سلط مركز "كارنيغي للشرق الأوسط" الضوء على التعافي الاقتصادي في اليمن والاحتياجات اللازمة لإنهاء الحرب التي تشهدها البلاد من ثماني سنوات.
وقال المركز في تقرير أعدته أمة العليم السوسوة إن اليمن، الذي يُعَدّ من أفقر البلدان قبل الحرب ويشهد الآن أزمة إنسانية تُعتبَر الأسوأ في العالم، يحتاج إلى مساعدات إنمائية كبيرة فضلًا عن إرساء علاقات سلمية مع جيرانه في شبه الجزيرة العربية ومع المجتمع الدولي كي تنطلق عملية إعادة الإعمار. وفقًا لدراسة صدرت حديثًا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تسبّبَ النزاع بتباطؤ التنمية البشرية في اليمن بمقدار 21 عامًا، مشيرا إلى أن التحدّيات كثيرة، منها قدرة الحكومة المحدودة على استيعاب تعهدات الدول المانحة، والإجراءات المعقّدة والبيروقراطية الشديدة التي ترافق تنفيذ المشاريع المموَّلة من الجهات المانحة.
وأضافت "طوال أكثر من ستة عقود، حصل اليمن على الدعم الدولي من خلال المساهمات الثنائية والمتعددة الأطراف من مجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي، ومنظمات الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية، والمصارف. وقد استُخدِمت هذه المساعدات إلى حد كبير في دعم الموازنة والعملة الوطنية. وقُدِّم أيضًا تمويل خارجي للبنى التحتية مثل المصانع والطرقات والجسور والمطارات والمستشفيات والمؤسسات التربوية العامة والمهنية، والصحة العامة، ومشاريع تطوير شبكات المياه وأنظمة الصرف الصحي.
وتابعت السوسوة وهي -مستشارة أولى في مكتب كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي- "لا بد من الإشارة إلى أنه كان للخطط الإصلاحية التي وضعتها الجهات المانحة والأفرقاء الخارجيون أثرٌ محدود لأنها كانت مجتزأة بمعظمها ولم تستوفِ الحاجة الأساسية إلى إصلاح منهجي شامل.
وذكرت السوسوة أن الإصلاحات في أيّ مجتمع تتطلب رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية بعيدة النظر، بالإضافة إلى عقدٍ اجتماعي يرسي منظومةً قائمة على احترام الدستور والقانون والانتقال السلمي المنتظم للسلطة من خلال صناديق الاقتراع. من شأن المساواة في المواطنة، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية، وحماية حقوق المجتمعات المحلية وثقافتها أن تقطع شوطًا طويلًا نحو ضمان أسس الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي.
وأردفت "إذا فُرِض مستقبل اليمن من الجهات العليا، مع ممارسة الأفرقاء الخارجيين تأثيرًا لا مسوّغ له، فسوف يكون مشوبًا بالخلل ومصيره الفشل".
ولفتت إلى أن الاحتجاجات التي أدّت إلى إطاحة الرئيس صالح في عام 2011، سلطت الضوء على رغبة المواطنين اليمنيين في صناعة مستقبلهم بأنفسهم.
واستطردت "من الأهمية بمكان أن يبني المجتمع الدولي على مهارات اليمنيين في الوساطة بدلًا من محاولة فرض إرادته. فهذا لن يؤدّي فحسب إلى زيادة تقبّل الجهات المانحة بل سيساهم أيضًا في تمكين المواطنين اليمنيين لتحديد مستقبلهم".
وأكدت أن الحاجة الأكثر إلحاحًا هي إنهاء القتال والحصار. وقالت "لا بد من وقف أعمال العنف لأنه السبيل الوحيد كي تدخل السلع والخدمات الضرورية إلى اليمن، بما في ذلك المواد الغذائية، والأدوية، ومواد الزراعة والبناء".
وأوصت عند التوصّل إلى اتفاق، يجب اتّخاذ خطوات عدّة. الخطوة الأولى هي ترميم المطارات والموانئ المدنية الكبرى وفتحها من جديد ليتمكّن اليمنيون من الدخول إلى بلادهم والخروج منها بحرّية. ونظرًا إلى مستوى الدمار الذي تسبب به النزاع، تحتاج بعض المدن في اليمن، لا سيما صعدة وتعز، إلى إعادة إعمار واسعة.
وقالت السوسوة "لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية بالاعتماد فقط على مساعدات الجهات المانحة وإنعاش الإيرادات الحكومية. فمستقبل اليمن مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمستقبل شعبه الذي يفوق عدده الآن 29 مليون نسمة. والمستقبل هو ملكٌ لشباب اليمن الذين يشكّلون الفئة العمرية الأكبر في البلاد".
واستدركت "يجب أن يتوافر لهم نظام تعليمي قادر على تعزيز المواطنة، والحفاظ على صحتهم، وتزويدهم بالمهارات الضرورية للحصول على وظيفة في اليمن وخارجه. من الأهمية بمكان إشراك النساء اليمنيات في عملية صنع السلام. تشكّل النساء أكثر من نصف السكان اليمنيين؛ ولذلك يُعتبَر دورهنّ محوريًا في النمو الاقتصادي للبلاد".
وذكرت أن السياسات الإنمائية السابقة منيت بفشلٍ ذريع، لأنها صُمِّمت ونُفِّذت من أعلى الهرم إلى أسفله. تُعتبَر المشاركة النشطة للمجتمعات المحلية وازدهار المجتمع المدني المؤلَّف من السكان المحليين أساسيَّين لتحقيق النجاح. الطريق إلى الأمام حافلٌ بالعقبات، ولكن يحتاج اليمنيون إلى التعافي من جراح الحرب كي يتمكّنوا من العيش والازدهار في بلدٍ ينعم بالحرية والسلام في الداخل ومع الدول المجاورة له.