتصفية حسابات قديمة مع القرية التي سبق أن قاومت الحوثيين وهم حالياً يحاولون السيطرة عليها مجدداً، وأفادت بأن مكان الاعتداء الذي استهدف قوات أمنية تتبع للحوثيين يبعد عن القرية بنحو 5 كيلومترات.

 

من جهتها، كشف الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، وهي منظمة محلية، يوم الجمعة الماضي، أنها رصدت 152 انتهاكاً ارتكبها الحوثيون ضد المدنيين في قرية خبزة بمحافظة البيضاء خلال 9 أيام من الحصار، ووثّقت مقتل وإصابة 18 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، و28 حالة اختطاف لمواطنين بالإضافة إلى 84 حالة استهدفت تدمير المنازل، منها تفجير 16 منزلاً كلياً.

 

الألغام قاتل آخر لليمنيين

 

خلال الأشهر الماضية من الهدنة، ومع توقف القتال والمعارك في الجبهات المشتعلة في عدد من المحافظات اليمنية، برزت الألغام كقاتل آخر يحصد أرواح المدنيين الذين يحاولون التحرك في مناطق جديدة. ولا يكاد يمر يوم إلا وتُسجل إصابات أو حالات وفاة بسبب الألغام، سواء من المدنيين أو العسكريين، وغالبيتهم من المدنيين.

 

برزت الألغام كقاتل آخر يحصد أرواح المدنيين الذين يحاولون التحرك في مناطق جديدة

 

وظهر الثلاثاء الماضي، قُتل طفلان في منطقة قربة بمحافظة البيضاء بانفجار لغم بهما أثناء مرورهما في طريق إلى أحد الأودية لرعي الأغنام، وفق ما نقلت مصادر حقوقية. وفي محافظة الجوف وثّقت لجنة حكومية محلية مقتل 11 شخصاً وإصابة آخرين إثر انفجار ألغام خلال شهر يوليو الحالي فقط.

 

وفي 21 يوليو، قُتل أربعة مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال جميعهم من أسرة واحدة، بانفجار لغم أرضي بمديرية الحوك في محافظة الحديدة. وقالت البعثة الأممية لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، إن انفجار اللغم حدث أثناء جمع الضحايا خشب الوقود، وأضافت في بيان: "أن أكثر من نصف الضحايا الذين أفيد بمقتلهم أو إصابتهم في حوادث الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب في شهر يوليو هم من الأطفال".

 

ومطلع يوليو الحالي، قالت منظمة إنقاذ الطفولة الدولية إن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة كانت أكبر قاتل للأطفال في اليمن منذ إعلان الهدنة الأممية في إبريل/ نيسان الماضي، وأفادت في بيان بأن "الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في اليمن كانت مسؤولة عن أكثر من 75 في المائة من جميع الإصابات المرتبطة بالحرب بين الأطفال، ما أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 42 طفلاً بين إبريل ونهاية يونيو".

 

تحرك أميركي لتمديد جديد للهدنة

 

وعلى الرغم من استمرار القتل، تتحرك الولايات المتحدة لتمديد الهدنة الأممية مرة أخرى. ونقلت السفارة الأميركية في اليمن عن سفيرها ستيفن فاغن إعلانه أن "اجتماعاً عُقد في الرياض، الإثنين، مع مبعوث الأمم المتحدة ونظرائه الدبلوماسيين"، من دون تسميتهم.

 

وأضاف: "كررت الولايات المتحدة (خلال الاجتماع) دعمها القوي للجهود الأممية، وأهمية الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي جلبت ارتياحاً ملموساً للشعب اليمني". وتابع فاغن: "دعت الولايات المتحدة الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب الهدنة ودعم اتفاق هدنة جديد لفترة أطول".

 

جاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان وزارة الخارجية الأميركية عن سفر مبعوث بلادها لليمن تيم ليندركينغ في جولةٍ إلى الرياض وعمّان الأردنية اعتباراً من الإثنين 25 يوليو "لبحث ومناقشة تمديد الهدنة في اليمن".

 

وقالت إن مشاورات مبعوثها ستركز على "توسيع وتمديد وتجديد اتفاقية الهدنة الحالية التي ستعزز الفوائد الملموسة لدى اليمنيين وتبني نحو عملية سلام أكثر شمولاً وشمولية ووقف دائم لإطلاق النار".

 

ليندركينغ: من الضروري أن تمدد الحكومة والحوثيون الهدنة ويستمران في دعم جهود الأمم المتحدة

 

والتقى ليندركينغ نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني فرج البحسني في الرياض، وبحث معه تمديد الهدنة، وفق تغريدة نشرتها الخارجية الأميركية مساء الثلاثاء. وأكد ليندركينغ دعم الولايات المتحدة للمجلس الرئاسي اليمني، مشيراً إلى أن "الحكومة اليمنية أظهرت دوراً قيادياً تجاه الهدنة الحالية"، وأضاف: "من الضروري أن يمدد الطرفان (الحكومة والحوثيين) هذه الهدنة ويستمران في دعم جهود الأمم المتحدة".

 

مقابل ذلك، تراوح مواقف الحوثيين بين رفض تمديد الهدنة، وبين الاشتراط لذلك. وفي 17 يوليو الحالي، استهجن المجلس السياسي الأعلى للحوثيين في بيان "الحديث عن تفاهمات حول تمديد الهدنة في البلاد"، واعتبر أن "الهدنة التي لم يلتزم طرف العدوان بتنفيذ بنودها مثّلت تجربة صادمة ومخيبة للآمال، ولا يمكن تكرارها في المستقبل".

 

لكن المجلس عاد لوضع شروط للقبول بتمديد الهدنة. وفي اجتماع له، الإثنين الماضي، نشرت فحواه وكالة "سبأ" التابعة للحوثيين، قال المجلس إن "تجديد الهدنة يقتضي الالتزام (من جانب الحكومة) بصرف مرتبات جميع الموظفين (في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين) وإعادة الخدمات (الأساسية) التي قطعها العدوان"، كما شدد على "ضرورة فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة بشكل كامل".

 

في المقابل، لا يوجد موقف رسمي واضح من الحكومة اليمنية يرفض تمديد الهدنة على الرغم من الخروقات والتعثر في بنودها.

 

لا هدنة بدون إنهاء حصار تعز

 

يرى محتجون على مسار تطبيق بنود الهدنة الأممية في اليمن أن لا فائدة من تمديدها في ظل استمرار سقوط الضحايا المدنيين والحصار على مدينة تعز، إذ يرفض الحوثيون الالتزام بهذا البند المتعثر من الاتفاق. ويوم الثلاثاء الماضي، شهدت مدينة تعز تظاهرة حاشدة تطالب بإنهاء الحصار الحوثي، وتندد بما وصفه المتظاهرون بـ"التواطؤ الأممي" إزاء جرائم الحوثيين بحق المدنيين رغم الهدنة الأممية.

 

وطالب المحتجون في بيان المبعوث الأممي بـ"استكمال تنفيذ بنود اتفاق الهدنة وبالذات وقف إطلاق النار وإيقاف التحشيد العسكري للحوثيين وفتح كافة الطرق الرئيسة المعروفة في تعز"، ومن الجانب الحكومي "رفض الهدنة التي تحوّلت إلى غطاء لجرائم الحوثيين بحق المدنيين في تعز".

 

ويعبّر موقف المحتجين في تعز عن حالة من الغضب جراء هجمات الحوثيين ضد المدنيين في المدينة، في الوقت الذي لم يطبّق فيه البند الخاص بفتح الطرق في تعز.

 

ورأى الصحافي والناشط الحقوقي في تعز مازن عقلان أن "جماعة الحوثي تستخدم الهدن الأممية لتحقيق مكاسب عسكرية ومعها تتصاعد الانتهاكات والقصف ضد المدنيين كما حدث أخيراً في تعز".

 

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الهدنة التي يراد تمديدها لم تتحقق منها إلا المزايا والمكاسب التي منحت للحوثيين، كفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء، بينما يرفضون فتح الطرق الرئيسية في تعز والمحافظات الأخرى".

 

وقال إن "المجتمع الدولي يشكّل مظلة وغطاء للجرائم والانتهاكات الحوثية، ففي حين يطلق التصريحات الجوفاء عقب كل جريمة يرتكبها الحوثيون في تعز، فهو لا يمارس أي ضغوط حقيقية لوقف هذه الجرائم وتنفيذ مقترح المبعوث الأممي بفتح الطرق في تعز ورفع الحصار عنها".


التعليقات